تركيا تهاجم الأكراد برا وجوا وسط تنديد دولي ووعيد أميركي

مصر تندد بالعدوان التركي على سوريا فيما أدانت دول أوروبية الهجوم ودعت إلى جلسة طائرة لمجلس الأمن الدولي بينما قال الرئيس الأميركي إن الغزو التركي 'فكرة سيئة' وأنه لا يؤيد تلك العملية.
فرنسا تدين الهجوم التركي وتدعو لجلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي
غراهام يتوعد أردوغان بجعله يدفع ثمنا باهظا لهجومه على الأكراد
دمشق تتوعد والأكراد يستنفرون وداعش يطل برأسه في الرقة
الهجوم التركي يهدد الأكراد بخسارة مكاسب انتزعوها خلال سنوات الحرب
دمشق مستعدة لاحتضان 'أبنائها الضالين' من الأكراد بشروط
أول هجوم انتحاري للدولة الإسلامية في الرقة معقلها السابق
الهجوم التركي على الأكراد يعيد خلط الأوراق في الساحة السورية
تركيا تدعو الاوروبيين لاستعادة مواطنيهم من الجهاديين الأسرى في تناغم مع الموقف الأميركي

أنقرة/دمشق - بدأت تركيا اليوم الأربعاء العملية العسكرية في شرق الفرات التي طالما لوحت بها في الفترة الأخيرة وتأكدت بعد إعلان الرئيس الأميركي سحب عدد من قواته من الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، ممهدا الطريق للهجوم المثير للجدل وسط مخاوف دولية من أن ينشر الفوضى في شمال سوريا ويعيد انعاش تنظيم الدولة الإسلامية، فيما أعقب اطلاق الهجوم تنديد دولي ووعيد أطلقه سناتور جمهوري مقرب من الرئيس الأميركي بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيدفع ثمنا غاليا لمهاجمته الأكراد.

وقد أعلن أردوغان اليوم الأربعاء بدء العملية العسكرية، فيما ذكرت مصادر كردية محلية أن مقاتلات تركية شنت غارات جوية على منطقة رأس العين.

وقال أردوغان في تغريدة على تويتر إن "القوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري (مقاتلون سوريون مدعومون من أنقرة) باشرا عملية نبع السلام في شمال سوريا".

وأوضح أن هذه العملية تستهدف "إرهابيي وحدات حماية الشعب وداعش" وتهدف إلى إقامة "منطقة آمنة" في شمال شرق سوريا، مضيفا أن "المنطقة الآمنة التي سنقيمها ستسمح بعودة اللاجئين إلى بلدهم".

وتابع "أقبل كافة أفراد الجيش المحمدي الأبطال المشاركين في عملية نبع السلام من جباههم وأتمنى النجاح والتوفيق لهم ولكافة العناصر المحلية الداعمة والتي تقف جنبا إلى جنب مع تركيا في هذه العملية، وفقكم الله وكان في عونكم".

وقال أيضا "بعملية نبع السلام سنقضي على خطر الإرهاب الموجه نحو بلدنا وسنعمل على تحقيق عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم من خلال المنطقة الآمنة التي سنشكلها. كما سنحافظ على وحدة الأراضي السورية ونخلّص سكان المنطقة من براثن الإرهاب من خلال عملية نبع السلام".

وقال مصدر أمني تركي إن العملية العسكرية التركية في سوريا بدأت بضربات جوية وستدعمها نيران المدفعية ومدافع الهاوتزر. وكان يتحدث بعد انفجارات هزت بلدة رأس العين بشمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا

وفور انطلاق الهجوم دعت فرنسا ودول أوروبية أخرى لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي. كما أدانت بأشد العبارات التحرك التركي في سوريا، بينما أدان رئيس الوزراء الإيطالي كونتي العملية التركية في سوريا قائلا إنها تهدد بزعزعة استقرار المنطقة وإلحاق الضرر بالمدنيين.

وطالب رئيس الاتحاد الأوروبي جان-كلود يونكر تركيا الأربعاء بوقف عمليتها العسكرية ضد المسلحين الأكراد في شمال سوريا وقال لأنقرة إن الاتحاد لن يدفع أموالا لإقامة ما يسمى بـ"المنطقة الآمنة" في شمال سوريا.

