تضحيات الجيش الاحمر لدحر النازية تسقط من ذاكرة الفرنسيين

غياب بوتين عن الذكرى الخامسة والسبعين لإنزال قوات الحلفاء في النورماندي يعكس تناسي الفرنسيين لدور الاتحاد السوفياتي المحوري في حسم الحرب العالمية الثانية، في موقف يطغى عليه تدهور العلاقات بين البلدين.
57 بالمئة من الفرنسيين كانوا يعتقدون بعيد الحرب أن الفضل الاول في تحررهم يعود لموسكو
اقل من عشرين بالمئة فقط من الفرنسيين يقرون الى الان بدور السوفيات
27 مليون قتيل بين مدني وعسكري فاتورة السوفيات في الانتصار على النازية
الولايات المتحدة خسرت فقط 400 ألف رجل في المعارك في أوروبا والمحيط الهادىء
الهجمات السوفياتية اضعفت وعزلت القدرات العسكرية الألمانية بعيدا عن الجبهة الغربية في يوم إنزال الحلفاء

باريس- خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لإنزال قوات الحلفاء في النورماندي، سيعكس غياب فلاديمير بوتين النسيان التدريجي الذي طوى في فرنسا التضحيات الكبيرة التي قدمها السوفيات خلال الحرب العالمية الثانية.

ويعكس ذلك تغييرا كبيرا. فقبل 75 عاما كان الفرنسيون يعتبرون أن الاتحاد السوفياتي وما قدمه من تضحيات تمثلت ب27 مليون قتيل بين مدني وعسكري، كان العامل الرئيسي لإلحاق الهزيمة بهتلر.

وكشف استطلاع للرأي أجري بعد انتهاء المعارك في أيار/مايو 1945، أن 57 بالمئة من الفرنسيين يعتقدون أن موسكو كانت المساهم الأول في الجهد الحربي، بينما لم تتجاوز نسبة الذين ذكروا الولايات المتحدة العشرين بالمئة.

بعد حوالى ستة عقود، في 2004 وبينما مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الأولى في ذكرى يوم الإنزال، وضع عشرون بالمئة فقط من الفرنسيين الاتحاد السوفياتي في المرتبة الأولى.

ورأى 58 بالمئة منهم حينذاك أن الفضل يعود إلى الولايات المتحدة التي خسرت 400 ألف رجل في المعارك في أوروبا والمحيط الهادىء.

وقال دينيس بيشانسكي المكلف البحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي الذي درس تطور الذاكرة الجماعية للحرب لدى الفرنسيين "بالتأكيد من وجهة نظر تاريخية، إنكار الدور الأساسي للاتحاد السوفياتي أمر سخيف".

وكانت معاهدة عدم الاعتداء الألمانية السوفياتية التي وقعها في 1939 وزيرا خارجية البلدين يواكيم فون ريبنتروم وفياتشيسلاف مولوتوف، سقطت فعليا عندما قرر هتلر غزو الاتحاد السوفياتي، ما أطلق معارك شرسة وحصار مدن إلى أن تمكن ستالين من بدء هجوم مضاد.

وأضعفت هذه الهجمات السوفياتية القدرات العسكرية الألمانية مع إبقائها على هذه الجبهة ملايين الجنود النازيين بعيدا عن الجبهة الغربية في يوم إنزال الحلفاء.

وقال ستيفان غريمالدي مدير "نصب كان" في النورماندي "في 1945 كان الحليف الأكبر هو ستالين والاتحاد السوفياتي. دورهما كان واضحا جدا للفرنسيين". وأضاف "بعد خمسين عاما، انتصر الأميركيون وهذا لسبب بسيط وهو الحرب الباردة".

وساهمت هوليود مركز السينما الأميركية أيضا، في تغيير المفاهيم بسلسلة أفلام اعتبارا من ستينات القرن الماضي تعرض أميركيين شجعانا يقاتلون بعيدا عن بلدهم.

