تهديد بيئي يضع أرز لبنان على حافة الانقراض

انعكاسات التغير المناخي إضافة إلى الحشرات وعوامل أخرى تضاعف مخاطر انحسار مساحات تواجد الرمز الوطني للبلاد.
الانقسامات السياسية تحول دون تنفيذ مشاريع أو خطط لحماية الغابات
الغابات المرتفعة عرضة للجفاف وبالتالي لخطر الحرائق
أشجار الأرز في لبنان صمدت منذ آلاف السنين في وجه عدة عوامل طبيعية
الفينيقيون والإمبراطوريات الرومانية واليونانية والصليبيون والمستعمرون اهتموا بخشب الأرز

بيروت - على مدار آلاف السنين أشادت الحضارات المتعاقبة بأشجار الأرز اللبناني، إلا أن انهيارا بيئيا يهدد في الوقت الحالي رمز البلاد الذي يقبع في منتصف علمها الوطني.
أرز لبناني وهو نوع شجري معمر يتبع جنس الأرز من الفصيلة الصنوبرية، توجد أكبر كثافة له في أعالي جبال لبنان حيث يمتد على مساحات تبلغ حوالي 4500 هكتار، وفي جبال اللاذقية السورية.
شجرة الأرز هي الشعار الوطني للبنان، وتجسد معنى القوة والشموخ بصلابتها وديمومتها وخضرتها الدائمة على مر الفصول والسنين كما يعرفها اللبنانيون.
ويسعى لبنان للحفاظ على أرزه الجميل من خلال عدة محميات طبيعية أهمها محمية "أرز الشوف" التي تشغل 5 بالمئة من المساحة الكلية للبلاد البالغة 10452 كم مربعا.
تتوزع محميات "أرز لبنان" من شمالي البلاد إلى جنوبه، منها محمية بشري (أرز الرب)، وتنورين ـ حدث الجبة، وإهدن (شمال)، علاوة على محمية أرز الشوف التي تشكل آخر امتداد للأرز اللبناني جنوبا.
يعد الأرز مصدر فخر للبنان الذي يشهد في وقتنا الحالي حالة انهيار على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
وتشرف وزارة البيئة على مستقبل إدارة مناطق الأرز المحمية، ومع ذلك يقول علماء البيئة إن الانقسامات السياسية تحول دون تنفيذ مشاريع أو خطط لحماية الغابات.

التغير المناخي أدى لانتشار العديد من الآفات والأمراض وخاصة الآفات الحشرية

ووسط الواقع الصعب للبلاد سياسيا واقتصاديا وماليا، يهدد لبنان انهيار بيئي لرمزه الذي يتوسط علمه وجواز سفره، والطيران الوطني وكل شعارات مؤسساته الرسمية.
وأدرج الاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة منذ عام 2009، أرز لبنان في قائمة الأصناف المهددة بالانقراض، ورغم صمودها قرونا عديدة، فإن انعكاسات التغير المناخي تضاعف التهديدات لمصير الشجرة.
في 2012، قام معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند (لبنانية خاصة) وبمشاركة الخبير جورج متري، بإجراء دراسة خلصت إلى أن الجرود (الغابات) المرتفعة ستكون في 2020 عرضة للجفاف، وبالتالي لخطر الحرائق.
عوامل المناخ والحشرات تهدد الأرز
بدوره، قال متري، الخبير البيئي إن عدد أشجار الأرز في البلاد محدود جدا ويتجمع ضمن محميات طبيعية على السفوح الغربية لسلسلة جبال لبنان (وسط)، وعلى ارتفاعات تراوح بين 1200 و1800 متر فوق مستوى سطح البحر.
وأضاف أن "لبنان لم يعد بمنأى عن نتائج وضرر التغيرات المناخية، إذ بدأنا نشهد منذ عدة سنوات تغيرات ملموسة مثل التطرف في النظام المطري والحراري، والذي بدوره يؤدي إلى تغيرات إيكولوجية ضمن المناطق التي تتواجد فيها غابات الأرز".
وتابع: "الفصول الممطرة أصبحت أكثر تطرفا، والأمطار تهطل على شكل زخات سيلية وفي وقت قصير ضمن الموسم الرطب في السنة".

