توجيهات أميركية بتعليق مؤقت للعقوبات على ايران لدفع مفاوضات مسقط

مصادر لصحيفة وول ستريت جورنال تؤكد أن إدارة ترامب أوقفت مؤقتاً مساعي فرض عقوبات جديدة على طهران بينما نفت الحكومة الإيرانية هذه المعطيات.
ايران تنتظر من ادارة ترامب الوضوح فيما يتعلق بملف العقوبات
عراقجي يلتقي غروسي في القاهرة لبحث الملف النووي

طهران  كشفت صحيفة وول ستريت جورنال نقلاً عن مصادر مطلعة، أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوقفت مؤقتاً مساعي فرض عقوبات جديدة على طهران. قرار البيت الأبيض، الذي لم يتم تأكيده بشكل رسمي من قبل المتحدثين باسم الإدارة ونفته طهران، يأتي في وقت بالغ الحساسية وسط مفاوضات نووية لا تزال تراوح مكانها، وتحت ضغط دولي متزايد إثر تقارير عن أنشطة إيرانية نووية تتجاوز السقف المسموح به دوليًا.
وبحسب الصحيفة، فقد أصدرت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، توجيها رسمياً لوزارتي الخارجية والخزانة، إضافة إلى مجلس الأمن القومي، تطالب فيه بتعليق كافة الإجراءات المتعلقة بفرض عقوبات جديدة على إيران. هذا التوجيه، الذي رُصد الأسبوع الماضي، يبدو أنه يعكس تغيرًا في الاستراتيجية الأميركية، وتحولاً من سياسة "أقصى ضغط" التي انتهجتها إدارة ترامب، إلى نهج أكثر براغماتية، يهدف إلى الحفاظ على مساحة تفاوضية قائمة.
ورغم أن البيت الأبيض لم يؤكد أو ينف بشكل مباشر هذه المعلومات، فقد اكتفت نائبة المتحدثة، آنا كيلي، بالقول إن "أي قرارات جديدة بخصوص ملف العقوبات سيتم الإعلان عنها من خلال القنوات الرسمية"، ما يضيف بعداً آخر من الغموض إلى هذا الملف الشائك.

أي قرارات جديدة بخصوص العقوبات سيتم الإعلان عنها من خلال القنوات الرسمية

ويأتي التطور الجديد بالتزامن مع تقرير حاد اللهجة صدر مؤخرًا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يفيد بأن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم بمستويات تصل إلى 60 في المائة، وهي نسبة تقترب من الحد المطلوب لإنتاج أسلحة نووية (90 في المائة). هذا الأمر أثار قلقاً متزايداً لدى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وفتح الباب مجددًا للتساؤلات حول مدى التزام إيران باتفاقياتها الدولية في المجال النووي.
وفي المقابل، أبدت طهران تحفظًا واضحًا على هذه الأنباء. وردّ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، بالقول إن بلاده "لم تلحظ أي تغيّر فعلي في موقف واشنطن بخصوص العقوبات"، مشيرًا إلى أن بلاده تنتظر خطوات عملية توضح نية الولايات المتحدة في تجاوز أخطاء الماضي، لا سيما ما يتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي السابق دون ضمانات.
وأشار بقائي إلى أن طهران ما زالت تتعامل مع المفاوضات بحذر، موضحًا أن "الوضوح الأميركي في مسألة العقوبات هو الأساس لأي تقدم مستقبلي". وفيما تبدو إيران مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات، فإنها تصرّ على أن يتم ذلك في إطار تفاوضي يُراعي السيادة الوطنية ويرفع العقوبات بشكل لا رجعة فيه.

ومن المقرر أن يلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة رافايل غروسي في القاهرة الاثنين.
وأكد عراقجي الأحد في بيان أنه أبلغ في مكالمة هاتفية غروسي أن "إيران سترد بشكل مناسب على أي تحرك غير مناسب من جانب الأطراف الأوروبية" في إشارة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
ودعا الوزير الإيراني غروسي في المكالمة التي جرت السبت إلى عدم إتاحة الفرصة "لبعض الأطراف" لإساءة استخدام التقرير "لتحقيق أهدافها السياسية" ضد إيران، بحسب البيان.
وأعلن السبت أنه تلقّى "عناصر مقترح أميركي" بشأن اتفاق حول الملف النووي من نظيره العماني خلال زيارته لطهران.
في هذا السياق، أفادت مصادر الصحيفة بأن آخر حزمة عقوبات أميركية ضد إيران تم الإعلان عنها في 21 مايو/أيار، ومنذ ذلك الحين تم تأجيل فرض حزم جديدة مرتين على الأقل. ولفتت إلى أن القيود الأساسية، مثل تجميد الأصول الإيرانية وحظر مبيعات النفط، لا تزال قائمة، إلا أن التجميد المؤقت للعقوبات الجديدة يعكس نية واشنطن لإعادة تقييم نهجها في التعاطي مع الملف النووي الإيراني.
ويعتقد بعض المراقبين في واشنطن أن هذا التوقف في فرض العقوبات قد يهدف إلى تهيئة مناخ مناسب لاستئناف المحادثات النووية المتعثرة، وربما اختبار استعداد إيران للتنازل أو إظهار مرونة في بعض القضايا الجوهرية. بينما يرى آخرون أن البيت الأبيض يسعى لتخفيف التوتر الإقليمي، خاصة في ظل اشتعال الأزمات في عدة مناطق من الشرق الأوسط، والتي قد تتفاقم إذا انهار المسار الدبلوماسي مع طهران.
وكان ترامب، قد صرح مؤخراً بأن إبرام اتفاق جديد مع إيران بشأن برنامجها النووي "أمر ممكن قريبًا"، في خطوة اعتبرها البعض مفاجئة نظرًا لمواقفه المتشددة السابقة. إلا أن تصريحات مسؤولين إيرانيين، مثل وزير الخارجية عباس عراقجي، تؤكد أن الهوة لا تزال واسعة بين الطرفين، وأن أي اتفاق جديد لا يزال يتطلب الكثير من العمل الدبلوماسي.
وفي ضوء هذه التطورات، يبدو أن العقوبات لا تزال تمثل حجر الزاوية في العلاقة بين طهران وواشنطن، وهي الأداة الأساسية التي تستخدمها الولايات المتحدة للتأثير على القرارات الإيرانية، سواء في ما يتعلق ببرنامجها النووي أو بسلوكها الإقليمي. ومع ذلك، فإن الاستخدام المفرط للعقوبات، دون أفق سياسي واضح، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويزيد من عزلة إيران وتصلب مواقفها.
وبالتالي فان ملف العقوبات لا يُمكن فصله عن ديناميكية المفاوضات النووية الجارية، بل يشكل أحد أبرز أدوات الضغط والتفاوض في يد واشنطن. وبينما تترقب العواصم الغربية نتائج هذا المسار المعقد، تبقى العلاقة الأميركية – الإيرانية مرهونة بقدرة الطرفين على تجاوز عقد الماضي، وإرساء قواعد تفاهم جديدة، يكون فيها رفع العقوبات جزءًا من تسوية شاملة ومستدامة.