تفشي الوباء لم يترك لفرنسا خيارا إلا العودة للعزل العام

الحكومة الفرنسية تواجه انتقادات حادة من سياسيين بسبب إجراءات متأخرة في مواجهة انتشار سريع لفيروس كورونا فيما تتعالى أصوات الأطباء محذرة من عجز المستشفيات عن استيعاب مرضى كوفيد 19.
ماكرون يحذر من 400 ألف وفاة اضافية بكورونا في أشهر قليلة
ماكرون يرفض استراتيجية مناعة القطيع
فرنسا تستعد لفرض إغلاق عام لمدة شهر
العودة للعزل العام ستكلف فرنسا فاتورة باهظة جدا اقتصاديا
عدد مرضى كوفيد 19 بلغ نصف طاقة استيعاب المستشفيات الفرنسية

باريس - حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنّ بلاده قد تسجّل "400 ألف وفاة إضافية على الأقل" في غضون أشهر في حال عدم التحرك في مواجهة كوفيد-19 على أساس فكرة تحقيق مناعة جماعية.

وقال في كلمة متلفزة أعلن خلالها إغلاقا جديدا لا يشمل المدارس اعتبارا من يوم الجمعة، "لن تعتمد فرنسا هذه الإستراتيجية أبدا" التي تعني إجراء "فرز بين المرضى"، في حين يعد المسنون أبرز ضحايا الوباء.

وأعلن أنّ الحانات والمطاعم و"المتاجر غير الرئيسية" ستغلق في البلاد في إطار إغلاق جديد قد يمتد حتى الأول من ديسمبر/كانون الأول، موضحا أن "المتاجر التي صنّفت في الربيع على أنّها غير رئيسية، خاصة الحانات والمطاعم، ستغلق".

وقال ماكرون للشعب الفرنسي في خطاب بثه التلفزيون إن المواطنين سيحتاجون مرة أخرى إلى تصريح موقع لمغادرة منازلهم، والذي لن يسمح به إلا لعدد محدود من الأسباب، لكن المدارس والمكاتب الحكومية ستظل مفتوحة.

وأضاف بعد يوم واحد من تسجيل فرنسا أكثر من 500 حالة وفاة وهو أسوأ رقم حتى الآن منذ ذروة الجائحة الأولى في أبريل/نيسان "الفيروس ينتشر في فرنسا بسرعة لم تتنبأ بها حتى أكثر التوقعات تشاؤما."

وأكد أنه لا يوجد حل آخر ممكن مثل السعي إلى مناعة القطيع أو فرض الإغلاق على الأشخاص الضعفاء والأكثر عرضة للإصابة فقط.

وكان متوقعا أن تتجه فرنسا نحو إعلان إعادة فرض حجر عام في البلاد لمدة شهر، لكنه أقلّ صرامة من الحجر الأول خلال الربيع وذلك لمواجهة عودة التفشي واسع النطاق لكوفيد-19.

وحاول ستانيسلاس غيريني رئيس حزب 'الجمهورية إلى الأمام' الذي ينتمي إليه ماكرون، تبرير احتمال إعادة فرض الحجر. وقال في تصريح لقناة فرانس 2 "يجب اتخاذ تدابير صارمة، تدابير قوية، يفهمها جميع الفرنسيين وتطبّق على المستوى الوطني".

وتواصل الحجر في الربيع 55 يوما، من 17 مارس/اذار إلى 11 مايو/ايار وشمل قيودا صارمة على التنقل وغلق المؤسسات التعليمية والمتاجر غير الضرورية وبعض المنافذ الحدودية.

وتجاوز عدد المصابين بكوفيد-19 في أقسام الإنعاش بالمستشفيات الثلاثاء 2900، أي نصف طاقة استيعاب (5800 سرير) هذه الأقسام التي لا يقتصر نشاطها على مداواة المصابين بالفيروس.

وأعلن الموقع الإلكتروني للحكومة الثلاثاء وفاة 288 شخصا في المستشفيات خلال آخر 24 ساعة و235 في دور التقاعد خلال الأيام الأربعة الأخيرة، ما يرفع الحصيلة الإجمالية إلى 35541 وفاة منذ بداية الوباء. وسجلت في بعض الأيام خلال ذروة الموجة الأولى في ابريل/نيسان أكثر من 700 وفاة في المستشفيات ودور التقاعد.

واعتبر مدير قسم الطوارئ في مستشفى جورج بومبيدو بباريس فيليب جوفان أن فرض حجر جديد أمر حتمي. وقال في تصريح لراديو أر تي أل، "يجب اتخاذ هذا الإجراء، هذا مؤكد".

وأضاف "نشهد منحنى يتصاعد بسرعة (من 30 ألف إصابة إلى 50 ألف إصابة جديدة يوميا) ويجب اتخاذ تدابير حالا لأنه يوجد خطر التأخر أكثر مما يجب إذا انتظرنا مثلا ثمانية أيام أخرى"، مشيرا إلى وجود "نسبة امتلاء عالية في أقسام الإنعاش مع وجود تهديد بتجاوز طاقة النظام الصحي".

وتبنى رئيس نقابة المستشفيات في فرنسا فريديريك فاليتو الموقف نفسه، إذ أشار إلى أن حظر التجول بين التاسعة ليلا والسادسة صباحا المفروض على 46 مليون فرنسي "لم يحقق كل النتائج" المطلوبة،أن الموجة الوبائية الجديدة قد تكون لها آثار "مدمرة" على المستشفيات "التي ضعفت خلال الموجة الأولى".

من جهته قال رئيس قسم الإنعاش في مستشفى رايموند بوانكاري في منطقة غارش الباريسية البروفيسور جيلالي عنان "لدينا الكثير من المرضى ونتوقع عددا أعلى بكثير من المسجل في مارس وابريل وعددا أقل بكثير من الطواقم التي ستتولى الأمر".

ووجه الرئيس السابق فرنسوا هولاند نقدا حادا للحكومة، معتبرا عبر إذاعة "فرانس إنفو" أن إنهاء الحجر "كان متسرعا" في مايو/ايار وأن "العودة المدرسية في سبتمبر/أيلول كانت بالتأكيد مفرطة التفاؤل".

وأدانت عدة وجوه معارضة غياب الاجراءات الاستباقية لدى الحكومة. واعتبر النائب اليميني إريك سيوتي أن "الموجة الثانية تعبير عن فشل إستراتيجية الفحص والتقصي والعزل".

وأضاف فريديريك فاليتو أن الحجر الجديد "يجب أن يحقق هدف الحدّ من الاحتكاك الجسدي، لكن في الوقت نفسه، يجب أن يتواصل نشاط الاقتصاد والمجتمع"، دعيا إلى إيجاد "مستوى جيّد" من التوازن.

وعلى الجانب الاقتصادي قال سكرتير الدولة لشؤون الحسابات العامة أوليفييه دوسوبت "عندما يتوقف النشاط شهرا كاملا، نخسر بين 2 و2.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي" في النفقات الإضافية والمداخيل الضريبية المفقودة.

في ظل هذه الآفاق القاتمة، تراجعت بورصة باريس أكثر من 3 بالمئة الأربعاء بعيد افتتاحها، على غرار بورصتي ألمانيا وإيطاليا اللتين تعتزمان فرض قيود إضافية لاحتواء الموجة الثانية من وباء كوفيد-19.