تظاهرات شيعية مشروعة ومطالب سياسية مرفوضة

كردستان تقف متوثبة أمام امكانيات تغيير النظام السياسي في العراق بحجة تحقيق مطالب المتظاهرين.

لا يختلف اثنان حول مشروعية تظاهرات الشارع الشيعي ضد الطبقة السياسية التي حكمته خلال الستة عشر سنة الماضية، فشلت من خلاله من تقديم ادنى مستويات العيش الكريم للمواطن العراقي، بل وحولت الفساد الى ثقافة مجتمعية يصعب القضاء عليها. فكان حقا على الشارع الشيعي الخروج والتظاهر لاسقاط هذه الطبقة السياسية الفاسدة وتغيرها.

لكن ما يجب الاشارة اليه ان هذا النوع من الحراك الشعبي بشكل عام ولكونها تفتقر الى قيادات ذات خبرة سياسية كافية، فانها عادة تكون عرضة للاستغلال والانقياد من قبل جماعات سياسية منظمة تنجح في تسخيره لمصالحها السياسية، بعيدا عن جوهر ما خرج من اجله الشارع، خاصة اذا ما طال امد الحراك دون الوصول الى اهدافها، ويبدو ان هذا ما يحصل في حراك الشارع الشيعي في العراق.

هناك فرق شاسع بين مطالبة شارع ما بحقوقه المدنية في الحصول على لقمة العيش والحياة الكريمة والخدمات والقضاء على الفساد، وبين ان تتجاوز المطالب هذا السقف لتصل الى المطالبة بتغير نظام الحكم وتعديل الدستور وتغير مجمل قواعد العملية السياسية. ويجري تمريرها بحرفية شديدة من قبل جهات سياسية لتبدو وكأنها مطالب الشارع المنتفض.

والمفارقة هنا تكمن في ان معظم الطبقة السياسية العراقية لم تقرا الدستور العراقي ولا تفهمه الا من رحم ربي منهم، فكيف للمواطن العراقي البسيط المنشغل بالحصول على لقمة عيشه ان يفتي في الدستور ويطالب بتعديله؟

لو ان المطالب السياسية هذه كانت قد طرحت في اية دولة ما عدا العراق كان من الممكن تبنيها وقبولها من قبل جميع الاطراف السياسية، لكن في حالة العراق فالموضوع يحتاج الى وقفة حقيقية واتخاذ مواقف جريئة رافضة لهذه المطالب التي تعتبر قطعا بطرا او ترفا سياسيا بالنسبة الفرد الشيعي العراقي المغلوب على امره.

ويجب ان لا ننسى ان هناك حقيقة لا يمكن التغافل عنها او تجاوزها، وهي ان العراق لا يتشكل من مكون واحد او شارع واحد بل هو عبارة عن ثلاثة شوارع رئيسة وهي: - الشارع الشيعي والشارع الكردي والشارع السني، ولكل منها توجهاته واولوياته التي تختلف عن الاخر.

فالشارع الشيعي مثلا تنحصر اولوياته في قلة الخدمات المقدمة اليه من الطبقة السياسية الشيعية الفاسدة، ما يدفع به للتظاهر ضده حاليا. بينما لا يشكل عنده الهاجس الامني او السياسي اولوية يهدد وجوده باعتباره يتحكم بأغلب مفاصل الدولة.

 اما الشارع السني المكبوت سياسيا والمشتت بين نازح ومهجر فأولوياته تكمن في رجوعه الى مناطقه، وضمان مستقبله السياسي والامني في العراق دون مخاوف تهدده، اما المطالب الخدمية فتحتل السلم الاخير في قائمة اولوياته. وهذا ما يفسر عزوفه عن الخروج في التظاهرات الحالية جنبا الى جنب مع تظاهرات مدن الجنوب الشيعية.

اما المكون الكردي، فهو يتمتع بنسبة عالية من الخدمات قياسا بالمكونين الشيعي والسني، وتنحصر اولوياته في وضعه السياسي القومي داخل العراق.

وعليه فان المكونات الثلاث تختلف فيما بينها من حيث التوجهات والاولويات.

لذلك وكما قلنا، فان المطالب السياسية على غرار تغيير نظام الحكم وانهاء المحاصصة وتغير الدستور هي مطالب مرفوضة جملة وتفصيلا عند بقية المكونات لانها تخدم مصالح فئوية لمكون واحد، وتعتبر انانية سياسية يجب على المكونين الكردي والسني الوقوف بوجهها ووئدها قبل استفحالها اكثر.

فانهاء المحاصصة مثلا يعني سيطرة المكون الشيعي على مجمل مرافق الدولة العراقية، واخراج الكرد والسنة منها بخفي حنين، ولنا في وضع الجيش العراقي الحالي الذي يخلو من اي وجود كردي او سني مثالا حيا لما سيفضي اليه الامر ان انتهى العمل بالمحاصصة.

اما بالنسبة لمطالبات تعديل الدستور فان التصريحات والمؤشرات تؤكد ان الهدف منه هو تعديل البنود التي تحمي حقوق الكرد في العراق، سواء ما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها او تلك المتعلقة بصلاحيات حكومة كردستان السياسية والاقتصادية، ناهيك عن ان تغير النظام البرلماني الى نظام رئاسي يعني ان تكون الحكومة العراقية في قبضة رئيس شيعي تعطى له كافة الصلاحيات الموزعة حاليا بين البرلمان ورئاسة الوزراء والجمهورية، ليكون هو الامر الناهي في جميع القضايا.

والسؤال الان... كيف يمكن الوقوف بوجه هذه الدعوات المشبوهة؟

اولا... يجب التمييز بين المطالب الخدمية المشروعة للشارع الشيعي المنتفض، وبين المطالب السياسية المشبوهة، واعلان رفض المكونين الكردي والسني لتلك المطالب بوضوح وجراءة، فالانصياع لها يعني تحكم مكون واحد ببقية المكونات.

ثانيا... الاصرار على تطبيق المواد الدستورية العالقة التي تخص الكرد في الدستور العراقي، او عدم المساس بها في اي دستور عراقي قادم .

ثالثا... رفض الحديث عن اي تعديل دستوري الا بالشروط التالية:

1- الانتهاء من تطبيق المادة 140 بشكل كامل، والإبقاء على صلاحيات حكومة كردستان واستثنائها من اي تعديل.

2- اذا لم تتمكن الحكومة العراقية من انهاء مشكلة المناطق المتنازع عليها بوقت قصير، فعليها نقل المادة الخاصة بها وتضمينها في اي دستور جديد.

3- يمكن القبول بانهاء المحاصصة فقط في حال تغير العلاقة بين كردستان والعراق الاتحادي، وذلك بان يكون العراق المستقبلي دولة اتحادية تتشكل من اقليمين (اقليم كردي واقليم عربي) او ثلاث اقاليم (اقليم كردي واقليم شيعي واقليم سني)، بحيث يكون لكل اقليم دستوره الخاص به، حسب مقتضيات مصلحته المكوناتية، بينما ينضم الدستور الاتحادي في بغداد العلاقة بين الاقاليم المتعددة هذه. في هذه الحالة فقط يمكن للدستور ان يتغير وفقا لمصلحة الجميع، ولا يبقى للمحاصصة اية مبررات للوجود. اما ابقاء كردستان كإقليم وحيد مرتبط بعراقي مركزي فهذا خطا من الماضي يجب ان لا يتكرر.