توترات متفاقمة تخيم على قمة العشرين في الأرجنتين

قمة العشرين لهذا العام تعقد وسط توترات سياسية وتجارية إقليمية ودولية وقضايا خلافية بين كبار قادة دول العالم، لتكون القمة خلافية بامتياز بينما تبقى فرضية التوصل لبيان ختامي محل شك.  

أضواء مسلطة على ولي العهد السعودي ورؤساء أميركا والصين وفرنسا وتركيا
تيريزا ماي أول رئيس وزراء بريطاني يزور الأرجنتين منذ حرب فوكلاند في 1982

بوينوس ايرس - تعقد قمة العشرين لهذا العام في العاصمة الأرجنتينية بوينوس ايرس وسط توترات إقليمية ودولية وخلافات متنامية، بينما يشرف 2018 على نهايته مثقلا بمشاكل سياسية وأمنية وتوترات تجارية بين أكبر الاقتصادات في العالم.

وتخيم تلك المشاكل والخلافات المحلية والإقليمية والدولية على القمة التي من المقرر أن يحضرها معظم زعماء العالم.

وخلافا لقمة العشرين السابقة التي نظمت في 2017 في هامبورغ، ستحضر المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في نهاية مشوار سياسي وقد أضعفت إلى حد كبير على الساحة الدولية.

وبنسبة نمو متوقعة تبلغ 1.8 بالمئة في 2018 و2019 ومعدل بطالة تاريخي منخفض (5 بالمئة)، تبدو برلين في حالة اقتصادية جيدة وأحد الأسباب هو فائضها التجاري المهم. وبما أنها تدرك أن اقتصاد بلادها يرتكز جزئيا على التصدير، يتوقع أن تدافع المستشارة الألمانية التي تعارض كل الإجراءات الحمائية التي يمكن أن تعرقل التبادل التجاري الحر، عن التعددية في بوينوس آيرس.

ووصل ولي العهد السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى بوينوس آيرس لحضور قمة العشرين وقد سبقته ضغوط دولية أججتها أطراف خارجية تتصدرها تركيا وقطر على خلفية قضية مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول.

ومع أنه لا توجد أي أدلة على صلة محتملة لولي العهد السعودي في تلك القضية، فإن منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية طلبت من الأرجنتين ملاحقة الأمير محمد بن سلمان قضائيا في هذا الملف.

وزير الخارجية الأرجنتيني في استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان
الأمير محمد بن سلمان من بين كبار الشخصيات المشاركة في قمة العشرين

 في بوينوس آيرس سيصادف الأمير محمد بن سلمان أيضا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للمرة الأولى. وقد حرص الأخير على إبقاء قضية خاشقجي متقدة لأغراض سياسية واقتصادية وللمساومة على فك عزلة الحليف القطري.  

ويمكن أن تنتهز الرياض أيضا فرصة هذه القمة للبحث في مسألة انخفاض أسعار النفط مع الدول الكبرى الأخرى المنتجة للمحروقات. ويفترض أن تستقبل السعودية قمة مجموعة العشرين المقبلة في 2020.

وتأتي هذه القمة التي يستقبل فيها الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري قادة أقوى دول العالم بينما تواجه بلاده أزمة اقتصادية عميقة مع تضخم سنوي يبلغ 45 بالمئة واقتصاد يعاني من الانكماش، أضعف الرئيس الذي ينتمي إلى يمين الوسط.

وفي أجواء أزمة مرتبطة بالتعددية، تأمل الرئاسة الأرجنتينية في أن تنجح في التوصل إلى نقاط تفاهم حول البيان الختامي على الرغم من الخلافات الدولية الكبرى.

ويحضر قمة العشرين الرئيس البرازيلي ميشال تامر الذي شارفت ولايته الرئاسية على الانتهاء ولا يتمتع بأي شعبية، فيما تتجه كل الأنظار إلى الرئيس المنتخب جاير بولسونارو الذي سيتولى مهامه في الأول من يناير/كانون الثاني مع حكومة ليبرالية جدا يتوقع أن تدير ظهرها للتعددية.

