تعاون بين تونس ودمشق يمهّد لتحريك ملفي الجهاديين وشبكات التسفير

سفير تونس لدى سوريا يكشف أن الكثير من الجهاديين التونسيين محتجزون لدى الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا، مشددا على أنهم إرهابيون ومجرمون ومطلوبون من العدالة التونسية.

دمشق - كشف السفير التونسي لدى دمشق محمد المهذبي أن سلطات بلاده تتعاون مع نظيرتها السورية في إطار تفكيك ملف متشعب يتعلق بالجهاديين التونسيين في سوريا وهو ملف يتوقع أن يشكل محل تركيز الحكومتين السورية والتونسية بعد استئناف العلاقات على طريق تفكيك ألغاز شبكات التسفير والمتورطين فيها.

وأعادت السلطات التونسية بعد إجراءات 25 يوليو/تموز2021 تحريك هذا الملف بقوة والذي ظل في عهد منظومة الحكم السابقة على الرفوف وحرص المسؤولون فيها على التعتيم عليه بشدة بل وتجميد كل تحرك قضائي أو حقوقي على الرغم من أنه تمت إثارة هذا الملف من قبل المعارضة في البرلمان السابق الذي حله الرئيس التونسي قيس سعيد ضمن التدابير الاستثنائية.

ويعتبر هذا الملف من أعقد الملفات التي تعكف السلطات التونسية على تفكيك ألغازه ومن المتوقع أن تساعد عودة العلاقات الطبيعية بين تونس وسوريا في كشف الكثير من أسراره، بينما أشار السفير التونسي في حواره مع "الوطن" السورية إلى أن الكثير من الجهاديين التونسيين محتجزون لدى الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا.

وقال المهذبي "هناك تحدّ بخصوص إعادة هؤلاء إلى تونس ونحن نشترك في مواجهة هذا التحدي وهذا التحدي عابر للحدود، فتحدي الإرهاب لا يشمل تونس فقط وإنما يشمل أفريقيا وجنوب الصحراء"، لافتا إلى أن "هذا التحدي يتطلب تضافر الجهود من أجل مواجهته ولذلك نحن نسعى للتنسيق مع الإخوة في سوريا ومستعدون لبذل كل ما يطلبه الجانب السوري".

وأكد أن "الجهاديين الذين سافروا إلى سوريا من أجل القتال هم إرهابيون بالأساس ومجرمون ومطلوبون من العدالة التونسية وهم حفنة من المرتزقة وبتمويل من بعض الجهات الخارجية المعروفة"، مضيفا أن "هذه الجهات قامت بتشجيع هؤلاء المجرمين للمشاركة بالحرب مع الإرهابيين ضد سوريا وإعطاء القداسة لجرائمهم النكراء".

ولفت إلى أن ما "يؤكد هذا الجانب الإجرامي للمرتزقة هو أنه في تونس حاولوا إقامة إمارة داعشية وفشلت هذه الإمارة فشلاً ذريعا نظرا لتصدي الشعب لها والتحام المواطنين العزل مع الأمن والجيش والحرس الوطني لمقاومتهم، حيث أفشلوا مخططهم الذي سقط".

ويمهّد التقارب التونسي السوري لإعطاء دفعة قوية لمسار تحقيقات القضاء التونسي في ملف تسفير جهاديين تونسيين إلى بؤر التوتر والإرهاب خلال عهد حكومة 'الترويكا' بزعامة حركة النهضة الإسلامية.

وتحوم الشبهات حول تورط حركة النهضة في تسفير العديد من التونسيين للقتال في سوريا وتقدرهم منظمات حقوقية بالآلاف، لكنها تنفي أي علاقة لها بالقضية.

وكشف عدد من الجهاديين التونسيين الذين ألقت عليهم السلطات السورية القبض خلال السنوات الماضية عن مسار رحلتهم إلى سوريا بداية بالتجنيد والاستقطاب إلى تجميعهم في مراكز تدريب في ليبيا قبل أن يتم نقلهم في رحلات إلى إسطنبول ومنها إلى الأراضي السورية.

وبدأت التحقيقات في الملف بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 وشملت عددا من قيادات النهضة يتصدّرهم زعيمها راشد الغنوشي الذي خضع للاستجواب في القضية.

