تظاهرات البصرة لن تتوقف قبل الإيفاء بالوعود

تعرض قسم كبير من المحتجين للتعذيب والتعامل الأمني العنيف مع التظاهرات وسوء التعاطي الحكومي مع مطالب الشباب يشجع أبناء البصرة على مواصلة الاحتجاج وبأساليب جديدة.

البصرة - تتواصل الاحتجاجات في البصرة ضمن سلسلة الحراك الشعبي الذي امتدّ إلى المحافظات الوسطى والجنوبية، رافعة مطالبات بتغيير الواقع الخدمي المزري والنهوض بالاقتصاد ومواجهة البطالة عبورا إلى شعارات بتغيير العملية السياسية.

 لم تنطلق شرارة الاحتجاجات في المظاهرات التي انطلقت في البصرة من مركز المحافظة كما عهد سابقا ومن خلال تحركات ناشطين، بل من أناس مشبعين بدخان الحقول النفطية دون أن يلمسوا تحسنا في أوضاعهم المعيشية، في نواحي القرنة والمدينة، شمال البصرة، وهي مناطق زراعية سابقا، تعاني سوء الخدمات والبطالة.

وحملت السمة العامة للاحتجاجات ملامح شريحة الشباب وهي تظاهرات بدت اكبر من قدرة أي حزب أو تنسيقية على تنظيمها، كما بدا بعضها عبثيا في بعض الأحيان.

لكن التوجه إلى محاصرة حقول النفط العملاقة كان مقصودا في مناطق مجنون ونهران عمر فضلا عن البرجسية غرب البصرة، إضافة إلى ما تلاه من غلق المنافذ الحدودية مع إيران والكويت والموانئ العراقية.

المتظاهر نجاح الشمري (28 عاما) خريج كلية العلوم ويعمل في صيانة الهواتف عن تحركهم إن "شعور الشباب باعتماد اقتصاد البلد بالكامل على إنتاج البصرة النفطي هو ما حفزهم على إن يضغطوا على هذا العصب الحسّاس. هناك وعي لدى الشباب للضغط على مغذ رئيس للنظام ولهذا رأينا استجابة ولو لفظية لمطالبنا من رئيس الوزراء".

لكن محاصرة الحقول النفطية واجه دفاعا شرسا من القوات الأمنية سقط نتيجته عدد من القتلى والمصابين بين الطرفين.

النفط في البصرة
محافظة نفطية دون تنمية

المتظاهر احمد المالكي (27 عاما) من قضاء القرنة واجه الرصاص المتطاير في كل اتجاه وهو يقول عن تلك اللحظات حول الوضع القائم "تعرضنا لإطلاق النار من جهات مختلفة، الشرطة وقوات سوات، وشرطة حماية المنشآت النفطية، كما أن عناصر مليشيات الأحزاب تولوا إرشاد القوات الأمنية إلى أماكن قادة التظاهرات لاعتقالهم".

وفي هذا الاتجاه يؤكد الناشط السياسي عباس الجوراني أن الأداء السيئ لأجهزة الأمن والجيش ضد المتظاهرين فاقم الحالة وأعطى نتائج عكسية خلاف ما كان يدور في أذهان القادة الأمنيين، إذ خلق ذلك تحديا لدى المتظاهرين.

ويوضح "انه "في منطقة الهوير قريبا من حقول النفط ما إن يتم فضّ تظاهرة أو اعتصام حتى تنطلق أخرى. لوحظ أن القتل واستعمال اشد أساليب القسوة من قبل القوات الأمنية كان قرب حقول النفط. يبدو أن هناك أوامر مشدّدة بحماية حقول النفط إلى حد القتل. في التظاهرات الأخيرة سقط اثنان من القتلى وثالث يرقد بحالة خطرة".

الأساليب العنيفة لم تقتصر على أطراف البصرة، ففي مركز المحافظة التي انتقلت إليها شرارة التظاهرات، واجهت القوات الأمنية المحتجين والمعتصمين بالقوة والرصاص الحي ومصادرة خيام اعتصامهم، كما استخدمت طائرات مسيرة لتصوير التظاهرات، بينما دفعت نقمة المتظاهرين على أحزاب السلطة لاجتياح مكاتب تلك الأحزاب والمليشيات التي رد بعضها بإطلاق النار.

وبحسب الناشط كاظم السهلاني -أستاذ في جامعة البصرة- فأن عشرة متظاهرين سقطوا منذ اندلاع التظاهرات بنيران القوات الأمنية وحمايات مقرات الأحزاب والمنشآت النفطية، واعتقل أكثر من (900) آخرين.

ويقول حول تلك الاعتقالات "لقد تعرض قسم كبير من المحتجين للتعذيب ثم أخلي سبيل أغلبهم بتعهدات قسرية على عدم المشاركة في التظاهرات بمخالفة صريحة للقانون".

وسارع رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى اتخاذ حزمة إجراءات منها الاجتماع ببعض شيوخ العشائر ومقابلة بعض رموز التظاهرات والإعلان عن تخصيص مبلغ ثلاثة مليارات دولار للبصرة وتوفير فرص عمل للشباب. في وقت قطعت السلطات خدمة الانترنت عن سائر مدن العراق.