 "باريس حررها شعبها" 

شارل ديغول
بطل المقاومة الفرنسية شارل ديغول كان يفضل الحديث عن فرنسا التي أنقذت نفسها

لعقود، لم يحيي الرؤساء الفرنسيون رسميا ذكرى إنزال 150 ألف جندي من قوات الحلفاء الذي قتل خلاله آلاف خلال أيام.

فشارل ديغول، بطل المقاومة الفرنسية، كان يرفض تمجيد عملية بدا فيها دوره ثانويا، ويفضل الحديث عن فرنسا التي أنقذت نفسها بجهودها. وقد أعلن عند دخوله العاصمة الفرنسية في 1944 أن باريس مدينة "تحررت تلقائيا، حررها شعبها" على الرغم من الدبابات الأميركية والبريطانية التي كان تسير وراءه.

وقال غريمالدي إن "ديغول كان يريد خصوصا استعادة السيادة الوطنية وهذا يتم عبر خروج الأميركيين من الأراضي" الفرنسية.

وهذا الموقف المناهض للأميركيين، تبناه أيضا الحزب الشيوعي الفرنسي الذي عرف خلال الحرب بدوره في مقاومة المحتل النازي. ويحرص الشيوعيون على التذكير بدور الجيش الأحمر والتحذير من الامبريالية الأميركية.

لكن القمع وراء الستار الحديدي جعل تأييدهم يتآكل تدريجيا اعتبارا من ستينات القرن الماضي، بينما كانت الولايات المتحدة تقوم بصياغة روايتها الخاصة المقنعة عن الحرب.

وعرض فيلم كان له "تأثير" خاص في الستينات هو "اطول يوم". وقال بيشاسكي "إنه دور أساسي بالمطلق يركز كثيرا على الأميركيين والمقاومة الفرنسية وحقق نجاحا هائلا".

في 1998 أنتج فيلم آخر خصص ليوم إنزال النورماندي عبر رواية بطولية أميركية موجهة للأجيال الجديدة، وهو "إنقاذ الجندي راين" للمخرج ستيفن سبيلبرغ.

ورأى غريمالدي أن "الحرب الباردة زادت من عزلة الاتحاد السوفياتي ومعه روايته عن الحرب، وأصبح البطل الآن الأميركي الودود... الذي يذهب من أجل إنقاذ اوروبا، وليس الروس".

خوذة ارتداها بطل فيلم 'إنقاذ الجندي ريان'  توم هانكس بتوقيعه وتوقيع المخرج ستيفن سبيلبرغ
الرواية الأميركية تنتصر بفضل سينما تمجد بطولات جنودها موجهة للأجيال الجديدة

"في الصف الأول" 

تلقى دور الولايات المتحدة جرعة جديدة من الدفع عندما أصبح الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران أول رئيس دولة فرنسي ينظم احتفالات بذكرى إنزال النورماندي في 1984. وحضر الرئيس الأميركي حينذاك رونالد ريغن الحدث الذي اتخذ بعدا عالميا مع انهيار الاتحاد السوفياتي.

لكن حتى بعد الحرب تماما، لم يطغ الشعور بالامتنان لروسيا، على إعجاب فرنسا بالولايات المتحدة التي استقبل جنودها بحماس في فرنسا.

وكشف استطلاع للرأي أجري في 1994، أن 43 بالمئة من الباريسيين الذين سئلوا عن البلد الذي سيزورونه إذا توفرت لهم السبل، سيختارون الولايات المتحدة كخيار أول، و13 بالمئة فقط سيختارون الاتحاد السوفياتي الذي كان البلد الثاني في الترتيب الذي عرض.

وازدادت صورة روسيا سوءا في عهد بوتين الذي تدهورت علاقاته مع الغرب منذ أن ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 2014.

وقال بيشانسكي "إذا لم يدع بوتين اليوم، فهذا لا علاقة له بالحرب العالمية الثانية، بل مرتبط باليوم، لأنه لو كان الهدف هو الحديث عن الماضي، لكان الاتحاد السوفياتي وورثته، وبالتالي بوتين يجب أن يكونوا في الصف الأول مثل الأميركيين والبريطانيين".