تناغم روسي مع رؤية السعودية والإمارات لمستقبل المنطقة

زيارة الرئيس الروسي المرتقبة للرياض وأبوظبي تبدو في توقيتها ومضامينها مختلفة من حيث سياقاتها الجيوسياسية والاقتصادية عن زيارة سابقة للمنطقة قام بها بوتين للمملكة قبل 12 عاما.

بوتين يجري مباحثات مهمة مع العاهل السعودي وولي عهده ومع ولي عهد أبوظبي
بوتين يثني على الدور الإماراتي المحوري في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة
بوتين: بلا مبالغة، الإمارات تلعب دورا مهما في حلّ أزمات المنطقة
بوتين يضبط ساعته مع الإمارات والسعودية في اتجاهات وقضايا مختلفة
بوتين يستكشف في الرياض وأبوظبي رؤيتهما لمستقبل المنطقة
بوتين يعدل بوصلته باتجاه الإمارات والسعودية
أكثر من ملف حارق على جدول أعمل زيارة بوتين للرياض وأبوظبي
العدوان التركي على سوريا ضمن جدول زيارة بوتين للرياض وأبوظبي

لندن - يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غدا الاثنين زيارة رسمية للسعودية ثم الإمارات تأتي في خضم التطورات المتسارعة بالمنطقة وسط اضطرابات متناثرة في كل من سوريا والعراق واليمن وصولا إلى التهديدات الإيرانية لأمن الملاحة البحرية وإمدادات الطاقة للعالم في مضيق هرمز وخليج عدن على اثر أنشطة إرهابية أكدت واشنطن والرياض أنها صناعة إيرانية بامتياز.

والزيارة المرتقبة تبدو في توقيتها ومضامينها مختلفة من حيث سياقاتها الجيوسياسية والاقتصادية عن زيارة سابقة للمنطقة قام بها بوتين للمملكة قبل 12 عاما أي في عهد العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

وكان العاهل السعودي الملك سلمان قد قام في 2017 بزيارة تاريخية لروسيا تم خلالها توقيع حزمة من الاتفاقيات الاقتصادية في عدة قطاعات وبحث خلالها سبل تعزيز العلاقات الثنائية.

الملك سلمان زار روسيا في 2017 في زيارة وصفت بالتاريخية بينما كانت آخر زيارة قام بها بوتين للمملكة في 2007
الملك سلمان زار روسيا في 2017 في زيارة وصفت بالتاريخية بينما كانت آخر زيارة قام بها بوتين للمملكة في 2007

وتنظر روسيا اليوم للسعودية والإمارات كلاعب ليس إقليميا فقط بل دوليا على المستويين السياسي والاقتصادي وأنهما صمام أمان للاستقرار في المنطقة.

وتدرك موسكو اليوم أكثر من أي وقت مضى أهمية الدور المحوري الذي تلعبه كل من الرياض وأبوظبي على المسويين الإقليمي والدولي في وتعزيز جهود الاستقرار وبناء على قناعة راسخة، يسعى بوتين لاطلاع على رؤيتهما لمستقبل المنطقة ودورهما المتنامي في التوازنات العالمية، حيث أصبح التحالف الإماراتي السعودي مركز ثقل في المنطقة له تأثيره في تعديل التوازنات الإقليمية والدولية.

 وتسعى موسكو لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الرياض وأبوظبي فيما تجمعها بهما علاقات وثيقة ومصالح مشتركة، أكد الرئيس الروسي أنها مهمة وحيوية.

وقد أعلن بوتين اليوم السبت في حوار مشترك مع قناة 'روسيا اليوم' الناطقة بالعربية وقناتي العربية وسكاي نيز عربية أن زيارته للمملكة ولدولة الإمارات "تأتي لضبط الساعة على توقيت واحد، في اتجاهات وقضايا مختلفة".

وسلطت تصريحاته الضوء على أهمية تعزيز العلاقات مع الدولتين الحليفتين (الإمارات والسعودية)، قائلا "الإمارات العربية المتحدة تسهم بدور مهم في حل أزمات المنطقة، وتلعب - دونما أي مبالغة - دورا يعزز الاستقرار"، مضيفا "لن أكشف سرا كبيرا إذا قلت إننا على اتصال دائم مع قيادة الإمارات العربية المتحدة، بل ونشأت لدينا تقاليد وممارسة معينة، فلدينا إمكانية ضبط ساعات نشاطنا".

وعملت روسيا في السابق مع كل من السعودية والإمارات لإعادة الاستقرار لسوق النفط بعد الصدمة النفطية في يونيو/حزيران 2014 التي هوت خلالها الأسعار إلى أدنى مستوى لها، لتتوج الجهود المشتركة لاحقا باتفاق 'أوبك+' وهو التحالف الذي نشأ بين منظمة الدول المصدرة للنفط بقيادة السعودية ومنتجين من خارجها بقيادة موسكو.

