تسريب صوتي لظريف يفضح سطوة سليماني والحرس الثوري

وزارة الخارجية الإيرانية تقرّ بأن التسجيل الصوتي المسرب هو لوزير الخارجية ظريف وأنه لم يكن مقابلة صحفية وإنما كان رأيا خاصا في سياق اللقاءات الروتينية للحكومة.
ظريف: هيكلية وزارة الخارجية هي ذات توجه أمني غالبا
نائب إيراني يدعو ظريف لتفسير تصريحاته حول سليماني
استقالة ظريف في 2019 كانت بسبب تدخلات سليماني في السياسية الخارجية

طهران - اشتكى وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف في تسجيل صوتي مسرب من أن الحرس الثوري يمارس نفوذا على الشؤون الخارجية والملف النووي للبلاد أكثر منه، وذلك في تصريحات تلقي الضوء على العلاقات بين الحكومة الإيرانية والحرس الذي يحظى بنفوذ كبير.

والعلاقات بين حكومة الرئيس حسن روحاني والحرس الثوري مهمة نظرا لما تتمتع به هذه القوة العسكرية المتشددة، من نفوذ هائل لدرجة أن بوسعها تعطيل أي تقارب مع الغرب إذا شعرت بأن ذلك يمثل خطرا على مصالحها الاقتصادية والسياسية.

وقد تصبح الشكوك التقليدية التي تساور الحرس الثوري تجاه أي وفاق مع واشنطن مؤثرة إذا دفعت المحادثات بين إيران والدول الكبرى جهود إحياء الاتفاق النووي للعام 2015 الذي انسحب منه الرئيس الأميريكي السابق دونالد ترامب قبل ثلاث سنوات.

وفي المقابلة التي بثتها قناة إيران التلفزيونية الدولية الفضائية الناطقة باللغة الفارسية ومقرها في لندن في وقت متأخر أمس الأحد، قال ظريف إن نفوذه في السياسة الخارجية الإيرانية "صفر"، مضيفا "لم أتمكن مطلقا من مطالبة أي قائد عسكري بفعل شيء ما من أجل مساعدة الجهود الدبلوماسية".

ودون أن ينازع في صحة التسجيل الصوتي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اليوم الاثنين إن القناة نشرت مقتطفات فقط من المقابلة التي أجريت على مدى سبع ساعات.

واشتكى ظريف، مستخدما لغة نادرة في أروقة السياسية الإيرانية، من المدى الذي وصل إليه تأثير قاسم سليماني القائد الراحل لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في السياسة الخارجية، ملمحا إلى أن سليماني حاول إفساد اتفاق إيران النووي لعام 2015 بالتواطؤ مع روسيا.

وقال في التسجيل الذي بثته القناة التلفزيونية على تطبيق كلوب هاوس "في كل مرة تقريبا ذهبت فيها للتفاوض مع الدول الكبرى كان سليماني يطلب مني أن أقدم هذا التنازل أو ذاك أو أثير نقطة ما".

وتابع "كان النجاح على الساحة العسكرية أهم من نجاح الدبلوماسية. كنت أتفاوض من أجل النجاح على الساحة العسكرية".

سليماني كان الأكثر شعبية وهو مهندس سياسات إيران للتمدد الخارجي
سليماني كان الأكثر شعبية وهو مهندس سياسات إيران للتمدد الخارجي

ويمتد التسجيل أكثر من ثلاث ساعات ونشرته بداية الأحد وسائل إعلام خارج الجمهورية الإسلامية، قبل أن يتم تداوله عبر وسائل أخرى داخل إيران وخارجها وعلى مواقع التواصل.

ومما جاء في المقتطفات، قول ظريف إنه "في الجمهورية الإٍسلامية الميدان العسكري هو الذي يحكم. لقد ضحيت بالدبلوماسية من أجل الميدان العسكري، بدل أن يخدم الميدان الدبلوماسية"، وأن "هيكلية وزارة الخارجية هي ذات توجه أمني غالبا".

وكان سليماني شخصية محورية وأقام شبكة من الجماعات المسلحة الموالية لطهران في أنحاء الشرق الأوسط. وقتل في هجوم أميركي بطائرة مسيرة في العراق العام الماضي.

وردت إيران بهجوم بالصواريخ على قاعدة عراقية تتمركز فيها قوات أميركية. وبعد ساعات أسقطت القوات الإيرانية طائرة ركاب أوكرانية حال إقلاعها من طهران. وبعد أيام اعترف الحرس الثوري بأنها أسقطت "بطريق الخطأ".

