تفجير كنيسة في دمشق يعمق خلافات بين قسد والحكومة السورية
دمشق - أعاد الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في منطقة صحنايا جنوب العاصمة السورية دمشق، الجدل بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ليتجدد التراشق الإعلامي والسياسي بين الطرفين حول ملف طالما اعتُبر من أبرز النقاط الخلافية: مخيم الهول والسجون التي تضم عناصر تنظيم داعش.
وبعد يومين من التفجير الذي أودى بحياة 25 مدنيًا وأسفر عن إصابة أكثر من 60 آخرين، سارعت وزارة الداخلية السورية إلى اتهام خلية تابعة لتنظيم داعش بالوقوف وراء العملية، مشيرة إلى أن عناصرها "غير سوريين"، تسللوا من مناطق تسيطر عليها "قسد" قادمين من مخيم الهول في محافظة الحسكة.
وردّ "قسد" جاء سريعًا، من خلال بيان رسمي أصدره مركزها الإعلامي، رفضت فيه الرواية الحكومية بشكل قاطع، معتبرة أن الاتهامات "لا أساس لها من الصحة"، ووصفت تصريحات دمشق بأنها "محاولة لتشويه الحقائق وتحميل المسؤوليات بطريقة انتقائية".
وأكدت "قسد" أن الجهات المسؤولة عن إدارة المخيم أجرت مراجعة دقيقة لقوائم المغادرين خلال الأشهر الأخيرة، ولم تجد أي دلائل على مغادرة عناصر أجنبية مرتبطة بتنظيم داعش للمخيم، مشيرة إلى أن من غادروا المخيم في الفترة الأخيرة كانوا سوريين، خرجوا بتنسيق مباشر مع الحكومة السورية، بالإضافة إلى إعادة دفعات من العراقيين إلى بلادهم.
وقالت "قسد" في بيانها إن المخيم لا يضم مقاتلين أجانب، بل "نساء وأطفالًا وأسرًا تم نقلها إلى هناك بعد القضاء على آخر معاقل داعش عام 2019"، مؤكدة أن قواتها ما زالت تتعاون مع التحالف الدولي في مكافحة التنظيم.
ورغم الإدانات المتبادلة والبيانات المتضادة، يرى مراقبون أن الهجوم الأخير ليس سوى "رأس جبل الجليد" الذي يخفي تحته خلافات أعمق بين الطرفين حول ملفات أمنية بالغة الحساسية. فمنذ سنوات، تحاول دمشق فرض سيطرتها الكاملة على كل الجغرافيا السورية، بينما تصر "قسد" على إدارة مناطقها ذاتيًا، معتمدة على دعم التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
ويبرز ملف معتقلي تنظيم داعش، والمخيمات التي تضم عائلاتهم، كساحة للتجاذب السياسي والأمني بين الطرفين. فبينما تقول دمشق إن هذه المناطق تشكّل "بؤرًا خطرة تُفرّخ الإرهاب"، تتهم "قسد" الحكومة السورية بتقاعسها في استلام المعتقلين السوريين أو تسريع عمليات المحاكمة والتسوية.
كما تُعدّ السجون التي تحتجز فيها "قسد" الآلاف من عناصر داعش، أحد أبرز الملفات المعقدة، خصوصًا بعد تكرار محاولات الهروب وتنفيذ تمردات داخلية، وسط مخاوف من أن تتحوّل هذه المعتقلات إلى نقاط اشتعال جديدة، قد تعيد التنظيم إلى الواجهة.
خلال العامين الماضيين، جرت عدة محاولات من وسطاء إقليميين ودوليين لرأب الصدع بين "قسد" ودمشق، خصوصًا في ظل متغيرات دولية تهدد بتقليص الوجود الأميركي في شمال شرق سوريا. وتم طرح ملفات تقاسم السلطة المحلية، وضمانات أمنية مشتركة، وتنسيق في ملف مكافحة الإرهاب.
إلا أن حادثة كنيسة مار إلياس جاءت لتعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وتثير الشكوك حول مدى جدية الطرفين في بناء أرضية مشتركة. ويخشى متابعون أن تؤدي مثل هذه الاتهامات إلى تصعيد ميداني أو إلى تقويض أي مساعٍ للتفاهم، خاصة في ظل هشاشة الوضع الإقليمي وتعقيد المشهد السوري العام.
ومع استمرار التوتر بين الطرفين، يظل المدنيون – سواء في مناطق الإدارة الذاتية أو الخاضعة لسيطرة الحكومة – هم الحلقة الأضعف، يدفعون ثمن الخلافات السياسية والأمنية. فبين سجون ممتلئة، ومخيمات تفتقر للحد الأدنى من الأمان، وانفجارات تعيد للأذهان ذكريات الحرب، يبدو أن الملف السوري لا يزال بعيدًا عن أي تسوية شاملة.