تصفية حسابات بين الخصوم السياسيين ترافق الحراك اللبناني

أي انتخابات نيابية جديدة لن تكون نتائجها مضمونة، حيث أنها إذا جرت ستكون على قاعدة التصويت العقابي مع ضيق اللبنانيين بالنخبة السياسية الحالية التي مثلت امتدادا لنظام طائفي يصفه كثيرون بـ"المقيت".

جنبلاط: الحل في تعديل حكومي ثم انتخابات نيابية
المشهد اللبناني ينفتح على إعادة تشكيل النظام القائم
تصويت عقابي في حال إعادة إجراء الانتخابات النيابية
مقترح التعديل الحكومي مسكّن لغضب اللبنانيين لا ترياقا للأزمة
هل يفقد حزب الله وحلفاؤه الأغلبية البرلمانية إذا جرت انتخابات جديدة؟

بيروت - وفر الحراك اللبناني العابر للطائفية فرصة للسياسيين لإعادة التفكير في نظام المحاصصة الطائفية الذي اعتمده لبنان منذ اتفاق الطائف (1989)، لكنه وفر في المقابل أيضا فرصة للخصوم السياسيين لتصفية حساباتهم.

ويفتقد الحراك لقيادة ورؤية للمرحلة القادمة وبديلا عن الطبقة السياسية التي يطالب برحيلها ما يجعل من الصعب القطع نهائيا مع النخبة الحاكمة وبالتالي فإن المشهد بتجلياته الراهنة ينفتح على إعادة تشكيل النظام القائم مع تغييرات حتمية سيفرضها التصويت العقابي إذا اتجه الوضع لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

وقال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وهو أيضا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اليوم الخميس، إن أفضل حلّ للأزمة يكمن في "الإسراع في التعديل الحكومي والدعوة لاحقا إلى انتخابات نيابية وفق قانون عصري لا طائفي".

وتابع في تغريدة على تويتر معلقا على إعلان الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أن فكرة التعديل الحكومي مطروحة على الطاولة "بعد سماع كلمة الرئيس عون وبما أننا في نفس هذا المركب الذي يغرق وكون نشاطره الخوف من الانهيار الاقتصادي  نجد أن أفضل حل يكمن في الإسراع في التعديل الحكومي والدعوة لاحقا إلى انتخابات نيابية وفق قانون عصري لا طائفي".

ولا تخرج تغريدة جنبلاط وموقفه عن سياق الخصومة المعلنة مع وزير الخارجية جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني الذي دخل في خلافات عميقة مع أكثر من جهة مستقويا بحليفه حزب الله.

وسبق لجنبلاط أن دعا لإقالة باسيل وإجراء تعديل حكومي معتبرا أن الحراك الشعبي قلب الطاولة على الجميع.

وأي تعديل حكومي محتمل قد يشمل إبعاد باسيل الذي تعرض لانتقادات شديدة قبل الاحتجاجات وأثناءها، لكن هذا السيناريو يبدو مجرد افتراض في ظل غموض المشهد السياسي وهيمنة تصفية الحسابات على إيجاد حل للأزمة وإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي.

وليس واضحا ما إذا كان حزب الله المدعوم من إيران سيذهب في اتجاه إجراء انتخابات نيابية جديدة بعد أن منحته الانتخابات السابقة (انتخابات مايو/ايار) وحلفاءه أغلبية برلمانية وهيمنة على الحكم.

وأي انتخابات نيابية جديدة لن تكون نتائجها مضمونة، حيث أنها إذا جرت ستكون على قاعدة التصويت العقابي مع ضيق اللبنانيين بالنخبة السياسية الحالية التي مثلت امتدادا لنظام طائفي يصفه كثيرون بـ"المقيت".

وأرجأ جنبلاط مؤتمرا صحفيا كان مقررا الخميس في منزله بمحافظة جبل لبنان، حتى إشعار آخر، دون توضيح سبب التأجيل وذلك حسب جريدة الأنباء الإلكترونية التابعة للحزب الاشتراكي.

وكان الرئيس عون قد توجه في خطابه للمتظاهرين المنتشرين في ساحات الاعتصام بمناطق لبنان كافة بالقول إن "النظام لا يتغيّر بالساحات" وإنه مستعد للقاء ممثلين عنهم لتحديد مطالبهم.

