تركيا تراهن عبثا على حلفاء مثقلين بالمشاكل للخروج من أزمة الليرة

الحكومة التركية تتحدث عن بدائل في مواجهة ارتدادات الأزمة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وانهيار الليرة، في تفاؤل يبدو مناقضا لواقع الحال مع محدودية الخيارات المتاحة أمام تركيا للخروج من أزمتها.

إصرار تركي على الهروب إلى الأمام في أزمة الليرة
تركيا تتحدث عن بدائل وسط خيارات محدودة للخروج من الأزمة
لا قطر ولا السودان ولا إيران قادرة على مساعدة تركيا في مواجهة الضغوط الأميركية

أنقرة - تتحرك تركيا في أكثر من اتجاه للخروج من مأزق انهيار الليرة وارتداداتها على اقتصادها المتعثر في ظل أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة التي تتجه بدورها لتشديد العقوبات على الحليف التركي العضو في حلف شمال الأطلسي ما لم تفرج أنقرة عن القس الأميركي الذي تحتجزه السلطات التركية تحت الإقامة الجبرية بدعوى تورطه في دعم الإرهاب.

وتتحدث الحكومة التركية عن أكثر من خيار في مواجهة الأزمة مع الولايات المتحدة، إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن خياراتها محدودة حيث من المستبعد أن تجد بدائل لدى عدد من حلفائها لدعم استقرار الليرة التي انهارت إلى أدنى مستوياتها منذ بداية العام وفقدت حتى الآن أكثر من خمسي قيمتها.

ورغم أن كل المؤشرات تجمع على محدودية الخيارات التركية في الحد من تبعات انهيار الليرة من جهة ومواجهة الضغوط الأميركية من جهة ثانية، تصر أنقرة على المكابرة والهروب إلى الأمام.

وتعليقا على الأزمة مع الولايات المتحدة، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إنه لا يوجد بلد في العالم ليست لديه بدائل.

وأضاف في مؤتمر صحفي عقده اليوم الأربعاء مع نظيره السوداني الدرديري محمد أحمد، في إطار مؤتمر السفراء الأتراك العاشر، بالعاصمة أنقرة، أن بلاده تلقت دعما كبيرا من العديد من البلدان الصديقة والشقيقة والمجاورة في الفترة الأخيرة بالتزامن مع الأزمة التي تشهدها مع الولايات المتحدة.

إلا أن تصريحات الوزير التركي تأتي مناقضة للواقع حيث سارعت إيران فقط لدعم تركيا في أزمتها مع الولايات المتحدة، إلا أن طهران بدورها تواجه ضغوطا أميركية شديدة على خلفية الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي واشفاع واشنطن تلك الخطوة بحزمة عقوبات مشددة يصعب معها على النظام الإيراني مد يد العون لتركيا.

وقال جاويش أوغلو "لا يوجد بلد ليست لديه بدائل وبلا حيلة، كل بلد له عزّته وينبغي احترام هذا".

وأضاف "في الواقع إن الأحداث التي عايشناها أيقظت العالم، أي أن الجميع كان يشاهد المواقف الفظة التي أبدتها الإدارة الأميركية الحالية تجاه جميع البلدان منذ توليها مقاليد السلطة واستخدامها القوة الاقتصادية بفظاظة على كل بلد واليوم رأوها مرة أخرى".

وتابع "لذا، فالجميع الآن يبحث عن مخرج من تسلط الدولار الأميركي".

وأشار إلى أن أوروبا والبلدان التي لديها مستوى معين من العلاقات الاقتصادية مع تركيا، تدرك أن قوة الاقتصاد التركي يصب في مصلحتها أيضا ولا ترغب في إنجراره إلى أزمة.

وأكد أن بلاده ستواصل مساعيها عبر الوسائل الدبلوماسية لإيجاد الحلول للقضايا العالقة مع الولايات المتحدة، مستدركا "لكننا لن نرضخ للضغوط والإملاءات".

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره السوداني الدرديري محمد أحمد
تركيا تطرق عدة أبواب للخروج من أزمتها

والجمعة الماضي، ضاعف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم والصلب التركية.

وجاء قرار ترامب بعد أيام من فرض واشنطن عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين، بعد رفض تركيا الإفراج عن القس الأميركي أندرو برانسون الذي يحاكم في تركيا بتهم تتعلق بـ"الإرهاب والتجسس".

ورد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأن بلاده لا ترضخ بالتهديدات ومستعدة لجميع الاحتمالات الاقتصادية، مشددا على أن خطوة ترامب تضر بالمصالح الأميركية.

وفي وقت سابق الأربعاء، قالت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، إن بلادها ضاعفت الرسوم الجمركية المفروضة على 22 منتجا مستوردا من الولايات المتحدة وهذه النسبة تعادل 533 مليون دولار إضافي، ردا على العقوبات الأميركية.

