تضييق على العمل النقابي يدفع رئيس أكبر مركزية نقابية بالجزائر للاستقالة

سليم لباطشة يستقيل من الأمانة العامة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، بينما تستعد الحكومة لتمرير قانون جديد يضيق الخناق على الحريات النقابية ويحظر الإضراب.
النقابات الجزائرية تعارض القانون الجديد وتعتبره تهديدا مباشرا لحرية العمل النقابي
الرئيس عبدالمجيد تبون استغرب في تصريح سابق من وجود العشرات من النقابات داخل المؤسسة الواحدة

الجزائر - أعلن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكبر تنظيم نقابي بالبلاد، اليوم الأحد استقالة أمينه العام سليم لباطشة، في وقت تشهد فيه الجزائر جدلا حادا حول مشروع قانون جديد يهدف إلى تكبيل العمل النقابي والتضييق على الحق في الإضراب، بينما يواصل النظام الجزائري الاستعانة بترسانة قوانين توصف بـ"القمعة" في إطار مساعيه لخنق الحريات.    
وذكر الاتحاد في بيان له أن مكتبه التنفيذي اجتمع السبت للبت في حالة شغور منصب الأمين العام للاتحاد، موضحا أن الشغور جاء بعد "انسحاب سليم لباطشة من منصبه لأسباب شخصية لم تمكنه من التفرغ كليا لأداء مهام الأمين العام على أحسن وجه مستقبلاً"، دون تفاصيل أكثر حول طبيعة هذه الأسباب.
وأضاف أنه تم تكليف حمو طواهرية رئيس نقابة عمال قطاع المحروقات التابعة للاتحاد بقيادة التنظيم بالنيابة إلى غاية تنظيم مؤتمر جديد لم يحدد موعده.
ويقود لباطشة المنظمة النقابية منذ مؤتمرها يونيو/حزيران 2019 عندما تم انتخابه أمينا عاما خلفا لعبدالمجيد سيدي السعيد الذي كان معروفا بقربه من محيط الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في نفس العام.
ويعتبر الاتحاد العام للعمال الجزائريين النقابة الأكبر في البلاد ويقول مسؤولوها إنها تضم 2.3 مليون منخرط في مختلف القطاعات (إدارات حكومية شركات اقتصادية حكومية وخاصة وغيرها)، لكن نقابات مستقلة تؤكد أن عدد منخرطيه لا يتعدى عشرات الآلاف فقط.
وتزامنت استقالة لباطشة مع قانون جديد حول ممارسة الحق النقابي قدمته الحكومة ويجري البرلمان مناقشات بشأنه، لكن النقابات ترفضه وترى فيه تهديدا مباشرا للمكاسب التي حصلتها الطبقة الشغيلة منذ أكثر من ثلاثة عقود وسبق للاتحاد رفقة نقابات أخرى مستقلة إعلان معارضتها لمضمونه بدعوى أنه تضمن مواد تشكل مساسا خطيرا بالحريات النقابية.

  

وشنت أكثر من 30 نقابة مستقلة ممثلة لعمال التربية والتعليم والصحة والبريد والتضامن والإدارات والأئمة وعمال الشؤون الدينية إضرابا عن العمل موفى الشهر الماضي للتنديد بما تصفه "تهديدا للحريات النقابية" وبهدف الضغط على الحكومة بغية لسحب المشروع.

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد أكد في تصريحات إعلامية قبل أيام أن حق الإضراب والعمل النقابي سيبقى مضمونا، ردا على سؤال بخصوص عزم عدة نقابات تنظيم احتجاجات رفضا لمشروع القانون، مضيفا أن الإضراب يجب أن يكون آخر الحلول في المؤسسات، تسبقه الوساطات والحوار واعتبر أن القانون الجديد لممارسة الحق النقابي يهدف إلى تمكين المنظمات النقابية من استرجاع قوتها ومصداقيتها.

واستغرب تبون من وجود العشرات من النقابات داخل المؤسسة الواحدة في موقف يعكس إصرارا على تمرير مشروع قانون العمل النقابي.

وتهدف السلطات الجزائرية من وراء إقرار هذا القانون إلى طي صفحة التجربة السابقة التي لعبت فيها النقابات دورا حاسما في معارضة سياسات الحكومة خلال فترة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة وانخرطت في العمل السياسي خاصة في فترة الحراك الشعبي، بالإضافة إلى الارتباط بين النقابات والأحزاب وهي من النقاط التي مثلت صداعا للنظام.

 ولم تجد النصوص القانونية الجديدة المتعلقة بالعمل النقابي أي مساندة من النقابات التي ترتبط تاريخيا مع السلطة مثل الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي عبر عن استيائه لعدم إشراكه في إعداد المشروع الجديد، معتبرا أنه يتنافى مع الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الجزائر.

وتضمن المشروع الجديد العديد من الإجراءات من بينها حظر الشروع في أي إضراب عمالي قبل استنفاد وسائل الحوار والمصالحة والتحكيم وإجبارية تقديم إشعار مسبق من قبل النقابات قبل خمسة أيام على الأقل وعقد جمعية عامة للعمال تقر اللجوء للإضراب، بالإضافة إلى تشديد شروط تأسيس النقابة وإمكانية حلها عن طريق القضاء وعدم توظيف العمل النقابي في الأغراض السياسية والحزبية.

 ويحذر نشطاء حقوقيون ونقابيون من خطورة تمرير مثل هذه المشاريع على حرية العمل النقابي، مشيرين إلى أن الاستكانة إزاء هذه الخطوة ستكون مكلفة جدا.