توغل عسكري تركي في كردستان وسط صمت عراقي رسمي

الانتهاكات المستمرة على العراق تمس السيادة الوطنية وتكشف عن أطماع أنقرة بـ"ولاية الموصل".

أربيل - رصدت منظمة "فرق صناع السلام" الأميركية الخميس، دخول الجيش التركي صوب إقليم كردستان العراق بـ300 دبابة ومدرعة وإقامة حاجز أمني ضمن حدود منطقة بادينان، خلال الأيام العشرة الماضية، فيما يواصل التنديد الكردي بهذا التوغل الذي يعتبرونه انتهاكا للسيادة الوطنية فيما تلقي حكومة الإقليم بالمسؤولية على الحكومة الاتحادية المعنية بحماية الأمن القومي.

ووفقا للتقرير الصادر عن المنظمة، فإن الدبابات والمدرعات التركية توغلت في قرى (أورا، وسارو، وارادنا، وكيستا، و چلك، وبابير). وتنقل حوالي 1000 جندي تركي بين قاعدة (گري باروخ) العسكرية التركية، وجبل (متينا) خلف ناحية (بامرني) في غضون ثلاثة أيام، وأقاموا حاجزا أمنيا بين قريتي "بابير" و"كاني بالافي"، ولا يُسمح لأي مدني بالمرور إلا بعد التحقيق معه وإبراز هوية الاحوال المدنية العراقية أو البطاقة الوطنية.

كما أشار إلى أن تركيا تسعى حاليا الى رسم خط أمني يبدأ من منطقة (شيلادزى) ويمتد الى قضاء "باتيفا"، وسيمرُّ عبر ناحية "ديرلوك"، و"بامرني"، "وبيكوفا" بحيث تكون جميع القرى والبلدات والاقضية والنواحي والوديان والأراضي والسماء والماء خلف هذا الخط تحت السيطرة العسكرية للجيش التركي، وإذا ما حدث اشتباك في هذه المناطق فستصبح ساحات قتال.

وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، محما خليل الإثنين إن اقليم كردستان ليس لديه علما بشأن التوغل التركي داخل الاراضي العراقية وتحديدا في محافظة دهوك.

وذكر خليل قي تصريح لموقع "بغداد اليوم" المحلي، أن "اقليم كردستان غير معني بالتدخل التركي داخل الأراضي العراقية في مناطق محافظة دهوك وأن الحكومة الاتحادية هي المعنية بهذا الامر وفق المادة 109 من الدستور التي تنص (تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي)".

وبحسب تقرير المنظمة الأميركية، فإن هناك هدفا آخر من هذا التحرك العسكري التركي هو الوصول إلى جبل (هفت تبق) في منطقة (شلادزى)، واحتلال سلسلة جبال (گارا)، مما يتسبب بفقدان حكومة اقليم كردستان العراق بين 70 - 75 بالمئة من سلطتها على محافظة دهوك".

تركيا وإيران تستندان في عملياتهم العسكرية داخل العراق إلى حق الدفاع عن النفس ضد الجماعات التي تنفذ اعتداءات مسلحة داخل أراضي إيران وتركيا المجاورة.

وكانت منظمة (CPT) الأميركية قد أفادت في منتصف شهر حزيران/يونيو الجاري، بأن القوات التركية شنت قرابة 1000 هجوم وقصف داخل أراضي إقليم كردستان العراق خلال النصف الأول من العام 2024.

وكان عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علاوي البنداوي، قال في 12 من يونيو/حزيران الجاري، إن "القوات التركية تتواجد داخل الأراضي العراقية بعمق 40 كم وهذا يعد انتهاكا خطيرا وكبيرا لسيادة العراق"، مشيرا الى أن "هذا التوغل غير المبرر يشكل تهديدا للأمن القومي العراقي، ولهذا يجب السعي والعمل على اخراج تلك القوات بشكل عاجل وسريع".

