تصريحات قائد الجيش الجزائري تنذر بصدام مع المحتجين

قيادة الجيش الجزائري ترى أنه من غير المنطقي والمعقول المطالبة برحيل جماعي لكافة كوادر الدولة بحجة أنهم رموز النظام، معتبرة أن هذا الأمر "خطير وخبيث، يراد منه تجريد مؤسسات الدولة وحرمانها من إطاراتها وتشويه سمعتهم".

الجيش الجزائري يدخل في معركة ليّ أذرع مع المحتجين
الجيش الجزائري يتمسك بالمهل الدستورية لانتخابات الرئاسة
الجيش الجزائري متوجس بشدة من الاقتتال في ليبيا
قيادة الجيش الجزائري تخشى استمرار الأزمة
الجزائر تتخوف من فوضى أمنية واعتداءات ارهابية إذا طال أمد الأزمة

الجزائر - عبر رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الذي أصبح بحكم الواقع الرجل القوي في الدولة عن رفضه للمطلبين الرئيسيين للحركة الاحتجاجية الاثنين، تأجيل الانتخابات الرئاسية ورحيل كل رموز "النظام" الموروث من عشرين سنة من حكم الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.

ورغم أن قايد صالح لا يملك أي صلاحيات لاتخاذ قرارات سياسية، إلا أنه بالنسبة للمراقبين هو من "يوجّه" الأمور منذ استقالة بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان تحت ضغوط الشارع والجيش.

وأصبحت خطاباته الدورية منتظرة ولها صدى في مقابل صمت وغياب رئيس الدولة الانتقالي عبدالقادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، على المستوى الإعلامي.

واعتبر أن "إجراء الانتخابات الرئاسية، يمكن من تفادي الوقوع في فخ الفراغ الدستوري، وما يترتب عنه من مخاطر وانزلاقات غير محمودة العواقب" لكن دون أن يشير إلى تاريخ الرابع من يوليو/تموز الذي أعلنه بن صالح لانتخاب خليفة بوتفليقة.

وقال "إجراء الانتخابات الرئاسية يضع حدا لمن يحاول إطالة أمد هذه الأزمة" الناجمة عن تشبّث بوتفليقة المريض والمُقعد بالترشح لولاية رئاسية خامسة وهو الخيار الذي طالما سانده رئيس الأركان قبل أن تبدأ الاحتجاجات الحاشدة ضده.

كما دعا قايد صالح إلى "الإسراع في تشكيل وتنصيب الهيئة المستقلة لتنظيم والإشراف على الانتخابات" وفق أحكام الدستور والتي قام بوتفليقة بحلّها قبل رحيله.

وبعد أن أصبح محور اللعبة السياسية، يصرّ الجيش على احترام الآجال المنصوص عليها في الدستور بينما تطالب الحركة الاحتجاجية بمرحلة انتقالية لإجراء إصلاحات ورحيل كل رموز النظام وفي مقدمهم بن صالح وبدوي، لكن أيضا قايد صالح نفسه.

كما رفض قائد الجيش الذي يشغل أيضا منصب نائب وزير الدفاع، المطلب الأساسي للحركة الاحتجاجية غير المسبوقة منذ بدايتها في 22 فبراير/شباط، وهو رحيل كل رموز النظام.

وقال إن "ذوي المخططات المريبة" يستخدمون المسيرات "لإبراز شعاراتهم مثل المطالبة بالرحيل الجماعي لكافة إطارات الدولة بحجة أنهم رموز النظام، وهو مصطلح غير موضوعي وغير معقول، بل وخطير وخبيث يراد منه تجريد مؤسسات الدولة من إطاراتها وتشويه سمعتهم".

وبعدما كان يُنظر إليه كحليف للمحتجين بسبب دوره في رحيل بوتفليقة وهو الذي خدم تحت إمرته ودعمه طيلة 15 عاما، بات قايد صالح منذ عدة أسابيع هدفا لشعارات المتظاهرين لرفضه الخروج عن النص الحرفي للدستور.

وقال أستاذ العلوم السياسية سابقا والمحلل محمد هناد "إن إجراء الانتخابات هو السبيل الوحيد لضمان دوام النظام" مشيرا إلى أن "النظام مستعد للسير في طريق مسدود".

ومازال هناك العديد من التساؤلات حول التشبث بتنظيم انتخابات بينما الناخبون يتظاهرون كل أسبوع للمطالبة بتأجيلها. كما لم تقدم شخصيات بارزة ترشيحها ولا حتى من الأحزاب التي ساندت بوتفليقة، قبل أيام من انتهاء مهلة الترشيحات.

