تصعيد تجاري أميركي يربك اردوغان ويفاقم أزمة الليرة

عناد ومكابرة الرئيس التركي يغرقان تركيا في أزمة اقتصادية غير مسبوقة مع موجة انهيار لليرة لا تبدو نهايتها قريبة، فيما تخيم المخاوف على الأسواق وسط قلق من انتقال عدوى الأزمة النقدية إلى المصارف الاوروبية.
ترامب يفرض رسوما قاسية على واردات الصلب والألمنيوم من تركيا
ريبة متزايدة تخيم على الأسواق حيال فريق اردوغان الاقتصادي
الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن ترخي بظلالها على قيمة الليرة
المستثمرون متخوفون من أزمة نقدية شاملة ووشيكة
مخاوف من انتقال عدوى الأزمة النقدية في تركيا إلى المصارف الأوروبية

واشنطن - اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة إجراءات جديدة من شأنها أن تفاقم الضغوط على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي تواجه بلاده أسوأ أزمة اقتصادية مع انهيار قيمة الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها في سياق موجة هبوط متواترة منذ أشهر.

ويخوض اردوغان معارك على أكثر من جبهة داخلية وخارجية ومع الانهيار القياسي في قيمة الليرة وفرض ترامب الجمعة رسوما قاسية على واردات تركيا من الصلب والألومنيوم، يزداد الخناق على الرئيس التركي الذي دشن منذ فترة قصيرة ولاية رئاسية جديدة بصلاحيات تنفيذية واسعة.

وتتجه العلاقات الأميركية التركية إلى المزيد من التصعيد مع إعلان ترامب أنه أمر بزيادة الرسوم على واردات من تركيا بحيث تصبح رسوم استيراد الألمونيوم 20 بالمئة والصلب 50 بالمئة مع تفاقم التوترات بين البلدين العضوين بحلف شمال الأطلسي بسبب احتجاز تركيا لقس أميركي وخلافات دبلوماسية أخرى.

وقال ترامب في تغريدة على تويتر صباح الجمعة "أصدرت للتو أمرا بمضاعفة رسوم الصلب والألمونيوم في ما يتعلق بتركيا في الوقت الذي تتراجع فيه عملتهم، الليرة التركية، تراجعا سريعا أمام دولارنا القوي جدا!".

وأضاف "رسوم الألمونيوم ستصبح 20 بالمئة والصلب 50 بالمئة. علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة حاليا!".

وجاء إعلان ترامب بعد أقل من ساعة على حث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الأتراك على المساعدة في الدفاع عن البلاد في مواجهة ما وصفها بحرب اقتصادية على أنقرة.

وناشد اردوغان حشدا في مدينة بايبورت تحويل الدولار والذهب إلى الليرة لدعم العملة المتراجعة.

وفي مارس/آذار، فرضت الولايات المتحدة أكبر مستورد في العالم للصلب رسوما بنسبة 25 بالمئة على واردات الصلب وعشرة بالمئة على واردات الألمونيوم من مجموعة دول.

ومنذ ذلك الحين تدهورت علاقتها مع تركيا سادس أكبر مُصدر للصلب إلى الولايات المتحدة، مما دفع أنقرة إلى إرسال وفد هذا الأسبوع إلى واشنطن للاجتماع مع وزارتي الخارجية والخزانة، لكن تلك المحادثات التي جرت الخميس لم تُظهر دلائل على إحراز تقدم.

وفي الأسبوع الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين بسبب عدم إطلاق سراح القس أندرو برانسون.

وإطلاق سراح برانسون المقبوض عليه منذ 2016، أولوية قصوى للولايات المتحدة التي تخوض نزاعا مع تركيا بشأن احتجاز ثلاثة موظفين محليين في السفارة الأميركية وقضايا تجارية وخلافات بشأن سوريا.

خيارات اردوغان محدودة

وحضّ اردوغان الجمعة الأتراك على تحويل ما يملكونه من عملات أجنبية لدعم الليرة التي تسارع انهيارها إثر دعوته إلى "الكفاح الوطني" في مواجهة "حرب اقتصادية" تشن على بلاده.

وعلى خلفية الخلاف الدبلوماسي الحاد بين واشنطن وأنقرة، تسارع تدهور الليرة التركية مسجلة هبوطا حادا بنسبة 19 بالمئة في يوم واحد مقابل الدولار وتم التداول بها بمستوى 6.6115 ليرة للدولار الواحد في الساعة 13:35 بتوقيت غرينيتش بعدما وصلت إلى 6.87 ليرة للدولار إثر إعلان ترامب.