وكان أحد قضاة التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أصدر بطاقة إيداع في حق علي العريض القيادي في حركة النهضة رئيس الوزراء الأسبق في ديسمبر/كانون الأول بعد التحقيق معه لساعات للاشتباه في أنه أرسل شبانا للقتال في سوريا، بينما نفت الحركة في بيان حينها أي علاقة للعريض بالملف.

كما شملت تحقيقات الملف نورالدين البحيري نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية وزير العدل الأسبق للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بمنح وثائق رسمية وجوازات سفر على نحو مخالف للقوانين.

ويرى مراقبون أن البحيري لعب دورا مفصليا في التعتيم على ملف تسفير الجهاديين التونسيين إلى بؤر التوتر والإرهاب، فيما يحمّله البعض مسؤولية "تدجين القضاء" خلال توليه وزارة العدل عبر إرساء ما يعرف بـ"قضاء البحيري".

وفيما يخص العلاقات بين البلدين أكد سفير تونس لدى سوريا حرص قيادتي البلدين على عودتها إلى زخمها السابق، كاشفا أن الفترة المقبلة ستشهد زيارات متبادلة بهدف تفعيل الاتفاقيات المبرمة بين تونس ودمشق على كافة المستويات، واصفا قرار إنهاء القطيعة الدبلوماسية الذي اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيد بأنه "استجابة لمطلب شعبي" وهو ما يفسّر الترحاب الكبير الذي قوبل به.

وأشار المهذبي إلى أن الجانب السوري أظهر استعدادا كبيرا لتعزير العلاقات بين البلدين وتطويرها إلى أفضل مما كانت عليه قبل الحرب في سوريا، قائلا "نحن نشعر فعلا بأننا بين أهلنا وهذا سيساعدنا على إنجاز مهامنا".

وكشف السفير التونسي بسوريا أن سعيّد أعطى الأولية لدمشق قبل البلدان العربية الأخرى التي أرسل لها سفراء، واصفا اللقاء الذي جمع الرئيس قيس سعيد بنظيره السوري بشّار الأسد خلال القمة العربية التي احتضنتها جدة في مايو/آيار الماضي بـ"المهمّ"، لافتا إلى أن الرئيسين شددا على أن أهمية العلاقة بين البلدين تتجاوز المستوى المحلي إلى المستوى العربي لاشتراكهما في العديد من المصالح.

وكان سعيد قد وصف لقاءه مع الأسد بـ"التاريخي"، قائلا إنه "يعكس علاقات الأخوة بين تونس وسوريا عكس ما ادعاه البعض في وقت من الأوقات بأنهم أصدقاء سوريا في حين أنهم ساهموا في معاناة الشعب السوري لسنوات طويلة"، وفق الرئاسة التونسية.

وشدد سعيد والأسد حينها على ضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين لتشمل العديد من المجالات، كما اتفقا على تكثيف الاتصال والتشاور والتنسيق على مختلف المستويات.

وقال المهذبي في حواره لـ"الوطن" السورية إنه "يتم حاليا التحضير لحزمة من الاتفاقيات بين البلدين في المجالين الثقافي والإعلامي"، مضيفا أن العديد من التجار التونسيين أعربوا عن استعدادهم لزيارة دمشق بهدف استئناف التبادل التجاري بين البلدين. 

وتابع أنه "عقد منذ مباشرته مهامه لقاءات مع غرف التجارة السورية"، لافتا إلى أنه سيجري تبادل الزيارات بين غرفتي التجارة والصناعة لكل من البلدين، مرجحا أن "يشهد بداية العام الجديدة تفعيل العلاقات الاقتصادية".

وأوضح المهذبي أن سوريا وتونس تربطهما العديد من الاتفاقيات في عدة قطاعات، مضيفا أن سلطات البلدين تولي خلال المرحلة الحالية اهتماما لتفعيلها، كما أكد أن جهودا تبذل من أجل عودة الرحلات الجوية بين البلدين.

والمهذبي سفير فوق العادة ومفوضا لتونس لدى سوريا وتتيح له صلاحياته الواسعة إبرام العديد من الاتفاقيات بين البلدين وتفعيل السابقة.