وقد دعاه الرئيس تامر إلى حضور قمة العشرين، لكن الرئيس المنتخب لأول اقتصاد في أميركا اللاتينية رفض الدعوة لأسباب صحية.

تيريزا ماي ستكون منشغلة بالأزمة الداخلية المترتبة عن بريكست
تيريزا ماي ستكون منشغلة بالأزمة الداخلية المترتبة عن بريكست

وسيكون الرئيس الصيني شي جينبينغ أيضا إحدى الشخصيات الأساسية في لحظة تاريخية لمجموعة العشرين بلقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بينما يهز تبادل التصعيد في الإجراءات الانتقامية بين بكين وواشنطن، اقتصاد العالم. ويؤكد شي أنه يدافع عن التعددية ويعارض الحمائية.

لكن الأميركيين والأوروبيين يدينون العراقيل العديدة التي تواجهها شركاتهم المتمركزة في هذه الدولة الشيوعية الآسيوية العملاقة وكذلك الإجراءات غير النزيهة مثل النقل القسري للتكنولوجيا إن لم يكن سرقة الملكية الفكرية.

وبعد عشر سنوات على قمة العشرين الأولى التي وعدت بالدفاع عن التعددية، يحضر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بوينوس آيرس مدافعا عن شعار "أميركا أولا" ومصمما على الضغط على نظيريه الصيني والروسي بمناسبة اجتماعين ثنائيين يريد عقد المزيد منها للدفاع عن ملفاته الخاصة.

الحرب التجارية تخيم على لقاء الرئيسين الصيني والأميركي في قمة العشرين
الحرب التجارية تخيم على لقاء الرئيسين الصيني والأميركي في قمة العشرين

وحول الصين، قالت إدارة ترامب إن هناك "فرصة جيدة" للتوصل إلى اتفاق مع بكين ببعض الشروط، لكن كالعادة، ستتم متابعة الوقائع والمبادرات التي يقوم بها ترامب الذي يصعب التكهن بتحركاته بدقة، ففي قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، نسف الرئيس الجمهوري في اللحظة الأخيرة البيان الختامي الذي بذلت جهود شاقة في التفاوض حوله.

وبالنسبة لفرنسا سيسعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حشد الدعم لإصلاح منظمة التجارة العالمية وحماية اتفاق باريس حول المناخ مع أن الخلافات بين الصين والولايات المتحدة يمكن أن تهيمن على القمة التي تبدو قمة خلافية بامتياز.

وسيكون لقاءه مع ترامب فاترا على الأرجح بعد تغريدة ساخرة للرئيس الأميركي حول تدني شعبية ماكرون الذي واجه في الأيام الأخيرة حركة "السترات الصفراء" الاحتجاجية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشارك في قمة الـ20 مثقلا بملف التدخل في سوريا والتصعيد الأخير مع أوكرانيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشارك في قمة الـ20 مثقلا بملف التدخل في سوريا والتصعيد الأخير مع أوكرانيا

أما بالنسبة لرئيسة الوزراء البريطانية فإنها ستكون في أول رحلة لرئيس وزراء بريطاني إلى الأرجنتين منذ حرب المالوين (فوكلاند) في 1982. وستكون تيريزا ماي منشغلة في الواقع بما يحدث في لندن.

وتواجه رئيسة الحكومة البريطانية المحافظة صعوبات قبل أيام من تصويت حاسم في 11 ديسمبر/كانون الأول في مجلس العموم حول اتفاق بريكست المهدد بأن يرفضه نواب مشككون جدا فيه.

وفي حال خروجها من الاتحاد الأوروبي، تعول لندن إلى حد كبير على عقد اتفاق للتبادل الحر مع الحليف الأميركي.

ومن الشخصيات التي تأكدت مشاركتها في القمة، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي نجح في ضمان استقرار الاقتصاد منذ أزمة 2014-2015 (تراجع التضخم والسيطرة على العجز).

و بدون أدنى شك سيكون بوتين أحد أهم شخصيات القمة إذ أن بلده يشكل محور ملفات دولية كبرى مثل النزاع في سوريا والأزمة في أوكرانيا والعقوبات الغربية والتوتر بين موسكو وواشنطن.