وفي ما يتعلق بعلاقات تركيا مع السودان، أوضح الوزير التركي أنه عقد مع نظيره السوداني، اجتماع مجموعة التخطيط الاستراتيجي المشترك تحضيرا لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين.

وقال إن السودان بلد استراتيجي بالنسبة لإفريقيا وتركيا، مبينا أن الرئيس التركي أجرى العام الماضي زيارة ناجحة إلى الخرطوم.

وبيّن أن ترميم وإصلاح جزيرة سواكن السودانية، يصب أيضا في مصلحة البلدان التي انتقدت ترميمها.

ونجح الرئيس التركي خلال زيارته للسودان في العام الماضي في الحصول على إدارة جزيرة سواكن الإستراتيجية على الساحل الغربي للبحر الأحمر وهو مجال حيوي بالنسبة لأمن كل من مصر والسعودية.

وتراهن تركيا في الوقت الحالي على دعم دول حليفة مثل قطر وإيران وأيضا السودان لمواجهة الضغوط الأميركية، إلا أن حلفاءها يواجهون بدورهم مشاكل متفاقمة.

ولا يمكن أن تغامر قطر والسودان بتوتير علاقتهما بالولايات المتحدة نصرة لاردوغان في أزمته الدبلوماسية مع واشنطن، فالخرطوم تبني آمالا كبيرة على إنهاء العقوبات الأميركية التي رفع جزء منها فيما أبقت الإدارة الأميركية على جزء آخر منها كما لم ترفع نهائيا اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

ولا تملك السودان من حيث الثقل السياسي والاقتصادي ما تمنحه لتركيا لمساعدتها على تجاوز أزمة الليرة، فالخرطوم غارقة في أزمة سيولة وتواجه نذر احتجاجات اجتماعية واسعة.

أما قطر فإن أي خطوة باتجاه دعم الحليف التركي من شأنها أن تعيد ملف دعمها للإرهاب إلى الواجهة فيما تئن تحت وطأة ضغوط دولية وإقليمية للتخلي عن سياسة دعم وتمويل الإرهاب.

وقد يهدد أي دعم لاردوغان مصالح قطر مع الولايات المتحدة.

الليرة التركية في وضع صعب
حكومة اردوغان تعجز عن وضع حد لتدهور قيمة الليرة مقابل الدولار واليورو

وتبدي الحكومة التركية تفاؤلا بحل أزمة الليرة، معتبرة أن هناك مؤشرات ايجابية على تحسن الوضع الاقتصادي.

وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الأربعاء "إن الوضع الاقتصادي للبلاد بدأ يتحسن اعتبارا من يوم أمس (الاثنين) ونتوقع استمرار ذلك".

وأضاف في مؤتمر صحفي بأنقرة "نتوقع استمرار تعافي الوضع الاقتصادي خلال الأيام المقبلة بالتزامن مع التدابير التي ستتخذها مؤسساتنا المعنية".

وأشار إلى أن بلاده تنتظر حل المشاكل العالقة بأسرع وقت ممكن، مؤكدا على ضرورة احترام الولايات المتحدة عمل القضاء التركي لتحقيق ذلك.

وتابع "تركيا لا ترغب في خوض حرب اقتصادية، غير أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال وقوع أي هجوم ضدها".

وأكد أن التقلبات الأخيرة في سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، لا علاقة لها ببنية الاقتصاد التركي وهيكليته، فما حصل ناجم عن "التدابير والمواقف الأميركية غير المنطقية".

وأضاف أن "تلك التقلبات ما هي إلا حرب اقتصادية وحملة نفسية ومحاولة تشويه صورة الاقتصاد التركي".

إلا أن تصريحات المسؤول الرئاسي التركي تجانب الصواب حيث أن أزمة الليرة ظهرت منذ إعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة وهي الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها بولاية رئاسية جديدة وهيمن حزبه على البرلمان.

وتسببت تصريحات اردوغان حول سعر الفائدة في ارباك وضع الليرة ودفعتها إلى هوة سحيقة، ما يشير إلى أن أسباب الانهيار تعود لسياسات الرئيس التركي ولا تعود إلى إجراء أميركي بمضاعفة الرسوم على واردات الصلب والالمنيوم من تركيا.

ولفت قالن إلى أنه بفضل التدابير التي اتخذتها مؤسسات الدولة التركية ووزارة الخزانة المالية والبنك المركزي ومن ورائهم حكمة المواطنين الأتراك، بدأت الأوضاع الاقتصادية في البلاد بالتحسن اعتبارا من الثلاثاء.

وأكّد أن بنية الاقتصاد التركي قويةً والبنية التحتية لقطاع البنوك صلبة ومتينة، وأن تركيا واحدة من أفضل بلدان العالم في هذا القطاع.