تفاهمات أمنية وسياسية تعكس اقتراب المصالحة بين دمشق وأنقرة

الاستعداد التركي للتعامل مع الجانب السوري يرجع جزئيا إلى استياء أنقرة من الانتخابات المحلية التي تخطط لها قوات سوريا الديمقراطية.

دمشق - بدأت بوادر التقارب بين دمشق وأنقرة تلوح في الأفق بعد سنوات من التصعيد، بحسب التطورات الأخيرة على الأرض وعلى المستوى السياسي بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعلان استعداده لقاء نظيره السوري .

وتشير التحركات الأخيرة إلى تقارب محتمل بين سوريا وتركيا بوساطة روسية، حيث أُعيد فتح معبر أبو الزندين الرئيسي، الذي يربط المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية بتلك الخاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا في محافظة حلب شمالي سوريا، الخميس الماضي وذلك بموجب اتفاق روسي تركي هدفه تمكين المدنيين والتجار من السفر بين البلدين، بحسب ما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وإلى جانب إعادة فتح معبر أبو الزندين، فإن الاستعدادات جارية لإعادة فتح معبر استراتيجي آخر، وفقا للمرصد وأشار أيضا إلى أن هناك آليات هندسية تعمل على توسيع الطريق عند حاجز الشط في مدينة اعزاز الخاضعة لسيطرة المعارضة بريف حلب الشمالي، وذلك تمهيدا لإعادة فتح الطريق الدولي الذي يربط حلب بغازي عنتاب في تركيا عبر معبر باب السلامة على الحدود السورية التركية.

استعدادات لإعادة فتح الطريق الدولي الذي يربط حلب بغازي عنتاب في تركيا عبر معبر باب السلامة على الحدود السورية التركية، بعد إعادة فتح معبر أبو الزندين

وتسهل التفاهمات التركية الروسية إعادة فتح طريق الشط لعبور الشاحنات التجارية، وتأتي هذه الخطوة ضمن اتفاق لإنشاء طريق عبور من تركيا إلى الخليج العربي عبر سوريا والأردن.

كما أشارت التصريحات الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد، إلى موقف سوري إيجابي تجاه مبادرات المصالحة مع تركيا. وجاءت هذه التصريحات في أعقاب اجتماعه مع المبعوث الروسي ألكسندر لافرنتييف في 26 يونيو/حزيران الجاري في دمشق، والذي أكد دخول روسيا على خط الوساطة لتعزيز التقارب بين دمشق وأنقرة.

وأكد الأسد خلال لقائه مع لافرنتييف على انفتاح بلاده لجميع المبادرات المعنية بالعلاقة السورية التركية، ونوه أن سوريا تعاملت دائما بشكل إيجابي وبنّاء مع كل المبادرات ذات الصلة، وأكد أن نجاح وإثمار أية مبادرة ينطلق من احترام سيادة الدول واستقرارها.

ومن جهته، أكد لافرنتييف دعم بلاده لكل المبادرات المعنية بالعلاقة السورية التركية، قائلا إن الوضع الحالي يبدو مناسبا لنجاح الوساطات أكثر من أي وقت مضى. وأشار أيضا إلى أن روسيا مستعدة للعمل على دفع المفاوضات إلى الأمام، أملا في عودة العلاقات بين سوريا وتركيا.

وفتح الرئيس أردوغان باب المبادرة قائلا يوم الجمعة إنه لا يوجد سبب يعرقل إعادة العلاقات مع سوريا، بحسب وكالة أنباء الأناضول الحكومية. وأضاف للصحفيين بعد صلاة الجمعة في إسطنبول "مثلما كنا نعمل معا في الماضي لتطوير العلاقات مع سوريا، سنعمل معا بنفس الطريقة."

وتابع إن تركيا ليس لديها أي نية للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، "لأن الشعب السوري هو مجتمع عشنا معه كدولة شقيقة". ونوه إن تركيا حافظت على علاقات حيوية مع سوريا في الماضي، مؤكدا "ليس هناك شك في إمكانية استئناف مثل هذه العلاقات في المستقبل".

وفي الوقت نفسه، أشارت صحيفة "أيدينليك" التركية إلى اجتماع عقد مؤخرا في قاعدة حميميم الجوية الروسية على الساحل السوري، حيث اجتمعت وفود عسكرية من تركيا والنظام السوري بوساطة موسكو.

وأفادت بأن الاجتماع جاء بعد وقت قصير من لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ليكن الاجتماع الأول من نوعه على الأراضي السورية.

وفي تسليط للضوء على تعزيز العلاقات التركية السورية، ذكرت الصحيفة أن هناك خططا لعقد اجتماعات مستقبلية بين الوفود في بغداد بالعراق، على الرغم من عدم تحديد موعدها.

وذكرت وكالة الأنباء الصينية أنه على الرغم من أن المبادرة، التي بدأت باجتماع في ديسمبر/كانون الأول 2022 وضم وزراء دفاع من سوريا وتركيا وروسيا، قد شهدت درجات متفاوتة من النجاح، يشير الخبراء إلى أن الاستعداد التركي الحالي للتعامل مع الجانب الحكومي السوري يرجع جزئيا إلى استياء تركيا من الانتخابات المحلية المقبلة التي خططت لها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا في أغسطس/آب المقبل.

ويُنظر إلى الانتخابات التي تخطط لها قوات سوريا الديمقراطية التي لها صلات مباشرة بحزب العمال الكردستاني، على أنها جزء من تعزيز حكمها المستقل في شمال سوريا. وجدير الذكر أن تركيا تعتبر حزب العمال الكردستاني، وهو جماعة متمردة كردية، تهديدا لأمنها.

وعلى إثر ذلك، أعرب الرئيس التركي عن معارضته الشديدة لهذه الانتخابات، حتى أنه ألمح إلى التدخل العسكري في خطاب ألقاه الشهر الماضي.

ووصف أردوغان الانتخابات المزمعة بأنها تهديد لسلامة الأراضي التركية، قائلا "لقد فعلنا ما كان يتعين علينا القيام به من قبل"، وذلك في إشارة إلى التوغلات العسكرية التركية العديدة التي قامت بها تركيا في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا منذ 2015، بهدف تحييد التهديدات من سوريا. وأضاف "لن نتردد في اتخاذ إجراء مرة أخرى إذا واجهنا نفس الوضع".