لكن في أجواء التصعيد بين موسكو وكييف، يمكن أن يلغى اللقاء المنتظر جدا بينه وبين ترامب. وقد صرح الرئيس الأميركي في الواقع بأنه ينتظر تقييم مستشاريه للأمن القومي للوضع قبل أن يتخذ قرارا.

الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل
مواجهة محتملة بين ميركل وماكرون من جهة وترامب من جهة أخرى في قمة العشرين

واتخذت بوينوس آيرس إجراءات أمنية مشددة لاستضافة قمة مجموعة العشرين بنشرها 24 ألفا من عناصر قوات الشرطة ومنع الوصول إلى قسم من العاصمة الأرجنتينية وكذلك وفي خطوة غير مسبوقة، الأمر بإغلاق محطات مترو وأحد المطارات.

وخلال الجمعة والسبت، سيجتمع رؤساء دول وحكومات بلدان مجموعة العشرين في مركز المؤتمرات على ضفاف نهر ريو دو لا بلاتا الذي يفصل الأرجنتين عن الأوروغواي.

والمنطقة يفصلها عن بقية أنحاء المدينة طريق سريع وخط للسكك الحديد وحواجز للشرطة.

في العاصمة الارجنتينية التي يبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة، ينتشر 22 ألف شرطي محلي لتوفير الأمن. وسيضاف إلى هؤلاء ألفي عنصر يرافقون الوفود الأجنبية.

وللمرة الأولى في تاريخها، تجتذب الأرجنتين النخبة العالمية: الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظراءه الروسي فلاديمير بوتين والصيني تشي جينبينغ والفرنسي ايمانويل ماكرون إلى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

الأرجنتين تحول مكان عقد القمة لثكنة عسكرية بنشر 24 ألفا من قواتها في العاصمة لتأمين الوفود والقادة المشاركين وسط مخاوف من اعتداءات ارهابية أو أعمال عنف

وسيتألف الوفد الأميركي من 800 عضو في بوينوس آيرس وستنشر واشنطن في الاورغواي، على الضفة الأخرى لريو دو لا بلاتا، ثماني طائرات بعضها تابعة لسلاح الجو الأميركي مع طواقم مدنية وعسكرية. وستجوب حاملة طائرات أميركية جنوب المحيط الأطلسي.

وبالإجمال، سينتقل 15 ألف شخص إلى الأرجنتين، منهم ثلاثة آلاف صحافي.

وأعلن اليوم الأول للقمة الجمعة يوم عطلة في بوينوس ايرس. وستستفيد منه أعداد كبيرة من سكان العاصمة للذهاب في عطلة أسبوع طويلة، لأن الطقس يتيح ذلك في هذا الربيع الجنوبي.

إلا أن آخرين توعدوا بتنظيم تعبئة قوية ضد مجموعة العشرين التي تمثل 85 بالمئة من إجمالي الناتج العالمي والرئيس الأميركي بسبب مواقفه، وبصورة أكثر محلية ضد الرئيس الأرجنتيني من وسط اليمين ماوريسيو ماكري الذي زاد الوعود لدى انتخابه في 2015، لكنه بات يحكم بلدا يواجه مجددا أزمة اقتصادية عميقة.

وحذرت وزيرة الأمن باتريشا بولريش بالقول "نريد أن يكون اجتماعا يسوده السلام والهدوء وجميع الذين يريدون التظاهر يستطيعون أن يفعلوا ذلك بسلام وليس بعنف".

ومن أجل ضمان أمن القمة، قدمت الصين إلى الأرجنتين معدات أمنية منها دراجات نارية وشاحنات صممت لإقامة عوائق ضد أعمال الشغب وآليات تدخل مدرعة وآلات لكشف المتفجرات.

وشكل الوضع الأمني قلقا السبت للسلطات، فقد استفاد مشجعون لنادي ريفر بلاتا لكرة القدم من ثغرة في الإجراءات لمهاجمة الحافلة التي تنقل لاعبي بوكا جونيورز، منافسهم التاريخي. وأدى الاعتداء إلى تأجيل المباراة النهائية لـ"كوبا ليبرتادوريس".