تركيا.. زلّة أردوغان

إذا ما اعتبره الرئيس التركي ربيعاً فهو شريك فيه بدعمه الصريح، وإذا ما اعتبره شتاء فرفاقه من جماعة الإخوان حولوا الربيع إلى ساحات قتال وإرهاب وكل ذلك تحت رعايته وقيامه بإرسال السلاح واستضافة المطلوبين وتزويدهم منصات سياسية وإعلامية.

بقلم: فارس بن حزام 

مثل كل القادة الشعبويين، أوقعت الثرثرة الرئيس أردوغان في زلة كلامية لافتة. ولأن الحماسة والصراخ قاسمان مشتركان لدى هؤلاء؛ تتكرر الأخطاء والزلات والاعترافات الضمنية والادعاءات.

في الحالة التركية، وجد الرئيس نفسه معترفاً بما آلت إليه الأمور في بلاده، عندما قال الجمعة ما نصه حرفياً: "لا يزال البعض يحنون إلى حدوث ربيع تركي، في حين تحول كل مكان جلبوا له الربيع إلى شتاء حالك". ومعروف أن استخدام مصطلح "ربيع" وقع على بلدان عانت أوضاعاً سياسية واقتصادية سيئة. وهنا، دان الرئيس نفسه، وأطلق النار على قدمه، وربما الإرباك نتيجة الانتخابات البلدية مازال مستمراً، فتحدث عقله الباطن بالإنابة عنه، والزلة لم تتوقف عند "الربيع"، بل امتدت إلى الشتاء المظلم، وهنا إقرار آخر بنتيجة التغيير السلبية في 2011.

ولكن لنعد قليلاً إلى ذاك العام، عندما تغيرت الأوضاع في خمس دول، ماذا كان وضع تركيا تجاه الحراك الواسع؟ لقد وقفت بكل قوة مع التغيير، والرئيس أردوغان نفسه كان الأكثر حماسة لرؤية تقدم "الإخوان" إلى الصفوف الأولى. وما أن هدأت الأوضاع قليلاً، حتى زار مصر وليبيا وتونس في أيلول (سبتمبر) 2011، ورسم لزيارته مساراً شعبياً، أكثر من كونها سياسية.

فمن كان يخاطب الرئيس في جملته عن "الربيع التركي" و"الشتاء الحالك"؟

إن كان مقصده السعودية والإمارات، فموقفهما معروف مما جرى في مصر وتونس وليبيا واليمن، وإن كان يعني قطر، فـ"الإمبراطورية" تفاخر بتغييرها الأنظمة، وإن كان يتحدث عن بلاده، فهي شريكة في كل تلك التحولات. طبعاً، إذا ما استثنينا سورية، حدث العالم أجمع.

لذا، إذا ما اعتبره الرئيس التركي "ربيعاً"، فهو شريك فيه بدعمه الصريح، وإذا ما اعتبره "شتاء"، فأتباعه من جماعة "الإخوان" حولوا "الربيع" إلى ساحات قتال وإرهاب، وكل ذلك تحت رعايته وقيامه بإرسال السلاح، واستضافة المطلوبين، وتزويدهم منصات سياسية وإعلامية.

لقد كانت للرئيس أردوغان نقطة مضيئة واحدة في حركته الدؤوبة خلال العام 2011، وهي نصيحة قدمها إلى المصريين عندما زار بلادهم، وكان يخص أنصاره "الإخوان" بالرسالة، عندما نصحهم بـالعلمانية، وأتبعها لاحقاً بأنموذج بلاده خلال تعديل الدستور في عام 2010، ألّا يستحوذ الإسلاميون على نحو نصف مقاعد جمعية تعديل الدستور، وأن يكتفوا بربع المقاعد، ثم يفسحون المجال لبقية التيارات، لتشارك في كتابة الدستور الجديد.

تلك هي الإضاءة الوحيدة في مسيرة الرئيس التركي على منطقتنا خلال عقدنا الملتهب. لكن أتباع المرشد لم يأخذوا بنصيحة "سلطانهم" اليتيمة، فبطروا واستبدوا، وشكلوا جمعية دستور كانت لهم فيها الغلبة، وتسلط الإسلاميون، وتململ المصريون، وتحرك الجيش، فطرد "الإخوان".

مضى بعض الوقت، لنجد أن الرئيس أردوغان يتجاهل نصيحته لمصر، ويطبق في تركيا عكسها، فاستحوذ على كل شيء وطغى. وتململ الأتراك، وهزموه في الانتخابات البلدية، وأصابوه بالارتباك النفسي، فتناسى دوره الكبير في 2011، وكأنه ضحية من "الفلول".