تركيا تكابد لإعادة الاستقرار لعملة لا تفارقها الاهتزازات

البنك المركزي يعقد اجتماعا طارئا لبحث إجراءات جديدة لكبح موجة الانهيار التي ضربت الليرة التركية مؤخرا.
تركيا تسارع إلى تشديد السياسة النقدية لكبح خسائر الليرة
انهيار قياسي لليرة التركية في خضم تنامي المشاكل الاقتصادية المتناثرة
الميزانية التركية تسجل عجزا بقيمة 21.3 مليار دولار
اقتصاد تركيا مهدد بانكماش أوسع على ضوء تداعيات كورونا والإنفاق الخاسر على التدخلات العسكرية
تجاوزات أردوغان تدفع تركيا نحو مرحلة من العزلة الاقتصادية والسياسية
أزمة اقتصادية سائرة نحو التفاقم.. هذا ما جنته تركيا من سياسة أردوغان

إسطنبول - يعقد البنك المركزي التركي خلال هذا السبوع اجتماعا طارئا لبحث إجراءات جديدة لكبح موجة الانهيار التي ضربت الليرة التركية مؤخرا، فيما نزلت الليرة الاثنين إلى مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار الأميركي.

وبينما هبطت الليرة أكثر من 0.25 بالمئة إلى 7.3880 مقابل الدولار فجر الاثنين، من حوالي 7.3650 يوم الجمعة الماضي، تنامت توقعات المستثمرين لتبني البنك المركزي خطوات تشديد نقدي بينما يترقبون اجتماع سعر الفائدة هذا الأسبوع.

وتأتي هذه التحركات على ضوء استمرار انكماش الاقتصاد التركي ظهرت ملامحه من خلال انهيار تلو آخر لليرة في خضم أزمات متفاقمة تعيشها تركيا بسبب سياسات الحكومة التركية الفاشلة في إدارة البلاد.

وفي حين تنامت التوقعات لزيادة رسمية لأسعار الفائدة من أجل كبح خسائر الليرة، فقد لجأ البنك المركزي حتى الآن لإجراءات غير رسمية لرفع تكلفة التمويل، بما في ذلك خطوات على صعيد السيولة وتوجيه المقرضين للاقتراض بسعر أعلى.

وقال مصرفي من إدارة الخزانة ببنك تجاري إن "إجراءات التشديد مهمة لليرة التي لم تهبط بالسرعة التي هبطت بها خلال الأزمة المالية في 2018".

إجراءات التشديد مهمة لليرة التي لم تهبط بالسرعة التي هبطت بها خلال الأزمة المالية في 2018

ويعلن البنك المركزي قراره بشأن سعر الفائدة لشهر أغسطس/آب الخميس المقبل. ويتوقع بعض المحللين أن يرفع سعر الفائدة الرئيسي، بينما يتنبأ آخرون بأن يواصل سياسة التشديد من خلال السيولة بدلا من رفع السعر رسميا.

ويوم الجمعة قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه سيعقد اجتماعا لمجلسه الاقتصادي لبحث التطورات، مضيفا أن تركيا سبق أن واجهت مثل هذه الهجمات وأنها تقف على "أرض صلبة".

كما سجلت الميزانية تركيا عجزا بقيمة 139.1 مليار ليرة تركية (21.3 مليار دولار) في الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز، بحسب ما أعلنته وزارة الخزانة والمالية الاثنين في أنقرة.

وأظهرت البيانات التي نقلتها وكالة 'الأناضول' التركية للأنباء أن إيرادات الميزانية ارتفعت بـ9 بالمئة على أساس سنوي، لتصل إلى 541.9 مليار ليرة (82.8 مليار دولار) في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام.

وفي ظل تداعيات جائحة كورونا، ارتفعت النفقات بنسبة 21 بالمئة على أساس سنوي إلى 681.1 مليار ليرة (104 مليارات دولار) في الأشهر السبعة.

وبلغت الإيرادات الضريبية 412 مليار ليرة (63 مليار دولار)، بينما بلغت مدفوعات الفوائد 79.7 مليار ليرة (12.2 مليار دولار) في نفس الفترة.

وفيما يتعلق بشهر يوليو/تموز وحده، سجلت الميزانية عجزا قدره 29.7 مليار ليرة (4.3 مليار دولار). وبلغ إجمالي إيرادات الموازنة 86.5 مليار ليرة (12.6 مليار دولار)، بانخفاض بـ7 بالمئة عن الشهر نفسه من العام الماضي.

