تركيا وصراع الرمال الليبية

من غير المعقول أن تتصور تركيا أن بوسعها استعادة ما خسرته من علاقات في المنطقة بسبب تدخلاتها الكثيرة من خلال زيادة جرعة التدخل.
تقاطع مصالح جعل من موسكو تغض الطرف نسبيا عن المستوى العالي للتدخل التركي في ليبيا
الولايات المتحدة لا تريد عودة روسية قوية الى الساحة الليبية

لطالما حاولت تركيا نسج سياسات خارجية متعددة الأهداف والوسائل انطلاقا من حاجتها لمجموعة عناصر القوة المؤهلة للسيطرة الإقليمية، لذا عمدت بداية وعبر عقود على محاور قريبة ابرزها الدول العربية كالتدخل في العراق وسوريا، لكن الملفت انطلاق السياسات التدخلية التركية الى مناطق وساحات تشكل حساسية في الجغرافيا السياسية الإقليمية والدولية من بينها الشمال الافريقي وبالتحديد حاليا الأزمة الليبية، فما هي خلفية التدخل وتداعياته؟ وهل يمكن لتركيا تحقيق أهدافها في ظل صراع إقليمي دولي محتدم في القارة السمراء.

على الأرجح ان تبدل موازين القوى بشكل دراماتيكي في سوريا اسهم بشكل مباشر في إعادة التموضع التركي إقليميا والذهاب نحو الأزمة الليبية، دون الغياب عن البال السياسي مجموعة المصاعب التي ستواجهها من اخصام واعداء معروفين او محتملين. لكن الخيارات التركية كانت محدودة، فهي بحاجة لمراكز قوة متجددة بعد انحسار مواقعها في الأزمة السورية، وتراجع الوضع الاقتصادي والمالي وبروز ازمات بنيوية كبيرة في تركيبة النظام ومجموعة تحالفاته وعلاقاته الدولية ومن بينها العلاقات مع كل من واشنطن وموسكو والاتحاد الأوروبي. هذه المؤشرات تحديدا انتقلت بطبيعة الحال الى الملعب الجديد في ليبيا إضافة الى مواجهة خصوم تقليديين او جدد كمصر المعنية المباشرة في الازمة الليبية بالنظر للعديد من الأسباب والعوامل الاستراتيجية المصرية تحديدا قبل الافريقية.

ثمة تقاطع مصالح روسية تركية واضحة في الأزمة السورية، جعل من موسكو تغض الطرف نسبيا عن المستوى العالي للتدخل التركي في ليبيا. لكن في المقابل ثمة سياسات روسية خاصة في افريقيا وبخاصة مع مصر التي تعتبرها مدخلا إقليميا بارزا من الصعب تجاهل مصالحها وبخاصة المواقع الاستراتيجية كليبيا. ومن هذا المنطلق من الصعب على موسكو ترك الخيارات التركية دون كبح اندفاعاتها القوية بمواجهة مصر، ما سيخلق تنافسا تركيا روسيا واضحا سيرخي ثقله على مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط، دون استبعاد سياسات دول إقليمية أخرى في المنطقة كدول الخليج العربية وايران وإسرائيل. وعليه ان التنافس التركي الروسي وان كان غير متوازن، سيسهم في إعادة تركيبات سياسية وامنية تركية دائمة التجدد باتجاه اطراف امنية محلية ومن بينها ليبية لخلق مجموعة عناصر متحركة مزعجة للأطراف اللاعبة في الأزمة الليبية.

في المقابل ان تدخل الولايات المتحدة في الأزمة الليبية ليس عابرا، بل هو تدخل استراتيجي بمواجهة خصوم وحلفاء تبدأ بروسيا ولا تنتهي بتركيا او بأطراف أوروبيين. فواشنطن التي أخرجت موسكو من ليبيا بعد انهاء نظام القذافي لن تسمح لها او لغيرها اللعب في ساحة نفطية تمتلك من الجغرافيا السياسية العناصر الهامة للتحكم في عصب القارة الافريقية والبحر المتوسط وقلب الشرق الأوسط وجنوب القارة الأوروبية. لذا من غير المحتمل الا ان تتعامل واشنطن مع كل اللاعبين بمستويات حادة مما سيخلق بيئة صدام تصاعدية ظهرت معالمها مؤخرا في العمليات العسكرية في الساحة الليبية والتي اتبعتها واشنطن بموفدين دبلوماسيين اقله يعتبر نوعا من إدارة الصراع القائم مع غير طرف، وبخاصة تركيا التي ظهرت مؤخرا كند للولايات المتحدة التي تقترب بوضوح من موسكو متخلية عن مستوى تحالفها التقليدي مع واشنطن بخاصة ابان حكم جماعة العدالة والتنمية.

في أي حال من الأحوال، ان السياسات التركية المتحولة حاليا، هي اشبه بدولة خسرت الكثير من المزايا التي تمتعت بها سابقا في المنطقة، وتحاول اليوم جاهدة للعب أدوار إقليمية لن تتمكن من انجازها بنجاح نتيجة نصب العداء للعديد من الدول المؤثرة في المنطقة وكذلك على الصعيد الدولي، وهي سياسات لن تعيد أي ميزة سابقة بل ستزيد الوضع تعقيدا في الساحات التي تجرى عليها الصراعات ومن بينها، الأزمة التي أسهمت تركيا في اطلاقها في ليبيا بمواجهة مصر ودول الخليج العربية والتي ستمتد بكل بساطة الى كل من موسكو وواشنطن وغيرها من الدول الطامحة للعب أدوار ريادية في القارة السمراء.