وقال يونكر في البرلمان الأوروبي "أدعو تركيا وغيرها من الأطراف إلى التصرف بضبط النفس ووقف العمليات التي تجري حاليا".

وبينما توعد السناتور ليندسي غراهام الحليف المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الكونغرس سيجعل تركيا "تدفع غاليا" ثمن هجومها على الأكراد في سوريا، أعلن البيت الأبيض أن ترامب لا يؤيد العملية التركية ويعتبر الغزو التركي لشمال سوريا 'فكرة سيئة'.

وقالت وزارة الخارجية المصرية اليوم الأربعاء إن مصر دعت إلى عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية بشأن الهجوم التركي على سوريا، مضيفة في بيان أن "مصر تدين بأشد العبارات العدوان التركي على الأراضي السورية". وقالت إن العملية التركية "تمثل اعتداء صارخا غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة".

وفي محاولة لتهدئة المخاوف الأوروبية، استدعت الخارجية التركية سفراء الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة)، بغية إطلاعهم على معلومات عن عملية "نبع السلام" العسكرية في شرق الفرات بسوريا.

وقال المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي في بيان، "بهدف إطلاعهم على عملية نبع السلام، جرى استدعاء أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى مقر خارجيتنا".

ودعت تركيا أوروبا الأربعاء إلى استعادة مواطنيها الجهاديين المسجونين في سوريا، بالتزامن مع العملية العسكرية في شمال سوريا.

وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "كان محقا في هذا الأمر .. وعلى الأوروبيين استعادة ومحاكمة المسجونين وتطبيق العملية القضائية الواجبة عليهم".

وتأتي تصريحاته متناغمة مع الإنذار الذي وجهه ترامب مؤخرا للأوروبيين حيث دعاهم لاستعادة مواطنيها من الجهاديين الأسرى لدى أكراد سوريا، مهددا بأنهم إن لم يفعلوا فإنه سيطلقهم (الجهاديين الأجانب) على حدود أوروبا.

ويبدو انه ثمة اتفاق بين ترامب وأردوغان في هذا الخصوص لمضاعفة الضغط على الأوروبيين في قضية أسرى داعش الأجانب وهو جزء على الأرجح من غض واشنطن الطرف عن الهجوم التركي على أكراد سوريا.

ومن المتوقع أن يعيد الهجوم التركي على شرق الفرات خلط الأوراق مجددا في الساحة السورية الملتهبة بطبيعتها مع تعدد جبهات المواجهة وتزاحم الأطراف الدولية المتدخلة في الحرب واكتظاظ المعتقلات والمخيمات تحت إشراف الإدارة الكردية بالمئات من أسرى تنظيم الدولة الإسلامية وزوجاتهم وأبنائهم.

ويخيم توتر شديد على الساحة السورية مع الهجوم الذي بدأته تركيا مستهدفة مناطق سيطرة الأكراد بقصف جوي ومدفعي، في الوقت الذي نددت فيه دمشق بنوايا أنقرة "العداونية"، متعهدة بالتصدي للعدوان التركي بكل الوسائل المشروعة فيما أطلّ تنظيم الدولة الإسلامية مجددا برأسه في الرقة معقله السابق بتنفيذ هجوم انتحاري لم يسفر عن سقوط ضحايا.

مناطق السيطرة في سوريا
مناطق السيطرة في سوريا

وقال مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية في بيان نقله الإعلام الرسمي، إن بلاده "تدين بأشد العبارات التصريحات الهوجاء والنوايا العدوانية للنظام التركي والحشود العسكرية على الحدود السورية".

وأكد "التصميم والإرادة على التصدي للعدوان التركي بكافة الوسائل المشروعة"، منددا بـ"الأطماع التوسعية التركية في أراضي" سوريا.

وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية الأربعاء "النفير العام" لمدة ثلاثة أيام في مناطق سيطرتها، مع إرسال تركيا تعزيزات عسكرية إلى الحدود وتأكيدها أن الهجوم بات "قريبا".

