تفجيرات كرمان تفضح الهشاشة الأمنية رغم النفوذ الإيراني

أجهزة الأمن الإيرانية فشلت في تأمين التجمعات المنظّمة من الدولة والمواقع الدينية ضد الهجمات الإرهابية.

طهران - تتهم دول غربية تتقدمها الولايات المتحدة إيران بالوقوف خلف هجمات تطال مصالحها في الشرق الأوسط، لكن الهجوم الذي وقع هذا الأسبوع في جنوب الجمهورية الإسلامية وأسفر عن نحو 100 قتيل وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية 'داعش'، أعاد التذكير بمواجهة داخلية لم تُطوَ صفحتها بعد.

وعلى مدى أعوام أسّست طهران "محور المقاومة" الذي يجمع تحت قيادتها مجموعة من الأطراف الإقليمية المناهضة لإسرائيل مثل حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية حماس وفصائل عراقية والحوثيين في اليمن.

ومنذ اندلاع الحرب بين الدولة العبرية وحركة حماس في قطاع غزة نشطت هذه المجموعات على جبهات عدة، فحزب الله يتبادل القصف يوميا مع إسرائيل عبر الحدود والحوثيون ينفذون هجمات ضد السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر والفصائل العراقية تستهدف القواعد العسكرية الأميركية.

وأثارت هذه العمليات مخاوف من اتساع الحرب في غزة إلى مواجهة إقليمية واسعة ودفعت الولايات المتحدة إلى تحذير إيران مرارا من مغبة التصعيد، على الرغم من أن الأخيرة أكدت من جهتها أنه لا علاقة مباشرة لها بهذه الهجمات، لكن يبقى النفوذ الاقليمي المتزايد للجمهورية الإسلامية على مدى الأعوام الماضية، أمرا واقعا.

ويوضح الباحث حسني عبيدي من مركز الدراسات والبحث بشأن العالم العربي والمتوسط في جنيف "لا تحتاج إيران إلى نشر جندي إيراني واحد. الوكلاء يقومون بالعمل نيابة عنها"، لافتا إلى أنه رغم تحوّل طهران إلى "قوة إقليمية مهمة ذات قدرة إزعاج هائلة، فإنها تبقى هشّة داخليا".

وأدى التفجيران الانتحاريان اللذان وقعا الأربعاء في مدينة كرمان بجنوب إيران وتبناهما تنظيم الدولة الإسلامية إلى مقتل 91 شخصا على الأقل.

ونُفّذا على مقربة من مرقد اللواء قاسم سليماني، القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني، خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الرابعة لمقتله بضربة جوية أميركية في العراق.

وكان سليماني، القائد السابق لفيلق القدس الموكل العمليات الخارجية في الحرس، أحد مهندسي الإستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط، وصلة الوصل الأساسية مع كل أطراف "محور المقاومة" الذي أدى الدور الرئيسي في تشكيله.

وينسب إلى سليماني دور كبير في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على مساحات واسعة من العراق وسوريا خلال العقد المنصرم.

"رغم تحوّل إيران إلى قوة إقليمية مهمة ذات قدرة إزعاج هائلة، فإنها تبقى هشّة داخليا".

ولم يكن هذا التفجير الأول من نوعه داخل إيران، إذ شهدت مرارا هجمات أوقعت ضحايا اتهمت السلطات مجموعات انفصالية أو مصنّفة "إرهابية" بالوقوف خلفها، مثل تنظيم الدولة الإسلامية أو مجموعات جهادية وتنظيمات للبلوش في محافظة سيستان-بلوشستان بجنوب شرق البلاد أو جماعات عربية في خوزستان (حنوب غرب)، أو فصائل كردية معارضة.

كذلك، اتهمت الجمهورية الإسلامية إسرائيل خلال الأعوام الماضية، بتنفيذ سلسلة من العمليات التي استهدفت خبراء ومراكز حساسة في المجالين النووي والعسكري. وغالبا ما تعلن إيران توقيف أشخاص بشبهة التعامل مع استخبارات غربية أبرزها الموساد الإسرائيلي.

ويرى مسؤول برنامج إيران في "مجموعة الأزمات الدولية" علي واعظ أن "أجهزة الأمن الإيرانية فشلت في دورها الأساسي بتوفير الأمن" مع "عجزها عن حماية المسؤولين والمنشآت النووية والعسكرية بمواجهة العمليات السرية مرورا بعدم قدرتها على تأمين التجمعات المنظّمة من الدولة والمواقع الدينية ضد الهجمات الإرهابية".

وكان تنظيم الدولة الإسلامية تبنى في 2017 اعتداءه الأول في إيران وذلك في هجوم مزدوج على مبنى مجلس الشورى (البرلمان) وضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني في طهران أودى بحياة 17 شخصا على الأقل.

وفي أغسطس/آب تبنى التنظيم هجوما على مرقد أحمد بن موسى الكاظم في مدينة شيراز بجنوب إيران أدى إلى مقتل 13 شخصا على الأقل وكان الثاني من نوعه يستهدف المكان نفسه خلال عام.

واعتبارا من سبتمبر/أيلول 2022، شهدت إيران سلسلة من التحركات الاحتجاجية بعد وفاة الشابة مهسا أميني إثر توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران على خلفية عدم التزامها القواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية.

ويرى واعظ أنه من "خلال جعل مضايقة النساء اللواتي لا يضعن الحجاب أو قمع المجتمع المدني محورا لعملها، يتضح أن القوات الأمنية الإيرانية لم تنحح في تحديد أولوياتها".

وتحذّر الباحثة في "تشاتام هاوس" صنم وكيل من أن السلطات الإيرانية قد تجد نفسها مجددا "في مرمى الانتقادات الداخلية بشأن الأولوية المعقودة للنزاعات الإقليمية مع إسرائيل عوضا عن قضايا البلاد".

ويعاني اقتصاد الجمهورية الإسلامية من العقوبات التي عاودت الولايات المتحدة فرضها على طهران بعد الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاق النووي عام 2018.

وسبق لبعض الأصوات داخل إيران أن انتقدت الكلفة التي تتكّبدها طهران لدعم فصائل "محور المقاومة"، خصوصا وأن الخطوات التي يقوم بها أطرافه تهدد بردّ إسرائيلي أو أميركي مباشر بحال اتساع نطاق النزاع في المنطقة.

وحذّرت طهران مرارا منذ اندلاع الحرب في غزة من "خروج الوضع عن السيطرة"، داعية إلى وقف الحرب، ومحذّرة في الوقت عينه من أنه "من الطبيعي ألا تسكت" المجموعات الحليفة لها في الإقليم عما يجري في القطاع.

ويوضح واعظ أنه "إدراكا منها لنقاط ضعفها، لا ترغب إيران بأن ترى الحرب في غزة تتسع لنزاع إقليمي لن تقدر خلاله على حماية نفسها بفاعلية".