عدا أن الأمور لم تتحسن، (فالبصرة تُقتل بصمت).. بهذه الكلمات يعبّر مهند كريم (26 سنة) عن يأسه ويقول إن سبب مشاركته في التظاهرات التي انطلقت في مركز المحافظة إنما هو احتجاج على الواقع البائس الذي يعيشه والمتمثل بانعدام الخدمات وتفشي الفساد وازدياد البطالة.

كريم خريج قسم الجغرافية في كلية الآداب - جامعة البصرة منذ (2015) ومنذ ذلك الوقت لم يحصل على أي فرصة عمل مناسبة وكذلك هو حال أغلب زملائه وقد شارك في التظاهرات للمرة الأولى.

ويقول حول ذلك "لا توجد تعيينات في المؤسسات الحكومية وان توفرت انحصرت على فئة معينة من اسر الشهداء أو السجناء السياسيين أو من معارف المسؤولين والأحزاب أما عموم الناس فيعانون التهميش والإقصاء".

احتجاجات البصرة
تعاطي امني عنيف مع المحتجين

حدّة التظاهرات تراجعت في مركز المحافظة، وهو ما  يعزوه الناشط النقابي عبد الكريم عبد الله إلى دور بعض القوى الحزبية المتخوفة على مصالحها في حرف الاحتجاجات. ويضيف موضحا "كنقابيين حاولنا تسيير التظاهرات بصورة سلمية لكن بعض التنسيقيات المدسوسة من الأحزاب عملت على نشر الفوضى لحرف مسار التظاهرات وإضعاف ثقة المتظاهرين ببعضهم".

كما أن تمسك رئيس الوزراء بوجهة السلطة التقليدية من خلال إهمال احتياجات الناس الحقيقية واللجوء إلى كسب ولاء رؤساء العشائر آملا إخماد الاحتجاجات، بدا تبسيطاً للأمور، كما يرى عبد الله ، فالناس خرجت متظاهرة بعيدا عن انتسابها وولاءاتها.

ويضيف موضحا انه "لا يربط الشيوخ الموالين للسلطة شيء بالمتظاهرين، فما إن يلتقي العبادي بوفد عشائري حتى يتم التبرؤ منه من قبل المتظاهرين كما تمت النقمة على الأحزاب، وهو رد فعل متوقع إزاء تغوّل تلك الأحزاب، في حين نحن نعلم أن العملية السياسية لا تستقيم دون حياة حزبية صحيّة".

تراجع زخم الاحتجاجات لا يؤشر أن نهايتها وشيكة فرماد البطالة والتردي الاقتصادي والمعيشي ما زال يخفي جذوة غضب شعبي، بعد أن تبلورت مطالب المحتجين في أقضية ونواحي ومركز المحافظة.

يقول الناشط  المدني حسن الأسدي مبيّنا ذلك "نطالب بمعالجة مشكلة الماء والكهرباء وتوفير فرص عمل لأبناء البصرة من حملة الشهادات والكفاءات وتسريح العمالة الأجنبية في الشركات النفطية ووفق الضرورة".

ويتابع "كما نطالب بتحسين واقع الخدمات وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة عن العمل وإقالة المفسدين من المدراء العامين والقيادات الأمنية في المحافظة الذي تسببوا في تردي الأوضاع الخدمية والأمنية وتفعيل مذكرات إلقاء القبض ضد المسؤولين المتهمين بقضايا الفساد".

على أن تلك المطالب تبدو أكبر من قدرة الحكومتين المركزية والمحلية على استيعابها. فمجلس المحافظة عجز خلال دوراته في السنوات السابقة عن حل مشكلة واحدة كتوفير مياه الإسالة. كما يتهمهم المتظاهرون بالفساد وعدم القيام بدورهم الرقابي.

ويرى الناشط كاظم السهلاني انه "غالبا ما يلقي أعضاء مجلس المحافظة باللائمة على الحكومة الاتحادية في عدم الاستجابة لمطالب المتظاهرين، ونحن نتساءل في هذه الحال عن جدوى وجودهم؟ كما أنهم لم يحموا المتظاهرين العزل.  ما نمر به الآن سببه الحكومة المحلية بشقيها التشريعي والتنفيذي فلم يتمكنوا من معالجة أي مشكلة من مشكلات البصرة".

رد فعل حكومة البصرة كان ضعيفا بل وصفه البعض بالعاجز، وتفيد تسريبات بعدم اكتمال نصاب مجلس المحافظة خلال الأحداث التي عصفت بالبصرة. كما أن هناك معطيات عن ان المجلس منقسم على نفسه بين مؤيد للتظاهرات ومناهض لها.(نقاش)

وفي حين هدّد وليد كيطان رئيس المجلس المتظاهرين بإجراءات رادعة فإن المجلس خرج ببيان صوري عن إقامة إقليم البصرة وهي اللافتة التي ترفع  بين حين وآخر كمادة  للتنفيس عن الاحتقان الشعبي.

التظاهرات التي انطلقت بصورة عفوية ونضجت نتيجة تراكمات من حجم التردي الاقتصادي والخدمي وتفشي البطالة والمخدرات، قد تشهد عودة جديدة وبشكل أعنف، في ظل عدم تحقق شيء من وعود الحكومتين المركزية والمحلية وقد يرتفع سقف المطالبات إلى مديات أكبر .