وبحسب وزارة الداخلية فإن 74 شخصا، غير معروفين، سحبوا أوراق الترشح بينهم ثلاثة يمثلون أحزابا سياسية.

وبحسب مصعب حمودي الباحث في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس، فإنه "من المستحيل تنظيم هذه الانتخابات، فالهيئة الناخبة في الشارع و الشخص الذي يقدم نفسه إلى رئاسيات" تنظمها السلطة الحالية "قد انتهى" سياسيا.

وحتى الشخصيات التي اقترحت عليها السلطة التقدم لهذه الانتخابات قد رفضت بحسب مراقبين، مضيفا أن الفريق قايد صالح "لا يريد أن يرى حلّا آخر" غير الانتخابات وقد يكون "مدفوعا بحاشيته، أي الجنرالات الآخرين" في الجيش الذين يتمسكون بالمواعيد الانتخابية حتى لا يُتهمون بـ"الانقلاب إذا تجاوزوا الآجال" الدستورية.

وتابع "الجيش يخاف من فترة انتقالية" كما يطالب بها المحتجون لأنه "سيتعين عليه حينئذ إعادة السلطة للمدنيين و سيخرج من اللعبة السياسية".

وفي تعليقه على خطاب رئيس الأركان اعتبر رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض محسن بلعباس أن الحل يمر حتما عبر "فترة انتقالية كفيلة بوضع الآليات" التي تضمن " تناوبا ديمقراطيا على السلطة".

واعتبر في تعليق على صفحة حزبه في موقع فايسبوك أن "الحل الدستوري ليس حلا بل مشكلة".

وأصبح من الصعب معرفة هامش المناورة الذي يتمتع به الجيش في حالة عدم تنظيم الانتخابات "فنحن لا نعرف بأي صفة يتحدث قايد صالح وهل أنه يعطي أوامر أو نصائح. إعطاء الأوامر للشعب ليس من صلاحياته وفي ما يتعلق بالنصائح فيمكن أن يقدمها مباشرة للأشخاص المستهدفين"، كما أوضح هنّاد.

والاثنين، دعا رئيس أركان الجيش إلى "إعادة النظر في كيفية تنظيم هذه المسيرات وفي ضرورة تأطيرها بأشخاص  يعملون على نقل المطالب الشعبية في إطار حوار جاد وبناء مع مؤسسات الدولة"، لكن دون مشاركة الجيش "الذي تعهد والتزم بأنه لن يكون طرفا في هذا الحوار المرغوب".

ويقول محللون إن الجيش تساوره المخاوف من أن تستمر الأزمة في وقت تتدهور فيه الأوضاع الأمنية في ليبيا التي تتقاتل فيها جماعات متناحرة للسيطرة على العاصمة طرابلس.

وإلى حدّ الآن لم تخرج الاحتجاجات المستمرة في الجزائر عن طابعها السلمي لكن وزارة الدفاع الجزائرية تعلن من حين إلى آخر إحباط مخططات إرهابية إما كانت تستهدف تفجيرات في جموع المحتجين أو في مناطق أخرى.

وليس واضحة مدى دقة البيانات الأمنية والعسكرية في الوقت الذي يعتقد فيه بعض من المحتجين أنها فزاعة يستخدمها الجيش لإثناء الجزائريين عن مواصلة حراكهم المنادي برحيل جميع رموز النظام.

وتعهد الجيش مرارا بحماية مسار الانتقال الديمقراطي معلنا أن حلّ الأزمة الراهنة يجب أن يكون باستكمال المسار الدستوري في إشارة إلى أنه يدعم قيادة عبدالقادر بن صالح الرئيس المؤقت للمرحلة الانتقالية التي يفترض أن تفضي لإجراء انتخابات رئاسية حرة وديمقراطية.

وهزت الاحتجاجات التي كان أغلب المشاركين فيها من الشباب الجزائر وطالب المتظاهرون بإنهاء هيمنة النخبة الحاكمة التي تدير شؤون البلاد منذ استقلالها عن فرنسا في 1962.

وتجمع محتجون يوم الجمعة للمطالبة باستقالة الرئيس المؤقت (عبدالقادر) بن صالح ورئيس الوزراء نورالدين بدوي الذي عينه بوتفليقة قبل أيام من تنحيه.