تركيا بين خيارين: سلطوية متزايدة أو تحول ديمقراطي موعود

بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ وحزب الشعب الجمهوري العلماني، سيختار 64 مليون ناخب تركي بين ممارسة سلطوية متزايدة للسلطة تترافق مع تديّن، ووعد بتحول ديمقراطي.

اسطنبول - تتجه الأنظار إلى تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية والتي ستشكل اختبار قويا ومصيريا لتوجهها إما نحو البقاء في فلك نظام تسلطي رسخ حكم الفرد الواحد واختزل كل شيء في شخصه وحزبه الإسلامي المحافظ أو وعود بالتحول الديمقراطي يطلقها مرشح تحالف الأمة المعارض، بينما يبقى المشهد شديد الضبابية ولا يمكن الجزم بما ستقوله صناديق الاقتراع في 14 مايو/ايار.

والواضح في الوقت الراهن أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يمني النفس بالفوز بولاية رئاسية جديدة ويتمسك بأنه الأوفر حظا وبأنه لا يزال يحظى بثقة الناخبين، يخوض سباق الرئاسة مثقلا برصيد من النكسات السياسية والاقتصادية وبتداعيات قاسية للأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا ما رافقه من إغلاقات في السنوات الماضية وبتبعات زلزال مدمر خلف أكثر من 50 ألف قتيل وملايين المشردين ووضع الحزب الحاكم في حرج شديد وهوى بشعبية الرئيس للحظيظ، فيما انضافت اليها نكسة اخرى مع وعكة صحية مفاجئة أجبرت الرئيس على تعليق أنشطة حملته الانتخابية لثلاث ايام عاد بعدها للظهور شاحب الوجه وبدت عليه علامات التعب والارهاق. 

وعلى ضوء ذلك تأخذ الانتخابات الرئاسية التركية طابع استفتاء حول تأييد أو معارضة أردوغان الذي يواجه للمرة الأولى معارضة موحدة بعد 20 عاما على توليه السلطة.

وفي سن 69 عاما، عاد أردوغان الذي غاب لثلاثة أيام هذا الأسبوع بسبب إصابته بفيروس معوي، ليظهر السبت مبديا تصميما على البقاء خمس سنوات إضافية على رأس هذا البلد الذي يعد 85 مليون نسمة والذي قام بتغييره بالعمق.

وينافسه في الانتخابات ثلاثة مرشحين بينهم خصمه الرئيسي كمال كيلتشدار أوغلو (74 عاما) مرشح تحالف من ستة أحزاب معارضة تشمل اليمين القومي وصولا إلى اليسار الديمقراطي ويهيمن عليه حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

تلقى "كمال" كما يقدم نفسه على الملصقات الدعائية الجمعة دعما غير مسبوق من حزب الشعوب الديمقراطي اليساري والمؤيد للأكراد الذي دعا للتصويت لصالحه.

وبين حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ برئاسة أردوغان وحزب الشعب الجمهوري العلماني الذي يمثله كيلتشدار اوغلو، سيختار 64 مليون ناخب تركي بين ممارسة سلطوية متزايدة للسلطة تترافق مع تديّن، ووعد بتحول ديمقراطي. سيجددون أيضاء أعضاء البرلمان.

وتتوقع الاستطلاعات انتخابات رئاسية حامية يؤكد الطرفان أنهما قادران على الفوز بها من الدورة الأولى وإلا فسيتم تنظيم دورة ثانية في 28 مايو.

وحاول كيلتشدار تجنب عقبتين: معارضة النساء المحافظات اللواتي سمح لهن في ظل عهد أردوغان بوضع الحجاب في الجامعات وفي الإدارات العامة، عبر اقتراح إدراج ذلك في القانون وانتمائه إلى الطائفة العلوية الذي كشف عنه في شريط فيديو متجنبا الهجمات في تركيا ذات الغالبية السنّية.

وفي مواجهته في بلد هيمن عليه طوال عقدين أردوغان وحزبه ويواجه أزمة اقتصادية خطيرة وأزمة ثقة مع تجاوز التضخم نسبة 85 بالمئة الخريف الماضي، الرئيس الحاضر دوما والذي يقوم بكل شيء لاستمالة القاعدة الناخبة رغم أنه بإمكانه الاعتماد بشكل لا لبس فيه على 30 بالمئة من أصوات مناصريه.

وبدأ 3.4 مليون ناخب تركي في الخارج التصويت الخميس، فيما سيدلي 5.2 مليون من شريحة الشباب بأصواتهم للمرة الأولى في هذه الانتخابات. هؤلاء لم يعرفوا سوى أردوغان ونزعته السلطوية منذ التظاهرات الكبرى التي جرت في 2013 والتي عرفت باسم جيزي وخصوصا محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.

وتوجه إليهم كيليتشدار أوغلو الذي جعل رسم القلب بالأصابع شعار تجمعاته الانتخابية "من خلالكم سيأتي هذا الربيع".

والعامل الآخر غير المعروف في هذا الاقتراع، هو أثر الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا في 6 فبراير/شباط وأوقع أكثر من 50 ألف قتيل وعددا غير معروف من المفقودين في جنوب البلاد.

وقد واجهت الحكومة اتهامات بالتأخر في بدء عمليات الإغاثة في المناطق المنكوبة التي بات سكانها موزعين الآن في أماكن أخرى أو لاجئين في خيم وحاويات.

وهذا الوضع يضاف إلى القلق حيال نظامية العمليات الانتخابية و"وضع الديمقراطية" في تركيا كما حذر مجلس أوروبا الذي سيرسل 350 مراقبا إلى البلاد بالإضافة إلى هؤلاء المعينين من قبل الأحزاب في 50 ألف مكتب اقتراع.

واتخذت المعارضة زمام المبادرة عبر حشد 300 ألف مدقق ومضاعفة عدد المحامين المدربين على مراقبة الانتخابات بحسب ما قال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن أمن الانتخابات أوغوز خان ساليجي.

وعلى الرغم من ضخامة التحدي يعبر هذا المسؤول عن ثقته قائلا "نحن لا نعيش في جمهورية موز. السلطة ستتغير كما تغيرت عام 2002" حين تولى حزب العدالة والتنمية السلطة.

ويقول هذا الخبير في الحياة السياسية المحلية إن تركيا متمسكة بالديمقراطية قائلا "حتى حين كان العسكريون ينفذون انقلابا كل عشر سنوات، كانوا يضعون سلطتهم أمام اختبار صناديق الاقتراع"، موضحا "للمرة الأولى يتحدث نواب حزب العدالة والتنمية عن هزيمة محتملة".

في هذا الوقت يكثف أردوغان تجمعاته ووعوده الانتخابية مثل زيادة رواتب التقاعد وبناء مساكن وتخفيف فواتير الطاقة، متوجها بشكل خاص إلى النساء والشباب. وحدها الوعكة الصحية تمكنت حتى الآن من إبطاء مساره الانتخابي.