تركيا تعفي دولا أوروبية من التأشيرة السياحية لانعاش الاقتصاد المتعثر

تركيا تعفي مواطني النمسا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا وبولندا وكذلك بريطانيا من شروط الحصول على تأشيرة السياحة لانعاش اقتصادها المأزوم في وقت تتلاشى فيه حظوظها في الانضمام للاتحاد الأوروبي.

أنقرة - تواصل تركيا انتهاج سياساتها المزدوجة مع الدول ففي الوقت الذي يستهدف فيه الرئيس رجب طيب أردوغان القادة الأوروبيين بتصريحات عدائية متواترة، تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم لإنقاذ اقتصاد البلاد المتذبذب عبر التقرب من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، معلنة إعفاء مواطني خمس دول تابعة للاتحاد الأوروبي من تأشيرة الدخول إلى تركيا.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي اليوم الخميس أن بلاده قررت إعفاء مواطني النمسا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا وبولندا وكذلك بريطانيا من شروط الحصول على تأشيرة السياحة لمدة تصل إلى 90 يوما بدءا من الثاني من مارس/آذار.

وقال أقصوي إن تركيا تهدف من هذا الإجراء إلى تعزيز السياحة وأيضا الأعمال التجارية والروابط الثقافية.

وارتفع عدد السائحين الأجانب إلى تركيا 14.11 بالمئة في 2019 مما رفع عائدات البلاد من السياحة إلى 34.5 مليار دولار بحسب بيانات وزارة السياحة ومعهد الاحصاءات التركي في يناير/كانون الثاني.

ويكشف الإجراء الجديد السعي الحثيث لحكومة العدالة والتنمية نحو التقرب من الاتحاد الأوروبي بعد تلاشي آمال أنقرة في الانضمام إليه بسبب التراجع الخطير في مجالات حقوق الإنسان واستقلال القضاء والسياسات الاقتصادية في تركيا.

وقبل عامين، أبدت تركيا استعدادها الكامل لرفع تأشيرات الدخول بينها وبين الاتحاد الأوروبي، من خلال تسليم خطة عمل حول هذه المسألة وملحقاتها، إلى المفوضية الأوروبية إلا أن تلك الخطة لم تلق التجاوب المطلوب من طرف الأوروبيين.

ونقلت وكالة الأناضول الرسمية عن  مصادر دبلوماسية قولها إنّ "خطة العمل المقدّمة من الجانب التركي إلى المفوضية تتضمن 7 معايير حددها الاتحاد الأوروبي .

لكن المواقف السياسية المتقاطعة والإختلالات الجسيمة التي ترتكبها أانقرة في مجال الحقوق والحريات بشكل خاص، جعلت الجهود والمحاولات التركية لا تجد تجاوبا من طرف الاتحاد الأوروبي.

وفي سبتمبر الماضي أصدر أردوغان تعميمًا لتسريع الجهود المبذولة لتلبية واستيفاء المعايير المتعلقة بـ"عملية حوار تحرير التأشيرة مع الاتحاد الأوروبي"، والخاصة بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول دول فضاء "شنغن".

يأتي ذلك في وقت لا يفلت فيه الرئيس التركي الفرص لتوجيه تصريحات عدائية ضد رؤساء الدول الأوروبية والمسؤولين الحكوميين فيها خصوصا عند انتقاد تدخلاته في شؤون الدول الأخرى سواء عسكريا مثل في سوريا وليبيا أو دعمه للجماعات المتشددة والإرهابيين لتعزيز نفوذ تركيا في المنطقة.

لأردوغان تاريخ في ابتزاز الأوروبيين بالمهاجرين
لأردوغان تاريخ في ابتزاز الأوروبيين بالمهاجرين

كما جعل الطابع الاستبدادي الذي ميز فترة حكم أردوغان الدول الأوروبية تصنفه في خانة الرؤساء الذين يسعون لتعزيز نظام دكتاتوري يهدد المصالح التركية. وهي خطوات جعلت أنقرة تواجه في السنوات الأخيرة تقارير قاسية من المفوضية الأوروبية التي ترى أن تركيا لم تعد تستوفي المعايير الديمقراطية لتكون مرشحا قبل أن تكون عضوا في الانضمام إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وساءت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة بعد سلسلة خلافات حول ملفات تتعلق بحقوق الإنسان وحكم القانون، ولا سيما بعد حملة التوقيفات التي شنها أردوغان إثر محاولة الانقلاب الفاشل ضده في تموز/يوليو 2016.

يذكر أن أردوغان اتخذ ما سمي بعملية "انقلاب فاشل" في 2016 تبريرا لتصفية خصومه السياسيين ومعارضيه وحتى الصحافيين والنشطاء حيث شن حملة اعتقالات ضد كل من يعارض سياساته انتهت بالآلاف في السجن.

كما مثلت محاولة تزوير الانتخابات البلدية في إسطنبول والتي أجريت في آذار/ مارس الماضي وإلغائها بعد أن فازت بها المعارضة، ضربة قوية للديمقراطية في تركيا وشوهت سمعتها دوليا.
وساءت العلاقات الثنائية بين بروكسل وأنقرة مؤخرا بسبب ويرى المحللون أن تركيا تعاني في السنوات الأخيرة بسبب تكثيف أردوغان للتدخلات الخارجية الإقليمية في سوريا وليبيا والتنقيب الغير القانوني في المياه القبرصية، ما عمق في عزلة تركيا اقتصاديا وسياسيا.

ومن المرجح أن يواصل الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات مشددة على تركيا بعد أن أعلن في يناير الماضي عن وضع قائمة للأشخاص أو الكيانات المسؤولة عن أنشطة التنقيب عن المحروقات غير المرخصة في شرق المتوسط لفرض عقوبات عليها.

ويعد التدخل العسكري التركي في ليبيا حاليا أهم الملفات التي زادت التوتر بين الجانبين. ومثلما فعل خلال الحرب في سوريا هدد أردوغان الأوروبيين بفتح الأبواب أمام الإرهابيين والمهاجرين الذين يريدون الوصول إلى أوروبا عبر المتوسط  وتسهيل وصولهم في كمحاولة لابتزاز الأوروبيين طمعا في الحصول على دعم تخله العسكري في ليبيا.

وتأتي تهديدات أردوغان وتصريحاته العدائية ضد أوروبا في وقت تعيش تركيا أزمة اقتصادية حادة تتجسد في تهاوي الليرة بشكل متسارع مقابل الدولار، فيما يعيش الأتراك أوضاعا اجتماعية صعبة على وقع التراجع الاقتصادي.

ويشير محللون اقتصاديون إلى أن أزمة تركيا الاقتصادية نتجت عن سوء إدارة الحكومة التركية ونتيجة للقرارات الأحادية التي يتخذها أردوغان بمنأى عن الاختصاصيين والسياسيين المعارضين له في أكثر من ملف.