وشكّل هذا التحالف ضمانة لاستقرار سوق النفط وكبح تخمة المعروض في الأسواق، إلا أنه أيضا أثبت أهمية التعاون بين موسكو وكل من الرياض وأبوظبي لتحصين السوق من الاضطرابات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة على وقع التوتر الأميركي الإيراني وتصعيد إيران في الخليج باستهداف ناقلات النفط في الممرات المائية الحيوية التي تمر عبرها معظم إمدادات الطاقة للعالم.

وكانت موسكو قد أدانت بشدّة الهجوم على منشأتي أرامكو في 14 سبتمبر/ايلول والذي تسبب في توقف مؤقت لنحو نصف إنتاج المملكة من الخام. وجدد الرئيس الروسي عشية زيارته المرتقبة للسعودية والإمارات إدانته للهجوم أيا كانت الجهة التي تقف وراءه.

ويجري بوتين في الرياض مباحثات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حول عدّة ملفات، وفق ما أعلن يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي.

وإلى جانب المباحثات الاقتصادية والتجارية والتي ستتركز أساسا على قطاع الطاقة، سيكون على جدول أعمال بوتين في زيارته للرياض وأبوظبي مناقشة التطورات في المنطقة ومن ضمنها التوتر بين إيران من جهة والسعودية والولايات المتحدة من جهة ثانية.

وشدد بوتين في المقابلة التي أجرتها معه قناة روسيا اليوم وقناتي العربية وسكاي نيوز على أهمية الحوار لإنهاء التوتر في المنطقة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن بلاده ترتبط بعلاقات وثيقة وطيبة مع الدول العربية وخاصة مع السعودية والإمارات كما ترتبط بعلاقات طيبة مع إيران، معلنا أن موسكو ستبذل قصارى جهدها لتهيئة الظروف المناسبة "لديناميكية إيجابية في هذا الاتجاه".

علاقات وثيقة بين أبوظبي وموسكو
بوتين يسعى لتعزيز الشراكة مع الإمارات في مختلف القطاعات مع تنامي دور أبوظبي كلاعب دولي محوري في تعزيز الاستقرار الاقليمي والدولي

ومن الملفات الأخرى المطروحة على طاولة النقاش والتي من المتوقع أيضا أن تتصدر مباحثات بوتين مع القيادتين في السعودية والإمارات، الملف السوري على ضوء العدوان التركي الذي أدانته الرياض وأبوظبي بوصفه انتهاكا صارخا للقانون الدولي وتصعيدا خطيرا وتهديدا لوحدة سوريا.

وقد أدانت الدول العربية اليوم السبت بإجماع خرقته كل من قطر والصومال، في اجتماع طارئ عقدته الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب بطلب من مصر، العدوان التركي على سوريا.

وكان بوتين حليف الرئيس السوري بشار الأسد قد أدان بدوره هذا العدوان ودعا نظيره التركي إلى النظر بروية في دقائق الأمور والتطورات، محذرا من تداعيات العملية العسكرية التركية وأنها قد تعيد الحياة لتنظيم داعش بعد أن انحسر نفوذه بفعل جهود مكافحة الإرهاب.

ومن المرتقب أيضا أن يوقع بوتين خلال زيارته للمملكة 30 وثيقة واتفاقا تجاريا تشمل اتفاقا ضخما تبلغ قيمته ملياري دولار مع صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي.

وينتقل الرئيس الروسي يوم الثلاثاء من الرياض إلى أبوظبي محطته الثانية في الزيارة التي تعتبر تاريخية وتعكس في الوقت ذاته الاهتمام الروسي بتعزيز علاقات الشراكة والتعاون مع دولة الإمارات في مختلف المجالات ومناقشة التطورات في المنطقة.

وقد أشاد بوتين بالجهود الإماراتية في تعزيز الاستقرار في المنطقة قائلا إن الإمارات تسهم بدور مهم في حل أزمات المنطقة وتلعب دونما أي مبالغة دورا يعزز الاستقرار.

ومن المقرر أن يجتمع الرئيس الروسي بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في لقاء من المتوقع أن يركز على تعزيز علاقات الشراكة والتعاون الثنائي، حيث ترغب روسيا بشدّة في توسيع الشراكة مع الإمارات في العديد من المجالات.

 وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية فإن المحادثات المرتقبة ستشمل "التعاون الثنائي بين البلدين وآليات تنميتها وتعزيزها في المجالات المختلفة، إضافة إلى مجمل التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية والقضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك".

وقالت الوكالة إن "الزيارة تأتي في إطار الشراكة الإستراتيجية التي وقعها البلدان في يونيو/حزيران من العام الماضي، لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك في مختلف القطاعات الحيوية".

وترتبط روسيا والإمارات بعلاقات وثيقة تجارية واقتصادية تعززت في السنوات الأخيرة بحيث أصبحت أبوظبي واحدا من أبرز وأهم الشركاء التجاريين لموسكو.

ويؤكد مسؤولون روس على أهمية توسيع علاقات الشراكة بين البلدين مع النقلة النوعية التي تشهدها الإمارات في كافة المجالات وتحولها إلى نموذج اقتصادي عالمي يمكن الاستفادة منه من خلال علاقات أوثق وأوسع.