أرز لبنان
أرز لبنان في قائمة الأصناف المهددة بالانقراض

وأشار إلى أن "هذا التغير في النظام المطري، يؤدي لزيادة وطول فترة الجفاف وخاصة خلال فترة فصل الشتاء، وتراجع كمية الغطاء الثلجي على الجبال العالية، وهذه كلها عوامل مؤثرة جدا في النظام الإيكولوجي".
"نتيجة لذلك، بدأت المساحة الإيكولوجية التي تعتبر مناسبة لنمو شجر الأرز بالانحسار والتراجع، وبدأ النطاق الطبيعي لهذه المساحات يتغير بسبب تغير رطوبة التربة والبرودة التي تتطلبها بذور الأرز لكي تنبت".
وأشار متري، إلى أن التغير المناخي أدى لانتشار العديد من الآفات والأمراض وخاصة الآفات الحشرية، مثل حشرة السيفالسيا التي تضرب الكثير من أشجار الأرز، والتي تؤدي إلى ضرر كبير في الغطاء التاجي لها.
وشدد على أن أشجار الأرز في لبنان صمدت منذ آلاف السنين في وجه عدة عوامل طبيعية كانت أو غير طبيعية مثل القطع الجائر من قبل البشر.
دعوة لوضع خطط لحماية الأرز
ولفت متري إلى أنه يجب مواجهة الآفات والحشرات التي تضرب غابات الأرز، بشكل فعال أكثر، واستعمال حلول طبيعية وربما البحث عن أعداء طبيعيين لهذه الحشرة التي تضرب أشجار الأرز.
وأشار إلى أن اللجوء لبعض الطفيليات وأنواع معينة من الفطر التي تشكل تهديدا لهذا النوع من الحشرات (السيفالسيا) المضرة بأشجار الأرز.

الأرز يعد مصدر فخر للبنان الذي يشهد في وقتنا الحالي حالة انهيار على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية

تاريخ الأرز اللبناني
يعود ارتباط لبنان بالأرز إلى العصور قديمة، فقد تعددت استخداماته لدى الفينيقيين من صناعة السفن والزينة إلى بناء سقوف المنازل والمعابد وغيرها، وبدأت بتصديره لمصر في الألف الثالث قبل الميلاد.
في هذا الإطار، قال الأستاذ في التاريخ جمال عرفاتإن الأرز على مدى سنوات طويلة استهدف من قبل الغزاة، لما يتمتع به من مخزون وافر من الماء وأشجار الأرز الثمينة، والتي حملوها لبناء قصورهم ومعابدهم وسفنهم.
ولفت إلى أن الفينيقيين والإمبراطوريات الرومانية واليونانية والصليبيين والمستعمرين، اهتموا بخشب الأرز لما له من أهمية في الصناعات الخشبية قديما.
وأضاف أن الفينيقيين استخدموها في التجارة بصناعة السفن والمنازل والمعابد، كما استخدمها الصليبيون لبناء الكنائس القديمة أيضا نظرا لصلابة خشبها وعدم تعرضها لاهتراء.
وشجرة الأرز دائمة الخضرة، ويراوح طولها بين 30 و40 مترا، وقد يزيد على 60 مترا، وتنمو على ارتفاع من 1200 إلى 2000 متر.
وتنمو أشجار الأرز ببطء، ولا تنمو المخاريط عليها إلا بعد أن تصبح في عمر 40 أو 50 عاما، وحين تكون صغيرة، بحسب معايير الأرز، تبدو شبيهة بغيرها من الصنوبريات ومدببة مثل أشجار أعياد الميلاد.
لكن بعد مرور حوالي قرنٍ من الزمن، تتحول إلى شكلها المميز، إذ تزداد سماكة الجذع، وتنتشر الفروع بموازاة الأرض.