
تركيا توسع نطاق الاستكشافات النفطية في ليبيا لتعزيز نفوذها
أنقرة/طرابلس - تواصل تركيا سعيها المحموم للسيطرة على الثروات النفطية والغازية في ليبيا، وذلك من خلال تنفيذ سلسلة من المشاريع الاستكشافية في القطاع الطاقي. وتُعتبر ليبيا واحدة من الدول الرئيسية التي تسعى أنقرة لتوسيع نفوذها فيها، مستخدمة مبررات التعاون الطاقي والمشاريع المشتركة مع حكومة عبدالحميد الدبيبة ومن خلال مواصلة دعم الميليشيات الموالية لها.
وقد أعلن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بايراكتار، في تصريحات صحفية حديثة، عن خطط تركيا لتعزيز أنشطتها الاستكشافية في مجال النفط والغاز في ليبيا مشيرا إلى أن هذه الجهود تأتي في إطار استراتيجية تركيا لخفض وارداتها من الطاقة وزيادة الإنتاج المحلي، ضمن خطة تستهدف تأمين مصادر طاقة أرخص. وقال بايراكتار إن تركيا تهدف كذلك إلى تنفيذ مسوحات زلزالية قبالة سواحل الصومال بحلول نهاية مايو/أيار المقبل، بالإضافة إلى استكشاف فرص جديدة في العراق وبلغاريا، ما يعكس سعيها المستمر لتوسيع دائرة نفوذها الطاقي في المنطقة.
ومن جهة أخرى، أكد وزير الطاقة التركي أن المؤسسة الوطنية للنفط الليبية قد عرضت مؤخراً في إسطنبول فرص الاستثمار المتاحة في القطاع الطاقي الليبي، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون في هذا المجال مع الشركات التركية. وكانت الاتفاقيات السابقة بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني السابقة، وكذلك مع حكومة الدبيبة الحالية، قد فتحت الباب أمام الشركات التركية للنفاذ إلى الثروات النفطية الليبية، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه الاتفاقيات على السيادة الليبية.
ولم تقتصر العلاقة بين تركيا وحكومة الدبيبة على التعاون في مجال الطاقة، بل شهدت أيضًا تصاعدًا في الاتفاقيات التي تسمح لأنقرة بالتدخل في الشؤون الطاقة الليبية. ففي أكتوبر/تشرين الاول 2022، وقعت تركيا مذكرة تفاهم مع حكومة طرابلس تسمح للشركات التركية بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الليبية. وهذا الاتفاق جاء في وقت حساس، حيث لا تزال ليبيا تعيش حالة من الانقسام السياسي والقتال بين الميليشيات المتناحرة، وهو ما يعزز من الشكوك حول أهداف تركيا الحقيقية في البلاد.
ورغم أن أنقرة تقدم نفسها كداعم لسيادة ليبيا واستقرارها، فإن الواقع يظهر أن تدخلاتها في الشأن الليبي كانت عاملاً في استمرار حالة الانقسام وعدم الاستقرار. فالتعاون مع حكومة الدبيبة لا يقتصر على مشاريع الطاقة وحسب، بل يشمل أيضًا دعمًا مستمرًا للميليشيات المسلحة التي تعمل لصالح مصالح أنقرة، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع الداخلي الليبي ويزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.
وتشير التقارير إلى أن تركيا لا تزال تعتبر ليبيا مجالًا لتوسيع نفوذها الاستراتيجي، وهو ما يتضح من خلال مواقفها الساعية للتحكم في الثروات النفطية الليبية. فمع تزايد التدخلات التركية، يبدو أن هدف أنقرة ليس فقط الحصول على عقود تنقيب واستكشاف في مجال الطاقة، بل أيضًا تعزيز نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة. وتُعد ليبيا بموقعها الجغرافي وثرواتها النفطية من أهم المجالات التي تُسعى تركيا للهيمنة عليها، مما يزيد من تعقيد الصراع السياسي داخل البلاد ويعزز من حالة الانقسام بين الفصائل المتنافسة.
ويُضاف إلى ذلك أن تركيا تشارك في استراتيجيات تُظهرها كداعم للمشاريع التنموية في ليبيا، ولكن في واقع الأمر، هذه المشاريع لا تعدو كونها أداة لتعزيز الوجود التركي في الساحة الليبية على حساب مصالح الليبيين أنفسهم. فعلى الرغم من الوعود بتطوير قطاع الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادي، فإن مصلحة تركيا في تحقيق السيطرة على النفط الليبي تبدو أكثر أهمية من تحقيق استقرار طويل الأمد في ليبيا.

ومن ناحية أخرى، يرتبط التعاون التركي الوثيق مع عدد من الميليشيات المسلحة التي تسيطر على جزء كبير من الأراضي الليبية. هذه الجماعات المسلحة تدين بالولاء لحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتُستخدم كأداة لتنفيذ المصالح التركية في البلاد. ولا تقتصر العلاقات بين تركيا والميليشيات على الدعم العسكري والسياسي فقط، بل تشمل أيضًا تعاونًا مباشرًا في مجالات أخرى، مثل السيطرة على المنشآت النفطية وتأمين طرق نقل الطاقة في المنطقة الغربية.
لكن هذه العلاقات قد يكون لها تبعات سلبية على استقرار ليبيا، حيث تستمر الميليشيات في تعزيز قوتها على حساب السلطة المركزية، وهو ما يزيد من الانقسامات الداخلية. وعلاوة على ذلك، فإن تدخل تركيا المستمر يعزز من النزاعات بين الأطراف الليبية المختلفة ويمنع توحيد الصفوف لتحقيق حل سياسي شامل.
وتثير التدخلات التركية في ليبيا أيضًا قلقًا لدى العديد من الدول العربية، خاصة تلك التي تسعى للحفاظ على استقرار المنطقة. فالمصالح التركية في ليبيا لا تقتصر على النفط والغاز، بل تشمل أيضًا تعزيز نفوذها في البحر الأبيض المتوسط ومنطقة شمال أفريقيا. وهذا التوسع التركي يأتي في وقت حساس، حيث تشهد المنطقة صراعات سياسية واقتصادية معقدة، وهو ما يضع تركيا في مواجهة مع دول عربية أخرى تدعم استقرار ليبيا ولا ترغب في أن تتحول إلى ساحة لتوسيع نفوذ تركيا على حساب السيادة الليبية.
من الواضح أن تركيا، من خلال تحركاتها الأخيرة في ليبيا، تسعى للاستحواذ على مزيد من الثروات النفطية في البلاد تحت غطاء التعاون الطاقي والتنقيب عن النفط والغاز. ورغم أن أنقرة تؤكد أنها تسعى لتحقيق استقرار ليبيا، إلا أن تصرفاتها تشير إلى أن الهدف الحقيقي هو تعزيز نفوذها العسكري والسياسي على حساب الاستقرار الداخلي الليبي.