ويعزو كثير من الخبراء الأزمة الاقتصادية واستمرار انهيار الليرة إلى سوء إدارة الرئيس التركي لسياسة البلاد، سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى سياساته الخارجية التي استجلبت لتركيا عداءات مجانية بسبب التدخل العسكري في أكثر من جبهة، ما تسبب في قلق المستثمرين ونفور بعضهم الآخر عن الاستثمار في تركيا وهو ما يعكس حتما ركودا اقتصاديا.

كما يتهم معارضون أردوغان بإهلاك السياسة الخارجية، فيما يرى بعضهم أن استقلال الاقتصاد التركي مهدد بسبب التحالف مع قطر، مشددين على ضرورة تغيير دستور البلاد للتخلص من سطوة أردوغان وسياساته المنهكة للبلاد.

أردوغان يزعم في ظل الهشاشة الاقتصادية أن تركيا تقف على 'أرض صلبة'
أردوغان يزعم في ظل الهشاشة الاقتصادية أن تركيا تقف على 'أرض صلبة'

ويرى محللون أن الأزمة الاقتصادية في تركيا تشكلت نتيجة تدخلات أردوغان في السياسة النقدية وإقحام نفسه في مسائل اقتصادية ليست من مشمولاته كتخفيض الفائدة على سبيل المثال لا الحصر، وشنه حملة تصفيات سياسية ضد الكوادر والكفاءات بالبنك المركزي ممن عارضوا تدخله في السياسة النقدية، ما أربك القطاع النقدي مسببا له مشاكل متناثرة.

ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد هذا العام بسبب تداعيات فيروس كورونا. وقد يؤدي مزيد من الانخفاض في قيمة الليرة إلى ارتفاع التضخم وتعميق الانكماش.

وكان البنك المركزي التركي قد تحرك خلال الأيام الماضية لتعديل تمويل السوق عبر تشديد الائتمان قليلا، لكنه أبقى على سعر الفائدة الرئيسي عند 8.25 بالمئة.

وتعاني الليرة التركية منذ أشهر انهيارا تلو الآخر في خضم أزمات متناثرة جلبها أردوغان بسبب سياساته الفاشلة في إدارة البلاد، فضلا عن تمويله تدخلات عسكرية في أكثر من جبهة صراع بدل التفافه على أزماته الداخلية، ما استنزف الميزانية التركية، وهو ما قد يشكل بداية مرحلة من العزلة التركية، في ظل اكتساب أنقرة نقرة أنعداءات مجانية تجاه دول الخليج وأوروبا والدول الغربية.

ويفترض في الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعيشه تركيا، أن يلتفت أردوغان لأزماته الداخلية، لكنه اختار التصعيد على أكثر من جبهة فخسر الشركاء التقليديين من الخليج إلى أوروبا واستنزف موازنة البلاد في حروب مدفوعة بأطماع استعمارية وبحثا عن مجد خلا للإمبراطورية العثمانية ولتحقيق طموحات شخصية وتنفيذ أجندة التمكين لجماعات الاسلام السياسي.

وتواجه تركيا أزمة اقتصادية ومالية حادة نتيجة سياسات أردوغان التي وضعت الاقتصاد التركي في موقف ضعيف في مواجهة الأزمات وخاصة تداعيات انتشار فيروس كورونا.

وتظهر ملامح الأزمة الاقتصادية التركية من خلال تفاقم معدل البطالة وارتفاع التضخم وانهيار الليرة، بفعل المخاوف من تناقض صافي احتياطات البلاد وتأثر المعنويات سلبا وتراجع المستثمرين مع توقعات نشوب صراع بين تركيا وعديد الجهات بسبب انتهاكاته في منطقة المتوسط وتدخلاتها العسكرية في كل من سوريا وليبيا والعراق وأذربيجان، فيما تحاول أنقرة وضع قدم لها في حرب اليمن.

وطالت تركيا على خلفية تدخلها العسكري في سوريا حزمة من العقوبات الأميركية سنة 2018 عمقت أزمة الاقتصاد التركي. ومن المتوقع أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مماثلة على أنقرة بسبب انتهاكاتها في مياه المتوسط وتمسكها بالتنقيب عن النفط في المياه الدولية المتنازع عليها مع اليونان.

وتسعى تركيا من خلال تعنتها في تنفيذ أنشطة التنقيب عن المحروقات في شرق المتوسط لتنفيس اقتصادها المتأزم في السنوات الأخيرة ووقف نزيف انهيار الليرة المستمر في الأشهر القليلة الماضية.