وسحبت الولايات المتحدة بين 50 و100جنديّ من نقاطهم على الحدود الشمالية مع تركيا. وبدت هذه الخطوة بمثابة تخل ملحوظ عن المقاتلين الأكراد الذين شكلوا رأس الحربة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفى ذلك في تغريدة الثلاثاء. وكان قد حذّر قبلها تركيا متوعدا بتدمير اقتصادها إذا تجاوزت حدودها.

وتحمل دمشق على الأكراد تحالفهم مع الولايات المتحدة. وحمّل المصدر السوري "بعض التنظيمات الكردية" مسؤولية ما يحصل بعدما شكلت "أدوات بيد الغرباء"، مبديا في الوقت ذاته استعداد بلاده "لاحتضان أبنائها الضالين إذا عادوا إلى جادة العقل والصواب".

وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ الأكراد في سوريا بعد اندلاع النزاع في العام 2011 وإنشائهم إدارة ذاتية على مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرق البلاد والغنية بحقول النفط والسهول الزراعية والموارد المائية.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي يُشكل الأكراد عمودها الفقري على نحو ثلاثين بالمئة من مساحة سوريا، فيما يهدد الهجوم التركي الأكراد بخسارة مكاسب انتزعوها خلال سنوات الحرب.

ولم تحرز مفاوضات سابقة قادتها الحكومة السورية مع الأكراد حول مصير مناطقهم أي تقدّم، مع إصرار دمشق على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع في العام 2011 وتمسّك الأكراد بإدارتهم الذاتية ومؤسساتها المدنية والعسكرية.

ولطالما أكدت دمشق عزمها استعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتها وبينها مناطق سيطرة الأكراد عن طريق التفاوض أو العمل العسكري.

وتعدّ أنقرة المقاتلين الأكراد "إرهابيين" وترغب بإبعادهم عن حدودها. وسبق أن نفّذت هجومين في سوريا: الأول ضد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2016 والثاني ضد الوحدات الكردية عام 2018.

لكن الهجوم الذي أطلقته تركيا اليوم الأربعاء يعتبر الأخطر ومن المتوقع أن يزيد الوضع المتأزم أصلا تعقيدا، وسط تحذيرات من أن تطلق العملية التركية مارد داعش الذي لايزال يحتفظ بخلايا نائمة خاصة في البادية السورية.

وبالفعل التقط التنظيم المتطرف الإشارة التركية، بأن نفذّ أول عملية انتحارية له في الرقة التي كانت تشكل أبرز معقله في شمال سوريا قبل أن يمنى بهزيمة قاسية في مثل هذا الشهر من عام 2017.

ويأتي هجوم داعش الذي لم يسفر عن سقوط ضحايا وسط مخاوف دولية وتحذيرات كردية من أن يساهم الهجوم التركي المرتقب في عودة التنظيم المتطرف.

وتتفاقم المخاطر في الساحة السورية التي تتزاحم فيها تنظيمات متطرفة وقوى دولية وتزدحم بمخيمات اللجوء المكتظة التي تعجّ بزوجات مقاتلي داعش وأبنائهم وأيضا معتقلات تحت إشراف الإدارة الذاتية الكردية تضم مئات الأسرى من مقاتلي التنظيم.

ورغم خسائره الميدانية، ما زال التنظيم قادرا على التحرّك عبر خلايا نائمة وتحتجز قوات سوريا الديمقراطية الآلاف من مقاتليه وأفراد عائلاتهم في سجون ومخيمات خاصة.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن شن عنصرين من داعش ليل الثلاثاء هجوما ضد نقطة أمنية تابعة لمجلس الرقة العسكري الذي يتولى إدارة المدينة، اندلعت إثره اشتباكات قبل أن يفجر المقاتلان نفسيهما بأحزمة ناسفة.

وتبنى التنظيم المتطرف الذي عادة ما تشن خلاياه النائمة هجمات في مناطق سيطرة الأكراد ومنها مدينة الرقة (شمال)، هجوم الثلاثاء.

واعتبرت قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف فصائل كردية وعربية تدعمه واشنطن، عبر تويتر أن الهجوم يُعد "أولى تداعيات الهجوم التركي" المرتقب في شمال سوريا.

