تضامن وتشكيك يتنازعان مزاعم قاصر مغربية بالتعرض للاحتجاز والاغتصاب

كشف خديجة تعرضها لاغتصاب جماعي والتعذيب بعد اختطافها لمدة شهرين يقابله البعض من سكان منطقتها المحافظة بعدم التصديق بذريعة ان الضحية كانت تعيش حياة متحررة، في موقف يزيد الضغوط على الفتاة اليافعة وذويها.
عدد المتهمين يبلغ 12 فردا تراوح أعمارهم بين 18 و28 سنة
القاصر ووالدها يختفيان عن الأنظار هربا من 'ضغوط قاهرة'

أولاد عياد (المغرب) - تشغل قضية خديجة القاصر التي كشفت تعرضها للاحتجاز والاغتصاب الجماعي اهتمامات سكان بلدتها أولاد عياد، وسط المغرب، بين متضامن ومشكك، وسط بيئة تسودها "ثقافة محافظة"، بينما تختفي القاصر ووالدها عن الأنظار هربا من "ضغوط قاهرة".

ويقول أحد جيران العائلة واقفا قبالة بيتها في زقاق غير معبد تحوطه بيوت أغلبها عشوائية "لا أعرف حقيقة ما وقع لخديجة. الأكيد أنها اختفت لفترة وما تعرضت له أثار الكثير من التعاطف، لكن البعض يشكك في روايتها".

وكشفت خديجة (17 عاما) احتجازها لنحو شهرين تعرضت خلالهما للاغتصاب والتعذيب بعد اختطافها من أمام بيت أحد أقاربها في بلدة أولاد عياد بمنطقة الفقيه بنصالح (وسط) منتصف حزيران/يونيو. واكدت في أحاديث مصورة أدلت بها لمواقع إخبارية محلية أن خاطفيها خلفوا ندوبا ووشوما على أجزاء مختلفة من جسدها.

لكن أحمد الذي يدير محلا للبقالة في زقاق غير بعيد من بيت خديجة يبدو غير مقتنع برواية هذه الفتاة "القوية الشخصية"، كما يصفها كثيرون من النشطاء الذين تبنوا قضيتها وأطلقوا حملة تضامن معها، اذ يقول "كانت لديها رفقة سيئة وتخرج مع شبان في البلدة".

في غمرة حملة تضامن واسعة، وجدت مثل هذه التعليقات المشككة طريقها لوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية نشرت تصريحات لأقارب بعض المتهمين في القضية تشكك في رواية خديجة.

ويقول الصيدلي عبد النبي حلماوي، الذي أشرف برفقة أطباء على إخضاعها لفحوص طبية، إن هذه التعليقات خلفت "تداعيات سيئة على نفسيتها"، ولذلك نصح عائلتها بأن "تمنعها من استخدام هاتفها حتى لا تطلع على ما يقال عنها في الأنترنت".

ويضيف أحمد بصوت خفيض، وسط جلبة تنبعث من مكبرات صوت يستعين بها الباعة لجذب الزبائن في هذا اليوم الحار الذي يصادف موعد السوق الأسبوعي في البلدة، "لقد اختفت خديجة ووالدها قبل نحو يومين، لا شك في أنها هربت من ضغط الصحافة".

اختفت خديجة عن الأنظار بعدما أدلت بأحاديث مصورة لوسائل إعلام محلية، ويشرح ناشط في إحدى الجمعيات المحلية عبر الهاتف "نسعى لحمايتها وإبعادها من الضغوط".

لا يشك عبد النبي حلماوي من جهته في "صلابة" خديجة وقوة شخصيتها، لكنه يعتقد أنها تحتاج "لرعاية ومواكبة نفسية، لان ما تعرضت له ليس بالأمر الهين".

"مجتمع ذكوري"

غالبا ما تكون معاناة النساء ضحايا الاغتصاب في ظل ثقافة محافظة، مزدوجة مع تحميلهن مسؤولية ما تعرضن له، وقبل سنوات أدى انتحار القاصر أمينة الفيلالي بعد تزويجها من مغتصبها إلى إلغاء القانون الذي كان يتيح هذا "الحل" بعد ضجة واستنكار واسعين.

ويشير إبراهيم حشان محامي خديجة والناشط في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة سوق السبت القريبة من أولاد عياد إلى أن "الثقافة الذكورية سائدة في المنطقة، حيث يحمل البعض الضحية مسؤولية ما تعرضت له".

ويعتبر زواج القاصرات شائعا في جهة بني ملال خنيفرة، حيث تقع بلدة أولاد عياد، وتشهد هذه الجهة الأفقر في المغرب معدلات متدنية على صعيد للتعليم والخدمات الأساسية، بحسب دراسة للمندوبية السامية للتخطيط نشرت في وقت سابق.

ويبدو أن حياة خديجة، المنقطعة عن الدراسة منذ كانت في الثانية عشرة بسبب فقر عائلتها، "كانت أكثر تحررا من السائد هنا" كما يوضح مصطفى الذي يعمل سائق شاحنة ويعرف العائلة جيدا.

ويضيف مقتعدا كرسيا في مقهى يقع وسط الشارع الرئيسي المعبد وسط البلدة، "هذه المنطقة محافظة، ليس من عاداتها أن تخرج الفتيات بحرية ويرافقن فتيانا، في حين كان والد خديجة يتيح لها العيش كما تريد".

ويعلق رفيقه حسن الذي يعرف أيضا عائلة خديجة "ما وقع أحزننا كثيرا إذ يمكن أن يقع لأي من بناتنا، وأغلبية الناس متعاطفون معها".

خلافا للمشككين في رواية خديجة من سكان البلدة التي تعيش من معمل للسكر في هذه المنطقة الشهيرة بزراعة الشمندر، يؤكد مصطفى وجلساؤه أنهم لا يعرفون حقيقة ما حصل.

الجميع يترقبون ما سيتوصل اليه قاضي التحقيق الذي حدد 6 أيلول/سبتمبر موعدا لأول جلسة ينتظر أن يستمع خلاها لأطراف القضية.

ويبلغ عدد المتهمين 12 فردا تراوح أعمارهم بين 18 و28 سنة ووجه إليهم وكيل الملك في غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف في بني ملال اتهامات تراوح بين الاتجار بالبشر والتهديد بالقتل والتعذيب والاختطاف والاحتجاز وإغتصاب قاصر، اضافة الى عدم الابلاغ عن جريمة وعدم تقديم مساعدة لشخص في خطر. ولا يزال البحث جاريا عن ثلاثة أشخاص، بحسب ما أفاد مصدر مقرب من التحقيق.

وقال محامي خديجة إبراهيم حشان إن "المتهمين اعترفوا بالمنسوب إليهم"، لكن لائحة الاتهام يمكن أن تتغير تبعا لنتائج التحقيق القضائي.

وسجل تقرير للنيابة العامة تزايد قضايا جرائم الاغتصاب السنة الماضية في المغرب إذ تجاوز عددها 1600، في حين كانت بحدود 800 قضية سنويا خلال الأعوام الماضية. وأشار التقرير إلى تسجيل أكثر من 290 قضية خطف قاصرين خلال 2017.