ورحب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بفكرة التعديل الحكومي التي تحدث عنها عون، فيما سبق له أن أعلن بعد أن أقرّ مجلس الوزراء مؤخرا ورقة إصلاحية لتهدئة غضب الشارع ورفضها المحتجون، أنه يدعم الاحتجاجات السلمية وإعادة إجراء انتخابات نيابية اذا كان الحراك الشعبي يريد ذلك.

وقال الحريري اليوم الخميس في تغريدة على تويتر "اتصلت بفخامة رئيس الجمهورية ورحبت بدعوته إلى ضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي من خلال الآليات الدستورية المعمول بها".

ولم تغير كلمة عون من واقع المشهد شيئا حيث أعلن معظم المحتجين رفضهم لما ورد في خطابه، فقبل أن قبل أن ينهي خطابه للشعب في اليوم الثامن للاحتجاجات، انطلقت هتافات استهجان بساحات المظاهرات، كما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات وتغريدات منتقدة لكلمة الرئيس الذي التزم الصمت طيلة الفترة الماضية.

واستهجن المحتجون الخطاب كونه جاء مسجلا، معتبرين أن كل خطاب مسجل "لا يعول عليه".

واعتبر الإعلامي في قناة 'أم تي في' اللبنانية الناشط محمد دنكر والمشارك في الاعتصام ببيروت، أن خطاب عون كان "ضعيفا وواهيا" بل "وأضعف فرص الرئيس بالبقاء في منصبه"، فيما وصفه الصحفي غسان فرّان المشارك في اعتصام طرابلس (مال)، بـ"أسوأ خطاب سمعه في حياته".

وأضاف "قررت أن أؤجل نزولي إلى الشارع لأستمع إلى الخطاب، لكني فوجئت بمدى انفصاله عن الواقع ولن نغادر الشارع قبل أن يرحل الرئيس شخصيا".

ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين واحد من أبرز عناوين الحراك الشعبي، إلا أن هذا الملف بات ينظر له أيضا ضمن تصفية الحسابات بين الخصوم السياسيين.

اللبنانيون كفروا بنخبتهم السياسية وبالطائفية
اللبنانيون كفروا بنخبتهم السياسية وبالطائفية

وأحيت الاحتجاجات ملف رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي بعد أن رفعت مدعية عامة في جبل لبنان دعوى قضائية تتهمه فيها بالثراء غير المشروع، فيما طالب ميقاتي الرئيس ميشال عون برفع يده عن القضاء وعدم تسييسه.

وشددت النائبة العامة في محافظة جبل لبنان القاضية غادة عون اليوم الخميس على ضرورة "المطالبة برفع الحصانة عن المسؤولين أولا في حال الرغبة باسترداد الأموال المنهوبة".

وقالت في حديث متلفز تعليقا على الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أسبوع "هناك تعاطفا مع المواطنين ولا يمكن لأي كان سواء رئيس الجمهورية أو القاضي إلا أن يتعاطف مع الناس".

وكشفت المدعية العامة عن وجود خطوات قضائية لمتابعة قضايا في ملف "التخابر غير الشرعي"، مشيرة إلى أنها مع حق الشعب في معرفة الحقيقة.

والأربعاء أصدرت قرارا ادعت فيه على رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي الذي يعد أحد أغنياء العرب وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك "عودة" بتهمة "الإثراء غير المشروع" عن طريق حصولهم على قروض سكنية مدعومة وإحالتهم إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت.

وتابعت "أنا مع فتح كل الملفات ومن حق الشعب أن يعرف وأن يحاسب، لكن من سيحاسب غير القضاء؟ وأنا أعمل في نطاق صلاحياتي وما قمت به هو من نطاق هذه الصلاحية".

وقالت "ادعيت على بنك عودة وهناك فروع كثيرة له هنا، فهذه صلاحيتي المكانية، لكن بحسب قانون الإثراء غير المشروع، النائب العام يدعي أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت".

وأعلنت أنه لم يُطلب منها فتح ملف ميقاتي، معتبرة ذلك "تعديا" على استقلاليتها، فيما نفت أن يكون ميقاتي "كبش محرقة لتبقى التسوية الرئاسية".

لكن ميقاتي ردّ على الدعوى القضائية في مؤتمر صحفي، مؤكدا أنه "تحت سقف القضاء اللبناني"، مطالبا رئيس الجمهورية ميشال عون، بـ"عدم تسييس القضاء ورفع اليد عنه".