تعنت الجيش الجزائري أمام صمود المحتجين ينذر بانشقاق قياداته

التحذيرات تتزايد في الجزائر من مخاطر بقاء مكاتب الاقتراع فارغة وأن يرفض القضاة الإشراف على العملية الانتخابية.

الجزائر - يريد قائد الجيش الوطني الجزائري من خلال فرض موعد الانتخابات الرئاسية على السلطة المدنية، التصدي لحركة الاحتجاج الشعبي ولكن أيضا التوقي من انشقاقات محتملة في المؤسسة العسكرية، بحسب خبراء.

وكانت قيادة الجيش المتجسدة في قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح والتي تمسك عمليا بمقاليد البلاد منذ اجبارها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة في 2 نيسان/أبريل، حرصت على تهدئة الوضع اثر حركة احتجاج لا سابق لها اندلعت في 22 شباط/فبراير 2019.

ويرى مراقبون أن الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح الضعيف الحضور سياسيا وإعلاميا، يشكل "واجهة" دستورية ومنفذا للتوجهات "المقترحة" من قيادة الجيش التي تأتي في شكل خطب تتطرق إلى الوضع السياسي بلغ عددها ثلاثين في الأشهر الخمسة الأخيرة.

لكن من خلال تحديد موعد 15 أيلول/سبتمبر موعدا لإطلاق العملية الانتخابية الرئاسية، حدد قائد الجيش للمرة الأولى ما يبدو وكأنه مهلة علنية للرئيس المؤقت المكلف دستوريا دعوة الناخبين للاقتراع.

واعتبر الباحث في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية بباريس مصعب حمودي أن ذلك شكل "طريقة لإبلاغ بن صالح (.. ما يلي) أنت لا وزن لك في اللعبة وأنا من يقرر".

وكانت قيادة الجيش رفضت في نهاية تموز/يوليو "اجراءات تهدئة" تعهد بها الرئيس المؤقت بداعي رفض "إضاعة المزيد من الوقت".

ورغم الطلبات الملحة لقيادة الجيش لتنظيم انتخابات رئاسية "في أفضل الآجال"، لم يعلن الرئيس المؤقت حتى الآن بداية العملية الانتخابية.

ويضيف الباحث حمودي أن خطاب قايد صالح موجه أيضا، الى حلقة "متمردة" من الجنرالات مشيرا الى "تصدعات داخلية" محتملة في القيادة العليا للجيش.

وتابع ان رفض الرئيس المؤقت حتى الآن "إعلان دعوة الناخبين يشير على ما يبدو الى أنه مدفوع من حلقات عسكرية أخرى تعارض طريقة عمل قايد صالح".

وأضاف الباحث أننا سنرى في 15 أيلول/سبتمبر "إذا كان سيوقع المرسوم أم لا" و"سيعكس ذلك موازين القوى داخل القيادة العسكرية العليا".

الجزائريون مصممون على رحيل بقابا نظام بوتفليقة أولا
الجزائريون مصممون على رحيل بقايا نظام بوتفليقة أولا

غير أن دالية غانم يزبك المختصة في العلوم السياسية اعتبرت أنه من الصعب تقييم هذه الانشقاقات المحتملة.

وأضافت هذه الباحثة في مركز كارنجي للشرق الأوسط ببيروت أن ما يميز مؤسسة الحكم الجزائرية "غموضها الذي يصل حد أنه حتى الذين داخلها لا يدركون خباباها"، وقالت أنها "لم تتفاجأ" بالخطاب الأخير لقائد الجيش.

وتابعت انه منذ رحيل بوتفليقة "الجيش هو الذي يدير 'التحول' السياسي وذلك وفق 'توجيهات'. وكان الجيش يصر منذ البداية على تنظيم الانتخابات رغم عدم توفر شروط تنظيمها".

يشار إلى أنه تم إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من تموز/يوليو لعدم توفر مرشحين ما أغرق البلاد في أزمة دستورية.

وأضافت الباحثة أن الفريق قايد صالح "لم يعد بحاجة إلى إضفاء هالة شرعية" على الوضع الحالي لأن "الجميع يعرف أنه الرجل القوي للنظام الجزائري".

وإزاء سقوط الرهان على انحسار حركة الاحتجاج أو انقسامها، يحاول الجنرالات تسريع عملية الانتقال السياسي.

وقال الخبيران إن تنظيم انتخابات بالقوة أمر ينطوي على مخاطر في وقت يستمر فيه المحتجون في رفض إجراء انتخابات مع وجود أنصار بوتفليقة في الحكم.

وقال حمودي "لا تتوفر الشروط الموضوعية لتنظيم انتخابات" معتبرا أنه "بوجود الناخبين في الشارع لا يوجد مرشح وأن موضوع الانتخابات ليس هذا وقته".

من جهتها تقول دالية "حتى الآن احترمت الانتخابات الرئاسية في الجزائر 'اتفاقا' ضمنيا بين الشعب والنظام، فيقوم النظام أي الجيش مع الطبقة السياسة الحاكمة بتقديم مرشح، في حين يكتفي الشعب بـ'استكمال اللعبة' ويتوجه إلى صناديق الاقتراع".

وأضافت أن "كافة الرؤساء تم اختيارهم بهذه الطريقة" بمن فيهم بوتفليقة في 1999 "وما غيرته حركة الاحتجاج هو أن هذا الاتفاق لم يعد مقبولا".

ولهذا فإن هناك مخاطر من أن تبقى مكاتب الاقتراع فارغة وأن يرفض القضاة الإشراف على العملية.

واعتبرت أن الرغبة في "تنظيم انتخابات لن يحل المشكلة بل بالعكس الأزمة بصدد الاستفحال" برأيها.