وقال ظريف في التسجيل "قلت في اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي إن العالم يقول إن صواريخ أسقطت الطائرة. إذا كان هذا ما حدث أبلغونا كي نرى كيف نستطيع تسوية الأمر"، مضيفا "قالوا لي: لا، اذهب غرد على تويتر وأنكر ذلك".

وعلى الرغم من أن ظريف قال إنه لا يعتزم الترشح لانتخابات الرئاسة التي ستجرى يوم 18 يونيو/حزيران، قال بعض المنتقدين إن تصريحاته ترمي إلى كسب أصوات الإيرانيين الذين يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة وغيابا للحريات السياسية والاجتماعية.

وطرحت شخصيات بارزة في التيار السياسي المعتدل اسمه باعتباره مرشحا محتملا للانتخابات التي سيخوضها أيضا عدة قادة بارزين من الحرس الثوري.

وتأسس الحرس الثوري الإسلامي بعد ثورة عام 1979 لحماية المؤسسة الدينية الحاكمة والحفاظ على القيم الثورية وهو يتبع مباشرة المرشد الأعلى علي خامنئي.

واعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية الاثنين أن التسجيل الصوتي للوزير محمد جواد ظريف الذي أثار تسريبه جدلا في الجمهورية الإسلامية، تضمن مواقف "شخصية" واقتطع من حديث غير معد للنشر.

وقال المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده في مؤتمر صحافي اليوم الاثنين "ما تم نشره لم يكن مقابلة مع وسائل الإعلام"، بل "حوار ضمن اللقاءات الروتينية في إطار الحكومة"، مؤكدا أن نقاشات كهذه دائما ما تكون "جدية، شفافة، ومباشرة".

وأوردت صحيفة 'نيويورك تايمز' الأميركية التي قالت إنها حصلت على نسخة من التسجيل، بعض المقتطفات منه.

وأثارت التصريحات المسربة انتقادات سياسيين محافظين، لا سيما وأنها طالت سليماني الذي يُعد من أبرز مهندسي السياسة الإقليمية الإيرانية ويحظى بمكانة كبيرة خصوصا بعد اغتياله بضربة جوية أميركية العام الماضي.

ورأى النائب المحافظ نصرالله بجمن فر أن ظريف في تسجيله "يشكك بمسائل تندرج ضمن الخطوط الحمر للجمهورية الإسلامية التي يتولى فيها منصب وزير الخارجية"، وفق ما نقلت وكالة 'فارس' للأنباء. وطلب النائب "توضيحات" من ظريف بشأن ما أدلى به.

من جهتها، انتقدت 'فارس' تقديم ظريف نفسه خلال الحديث المسرّب بمثابة "رمز للدبلوماسية" في مواجهة سليماني الذي يشكل رمز "ميدان" المعارك.

وقلل خطيب زاده في مؤتمره الصحافي من شأن الجدل بشأن التصريحات، مشددا على أن ظريف "يوضح في التسجيل أن تصريحاته هي رأيه الشخصي"، مشيرا إلى أن ما نشر هو "ثلاث ساعات ونصف ساعة" من حديث امتد "سبع ساعات".

وتولى سليماني لأعوام طويلة قيادة قوة القدس المكلفة بالعمليات الخارجية للحرس الثوري، واغتيل بضربة أميركية قرب مطار بغداد فجر الثالث من يناير/كانون الثاني 2020.

وبدأ ظريف الاثنين زيارة لبغداد. وقام بعيد وصوله بالتوقف في موقع استهداف سليماني حيث تلا الفاتحة، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا".

وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي فؤاد حسين، حيا وزير الخارجية الإيراني سليماني، واصفا إياه بـ "بطل القتال ضد داعش" في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان يسيطر على مساحات واسعة في العراق وسوريا. ولم يتطرق ظريف للجدل حول تصريحاته.

وكان ظريف قد استقال من منصبه في مارس/اذار 2019 بشكل مفاجئ، لكن الرئيس حسن روحاني رفض استقالته التي جاءت بعد أن زار الرئيس السوري بشار الأسد طهران ليتضح لاحقا أن دعوة الزيارة جاءت من فيلق القدس وتم حينها تجاهل وزارة الخارجية، بما أكد حينها النفوذ الواسع للحرس الثوري الإيراني وللمرشد الأعلى علي خامنئي ووجود أجهزة موازية لأجهزة الحكومة والدولة.