تغير كل شيء في سوريا إلا النظام

في الغد سيجوع السوريون أما النظام فلا يزال يتحدث عن الصمود والممانعة.
نظام البعث كان دائما منفصلا عن الواقع في سوريا
ما من قوة يمكنها الان اجبار الأسد على التخلي عن الحكم
رئيس النظام اعترف بلسانه ان أزمة لبنان المالية اطاحت بالاقتصاد السوري

هل تغيرت سياسات النظام السوري بعد كل الذي شهدته سوريا عبر السنوات العشر الماضية؟ ذلك سؤال متأخر وقد يبدو لا معنى له في ظل ضعف ذلك النظام وتهميشه من قبل مناصريه وفي مقدمتهم روسيا.

ولكن سقوط النظام لم يحن بعد. فما من قوة في إمكانها أن تجبر الأسد على التخلي عن الحكم في هذه المرحلة التي لا يملك فيها أحد بديلا جاهزا في إمكانه أن يحافظ على ما تبقى من الدولة.

ليست هناك سوى تصريحات مبهمة لا يمكن تصريفها على مستوى الواقع. العقوبات هي الشيء الوحيد الذي يمكن النظر إليه جديا. ومهما ركزت الولايات المتحدة على الحديث عن أن تلك العقوبات لن تضر بالشعب فإن ذلك لا يعد إلا نوعا من التضليل من أجل اضفاء الطابع الإنساني على اجراءات قاتلة سيدفع الشعب المقيم في سوريا ثمنها أولا بأول.

من خلال الأوضاع الاقتصادية التي تتدهور سريعا في سوريا يمكننا أن نحكم على مواقف نظام الأسد وطريقة تعامله مع تداعيات تلك الأوضاع وتأثيرها على الشرائح الأكبر في المجتمع السوري.

لقد اعترف رئيس النظام بلسانه أن الأزمة المالية التي عصفت بلبنان قد اطاحت بالاقتصاد السوري. والسبب معروف في ذلك فسوريا بلد حُكم عليه بالإعدام وهو في كل لحظة ينتظر تنفيذ الحكم.

لقد تم طرد سوريا نهائيا من السوق العالمية ولكن هل كانت سوريا جزءا من تلك السوق يوما ما؟ كان هناك نوع من الاكتفاء الذاتي على مستوى الغذاء ولم يكن السوريون مهددين في أمنهم الغذائي.

صار ذلك من وقائع الماضي الذي لا يمكن استعادته وبالأخص في ظل استمرار النظام في سياساته المتعالية على الواقع.

كانت سوريا قبل الحرب تصدر فائضا زراعيا اما اليوم فإنها في حاجة إلى الاستيراد لكي تسد النقص الحاصل في الغذاء ولأن أموالها ضاعت في لبنان وهو المنفذ الوحيد المسموح لتجارها التعامل معه ماليا فإن أية جهة حكومية لا تملك خطة بديلة في ظل عدم استعداد الأطراف العالمية المعنية بالقضية السورية النظر إلى المسألة الإنسانية داخل سوريا بطريقة معزولة عن النظر إلى النظام.

الحرب لم تنته. هذا صحيح ولكن الجزء الأكبر من الأراضي السورية صار بيد الدولة السورية. غير أن النظام لا ينظر إلى تلك النقطة بما تستحق من الاهتمام. قد تلعب فكرة الانتقام من المناطق الثائرة دورا خطيرا في توجهات النظام وهو أسوأ ما يمكن أن يفعله النظام. ذلك لأنه يعلن عن تخليه عن أجزاء كثيرة من سوريا ويعطي اشارة سيئة للنازحين خارج سوريا بعدم العودة إليها فالانتقام في انتظارهم.

بطريقة وأخرى كان رأس النظام يتباهى بالفذلكات اللغوية التي كان يعتبرها ذات قيمة على مستوى الخطاب السياسي غير أن عقد مؤتمر للاجئين السوريين من أجل حثهم على العودة إلى سوريا في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المزرية يمكن اعتباره خطوة تنطوي على الكثير من الغباء السياسي ومن الانفصال عن الواقع.

وهنا وصلنا إلى مربط الفرس كما يُقال. دائما كان نظام البعث منفصلا عن الواقع السوري، بحيث شهدت بداية الالفية الثالثة تقدما لافتا للمجتمع على المستوى الحضاري بالمقارنة مع ما كان يعانيه النظام من تخلف على مستوى أدواته وقوانينه وأساليبه التي يدير من خلالها شؤون ذلك المجتمع.

يومها صار واضحا أن النظام في مكان والمجتمع السوري في مكان آخر.

يوم قامت الثورة كان ذلك الانفصال قد بلغ ذروته وكان في إمكان المجتمع مهما توحشت آلة القمع أن يجبر النظام على الخنوع والتخلي عن سياساته أو المغادرة بعد أن يجرب تمارينه في العنف.

كان ذلك ممكنا في عقول المنادين بسلمية الثورة وعدم تزويدها بالسلاح لولا تدخل جماعات الإسلام السياسي التي قادت الثورة في اتجاه آخر، اتجاه يقع خارج ما كان يحتاجه المجتمع السوري من تغيير.

يومها استفاد النظام السوري من ذلك التحول وأصر على انه كان محقا في سياساته. فهو يحارب ارهابيين وقتلة والثورة لم تكن سوى مناسبة لفرض قوانين الشريعة على المجتمع ومصادرة حرياته. وهكذا فقد ضلله خطابه الإعلامي ولم يكن في الأصل راغبا في رؤية الشعب الذي يحكمه.

اليوم لا يزال النظام كما هو غير أن الأوضاع مأساوية إلى درجة أن الذين كانوا يأكلون كفافا في الأمس لن يجدوا في الغد ما يأكلونه. 

في الغد سيجوع السوريون أما النظام فلا يزال يتحدث عن الصمود والممانعة.