وقال اردوغان في كلمة ألقاها في بايبورت (شمال شرق) ونقلتها شبكة تي آر تي التلفزيونية الرسمية "إن كان لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني".

وتعاني العملة الوطنية التي فقدت حوالى 40 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار واليورو منذ مطلع العام، من الأزمة الدبلوماسية الخطيرة بين أنقرة وواشنطن وريبة الأسواق المتزايدة حيال فريق اردوغان الاقتصادي.

وكانت الليرة التركية تراجعت الخميس بأكثر من 5 بالمئة مقابل العملة الأميركية غداة مفاوضات غير مثمرة بين دبلوماسيين أميركيين وأتراك رفيعي المستوى سعيا لتسوية الخلافات بين البلدين اللذين فرضا الأسبوع الماضي عقوبات متبادلة على مسؤولين حكوميين.

الليرة التركية فقدت نحو 40 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار واليورو منذ مطلع العام الحالي

وتتخوف الأسواق من المنحى الذي ستتخذه سياسة اردوغان الاقتصادية في وقت يتحفظ البنك المركزي التركي على رفع معدلات فائدته للحد من تضخم بلغ معدله السنوي حوالى 16 بالمئة في يوليو/تموز.

ورأى المحلل لدى إكس تي بي ديفيد تشيثام في مذكرة أن تراجع الليرة التركية الجمعة "يظهر أن المستثمرين متخوفين بشكل متزايد من أزمة نقدية شاملة وشيكة".

وفي مواجهة هذا الوضع، أشار اردوغان الجمعة بالاتهام إلى "لوبي معدلات الفائدة" من غير أن يحدد ملامح هذه الجهة الغامضة.

وكان قد قال في خطاب سابق ليل الخميس الجمعة "إذا كان لديهم دولارات فلدينا شعبنا ولدينا حقنا ولدينا الله"، ما عزز مخاوف الأسواق.

وتخطى القلق الجمعة حدود تركيا مع نشر صحيفة فاينانشل تايمز مقالة ذكرت فيها أن البنك المركزي الأوروبي يخشى من احتمال انتشار عدوى هذه الأزمة النقدية إلى بعض المصارف الأوروبية الحاضرة بقوة في تركيا.

وانعكست أزمة الليرة التركية على أسهم مصارف أوروبية كبرى منها "دويتشه بنك" و"كومرتز بنك" الألمانيان و"يونيكريديت" و"إينتيسا سانباولو" الإيطاليان مرورا بـ"سانتاندير" الإسباني، فسجلت تراجعا في تداولات قبل ظهر الجمعة.

وقال مايكل هيوسون المحلل لدى "سي إم سي ماركتس" إن "المستثمرين كانوا يعتبرون الأزمة النقدية في تركيا مشكلة محلية، لكن يبدو أن سرعة تدهور العملة التركية تعزز المخاوف من احتمال انكشاف مصارف أوروبية على النظام المصرفي التركي".

الرئيسان التركي رجب طيب اردوغان والأميركي دونالد ترامب
ترامب: العلاقات مع تركيا ليست جيّدة

وحرصا منه على توجيه إشارات إيجابية إلى الأسواق، شدد وزير المال الجديد براءة البيرق وهو صهر اردوغان على "أهمية استقلالية البنك المركزي" التركي.

وسعى البيرق عبثا منذ تعيينه في هذا المنصب بعد إعادة انتخاب اردوغان في يونيو/حزيران لطمأنة الأسواق التي تنظر بقلق إلى هيمنة الرئيس بشكل متزايد على الشؤون الاقتصادية وتتخوف من مواقفه البعيدة عن النهج التقليدي.

واردوغان الذي بات يمسك بكامل الصلاحيات التنفيذية بموجب تعديل دستوري مثير للجدل مكنه أيضا من تعيين حاكم البنك المركزي، يعلن صراحة معارضته لرفع معدلات الفائدة من أجل ضبط التضخم.

إلا أن العديد من خبراء الاقتصاد يدعون إلى زيادة معدلات فائدة البنك المركزي لكبح التضخم، عملا بوسيلة تستخدم بصورة تقليدية في العالم لضبط ارتفاع الأسعار ودعم العملة الوطنية.

ولزمت شبكات التلفزيون الرئيسية والصحف واسعة الانتشار ومعظمها تحت سيطرة السلطة، الصمت حيال انهيار الليرة التركية هذا الأسبوع.