تركيا.. أين المفرّ من حركة غولن!

بعد كل هذه السنوات أن قوانين اللعبة لكل جماعة سياسية في تركيا تستلزم أن نعيش في الوحل، ولن تجد أي دعوى للتطهر والتحلي بروح العدل أي استجابة.

بقلم: هايلي أكاي

من أكثر المواقف الصادمة التي اكتشفتها في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، هو أن شخصا ما عملت معه طويلا في مكتب واحد كان عضوا في حركة غولن، التى يتم تحميلها المسؤولية عن المحاولة الفاشلة للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، وقد غادر البلاد فعلا.

غير أنه لم يكن ما مثل صدمة لي كونه من أتباع رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، والذي كان في السابق حليفا لأردوغان قبل أن يتحول إلى عدو له، فأنا كنت أعرف عنه دائما التدين. إن ما مثل لي صدمة هو أنه أخفى هويته في أحد الملاذات النادرة في تركيا – في إحدى الجامعات – حيث لا يصدر أحد أحكاما على أحد. فقد كان بقيتنا يتعلقون بهذه الفرصة ويعتزون بها، إذ كنا نتفاخر بالكشف عن هوياتنا وتوجهاتنا ومعتقداتنا. أما الآن، فقد صرنا عندما نعود بالذاكرة إلى الماضي نشعر في بعض الأحيان بأننا مشدوهون كيف كنا محظوظين في الماضي.

في السنوات العشر الماضية، عملت في عدد كبير من المشروعات. وقد كان علي بحكم تلك المشروعات أن ألتقي بموظفين عامين ينتمون إلى طيف واسع من الآراء السياسية وأن أعمل معهم. بعد عدة أشهر من محاولة الانقلاب التي وقعت في الخامس عشر من يوليو – وكان ذلك في وقت ما خلال فصل الخريف – تنبهت فجأة إلى أن أرقام هواتف الكثيرين من أعضاء الحركة السرية قد تكون مدونة على هاتفي، وتساءلت ما إذا كان علي أن أحذف تلك الأرقام. هل يتعين علي أن أقارن الأسماء المدونة على هاتفي بقوائم الموظفين العامين الذين فُصلوا من وظائفهم بموجب قرار حكومي؟ لكن كيف لي حتى أن أعرف أن تلك القوائم صحيحة؟

قبل وقت طويل من 15 يوليو، عندما علمنا بحركة أنصار غولن السرية، حاولت ألا أشارك في أي مناسبة من تلك التي كنت أعرف أن منظميها من أعضاء تلك الحركة أو حتى أن من المحتمل أن يكونوا كذلك. وقد كنت أحذر من كانوا يشاركون في تلك المناسبات وأنتقد من يتقربون كثيرا من الحركة.

لذلك، فقد ظللت لسنوات أطرح سؤالاً لا يتغير في أي مرة ألتقي فيها بأناس يشتكون من حركة غولن. هذا السؤال هو "كيف يمكنكم أن تكافحوا ضد مثل تلك المؤسسة من دون أن تنتهكوا الحقوق والحريات؟" وكانت الإجابة أيضا لا تختلف في كل مرة، وهي مفادها أن المسؤول ليس بأعلم من السائل في هذا الأمر.

 

قد يظل شخص ما ممن عملوا في يوم من الأيام لدى وسيلة إعلام هناك مزاعم بصلتها بغولن، أو ممن كتبوا في يوم ما مقالات استخدموا فيها معلومات حصلوا عليها من الحركة، يستنكر انخراط غيره في الكتابة بإحدى الصحف الخاضعة لسيطرة الحركة. تلك المزاعم غالبا ما تنتشر عبر التعريض من دون البوح بشيء علنا. وإذا كان التعاون بشكل ما مع الحركة كصحفي يشكل جريمة، أفلا ينبغي معاملة جميع من فعلوا هذا معاملة واحدة؟

ويمحو الناس من سيرهم الذاتية أي شيء من الماضي قد يكون مرتبطا بالحركة، كما لو كانوا قد ارتكبوا إثما. هل ارتكبوا جريمة بالفعل، أم إنهم يخافون من أن يُجَرّموا؟ هؤلاء الأشخاص ما زال بإمكانهم الانقلاب على غيرهم والتنديد بهم متسلحين في ذلك بسيرهم الذاتية الجديدة وصورهم البراقة.

كنت أسمع لبعض الوقت شائعات حول انتماء البعض ممن أعرفهم – ليس ممن جمعني بهم مكتب واحد، ولكن أشخاصا كنت أعرفهم جيدا وكنت شاهدة على حياتهم بالكامل – لحركة غولن. ولا يملك أي شخص أي دليل على ما يقول، فالجميع يجد سبيله إلى ذلك ثقةً في كلام من يحبه دون أن يهتم أحد للعواقب أو للدمار الذي قد يتسبب فيه لشخص ما زال مقيما في تركيا.

أعرف أنني أكتب هذا بلا فائدة. وأعرف فوق كل ذلك بعد كل هذه السنوات أن قوانين اللعبة لكل جماعة سياسية في تركيا تستلزم أن نعيش في الوحل، ولن تجد أي دعوى للتطهر والتحلي بروح العدل أي استجابة. لكن الشيء الوحيد الذي من الممكن أن يجعل إنسانة مثلي تشعر بالفخر بنفسها في ظل هذه الظروف هو رفضي لتلك القواعد. لذا أنا أسأل من جديد "أين المفر من حركة غولن؟".

ملخص منشور أحوال تركية "أين المفر من حركة غولن"

9 مايو(أيار) 2018