ومنذ إعلان تركيا قبل أيام عن عملية عسكرية وشيكة، يخشى الأكراد من أن تقوّض الجهود الناجحة التي بذلوها لدحر التنظيم وتسمح بعودة قادته المتوارين عن الأنظار.

وأبدت عدة دول أوروبية أيضا قلقها البالغ من تداعيات أي هجوم تركي محتمل على المعركة ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية مع انصراف المقاتلين الأكراد إلى مواجهة تركيا.

وخاضت قوات سوريا الديمقراطية معارك عدة ضد التنظيم آخرها في شرق سوريا، وأعلنت في آذار/مارس القضاء على دولة "الخلافة" المزعومة التي كان داعش أعلنها في مناطق سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور في العام 2014.

الإتحاد الأوروبي يطالب تركيا بوقف هجومها على الأكراد فورا، محذّرا من أن بروكسل لن تدفع أموالا لإقامة ما يسمى بالمنطقة الآمنة في شمال سوريا

ودعت روسيا اليوم الأربعاء إلى ضرورة الحوار بين الأكراد والحكومة المركزية في دمشق، مذّكرة بأنهم (الأكراد) "سكان تقليديون لهذه الأرض".

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي "استمعنا بالأمس إلى تصريحات مسؤولين من دمشق وممثلين عن الأكراد، أكدوا فيها استعدادهم للحوار ونحن سنبذل قصارى جهدنا لإطلاق مثل هذه المحادثات الموضوعية ونأمل أن يدعمها كل اللاعبين الخارجين".

وشددت موسكو على ضرورة أن تلتزم تركيا في أي تحرك عسكري بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتفادي أي أعمال من شأنها أن تعرقل التسوية في سوريا.

وفي طهران، أبدى الرئيس الإيراني حسن روحاني تفهمه لما وصفه بـ"قلق تركيا المشروع" على أمن حدودها الجنوبية، إلا أنه دعا إلى معالجة هذا القلق بالطرق الصحيحة.

وأضاف في اجتماع حكومي أن ضمان أمن الحدود الشمالية السورية والجنوبية لتركيا مع سوريا يتم من خلال انتشار الجيش السوري.

ودعا أكراد سوريا إلى ضرورة العودة لحضن الدولة السورية والمشاركة مع الجيش النظامي، مشددا في الوقت ذاته على أهمية سحب الولايات المتحدة قواتها من الساحة السورية.

وقال الرئيس الإيراني "ندعو أصدقاءنا في تركيا إلى التدقيق في قراراتهم بشأن سوريا وإعادة النظر في عملياتهم العسكرية"، مضيفا أن "الطريق الذي اختارته تركيا والاتفاقات السرية مع دولة أخرى لن تكون لصالح المنطقة".

وكان روحاني يشير على ما يبدو إلى اتفاق أميركي تركي يتيح لأنقرة شنّ هجوم واسع على الأكراد، إلا أن واشنطن تمسكت بقولها إن الرئيس ترامب لم يتخل عن قوات سوريا الديمقراطية التي تضم في معظمها المقاتلين الأكراد، محذّرا من أن الطريق الذي اختارته أنقرة لن يكون مفيدا لها ولسوريا ولكل المنطقة

وفي فرنسا ذكر مكتب الرئيس إيمانويل ماكرون أنه التقى أمس الثلاثاء مع جيهان أحمد المتحدثة باسم قوات سوريا الديمقراطية للتعبير عن تضامن باريس مع القوات التي يقودها الأكراد في قتال تنظيم الدولة الإسلامية بالمنطقة.

وقال مكتب ماكرون اليوم الأربعاء إن الرئيس أكد مجددا خلال الاجتماع على أن فرنسا لا تزال "قلقة للغاية" من عملية عسكرية تركية محتملة في سوريا.

وتركيا متأهبة للتوغل في شمال شرق سوريا لطرد المقاتلين الأكراد بعدما بدأت القوات الأميركية إخلاء جزء من الشريط الحدودي في تحول سياسي مفاجئ من جانب الرئيس دونالد ترامب. ولاقت تلك الخطوة انتقادات واسعة في واشنطن باعتبارها خيانة لحلفاء الولايات المتحدة الأكراد.