ويؤكد الجانب العراقي أنه لا يوجد أي اتفاق بين الجانبين العراقي والتركي على التوغل، باستثناء محضر اجتماع موقع عام 1984 ومدته عام واحد، يسمح للقوات التركية التوغل 5 كيلومترات فقط داخل الأراضي العراقية لملاحقة حزب العمال الكردستاني.

بالمقابل، شهدت زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى بغداد في أبريل/ نيسان الماضي أحاديث عن اتفاقية جديدة تسمح بإنشاء حزام أمني على عمق 40 كيلومتر داخل حدود العراق، فيما تشير التقديرات الى أن القوات التركية توغلت بعمق 100 كيلومتر داخل أراضي العراق في السنوات القليلة الماضية.

وطالب القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، غياث سورجي حكومتي بغداد واربيل، بوضع حد للتدخلات العسكرية التركية المتكررة في العراق، معتبرا ان الانتهاكات المستمرة على البلد تمس السيادة الوطنية، وتكشف عن أطماع أنقرة بـ"ولاية الموصل".

وقال سورجي أن "التوغل التركي والثكنات او المعسكرات التركية داخل الحدود العراقية موجودة وبكثرة، وهنالك أكثر من 40 ثكنة عسكرية داخل الاراضي العراقية"، وأوضح النائب أن "البعض يقولون بأن هذه المعسكرات كلها تقع داخل اقليم كردستان"، مؤكدا وجود "معسكرات تركية داخل الأراضي العراقي تابعة لحكومة المركز، ولديهم أكبر معسكر على جبل بعشيقة، يبعد عن المدينة أو حدود بلدية الموصل 13 كيلومتر تقريبا، ومنذ تأسيس حزب العمال الكردستاني لم يصل لهذه المنطقة أي أحد".

وعبر سورجي عن اسفه لأن “موقف الحكومة العراقية وحكومة كردستان أمام هذه التوغلات، مخجل جدا بسبب انتهاك السيادة وعدم احترام حرمة الدولة الجارة".

وتابع بالقول إن "البعض يعتقد أن تركيا تدخل الأراضي العراقية من أجل مقارعة أو مقاتلة العناصر المسلحة لحزب العمال الكردستاني"، مبينا أن "تركيا لو وضعت جيوشها وعساكرها على الحدود الفاصلة بين البلدين، لما استطاع الطيران يتسلل الى حدود تركيا".

ويرى أن تركيا لديها اطماع اخرى، فهي تريد فرض نفوذها على العراق، وتعتبر ولاية الموصل جزء من تركيا وتطمع باحتلالها، والجيش التركي يدخل بعض المدن والنواحي في محافظة دهوك، وهو أمر أصبح عادي ويتكرر بشكل شبه يومي. داعيا الى "الحد من هذه الضربات والتجاوزات التي هدفها احتلال شمال العراق والموصل".

لكن الحكومة العراقية لا تتعامل مع الموضوع بقلق، إذ قال قائد قوات الحدود العراقية الفريق محمد السعيدي الاثنين، أن هناك تقدما كبيرا في ملف تحصين الحدود الإيرانية التركية، بعد الانتهاء من إبعاد جماعات المعارضة الكردية الإيرانية من الحدود مع العراق.

ومنذ مطلع العام الحالي، تواصل بغداد جهوداً استثنائية مع طهران وأنقرة، فيما يتعلق بتأمين الحدود الإيرانية التركية، ووقف التدخل العسكري للبلدين داخل الأراضي العراقية لاستهداف جماعات كردية إيرانية وتركية معارضة، تتخذ من الأراضي العراقية، ضمن إقليم كردستان، معاقل لها منذ سنوات طويلة.

ويستند البلدان في عملياتهم العسكرية داخل العراق إلى حق الدفاع عن النفس ضد الجماعات التي تتخذ من العراق منطلقاً لتنفيذ اعتداءات مسلحة داخل أراضي إيران وتركيا المجاورة.

وحول حزب العمال الكردستاني، قال السعيدي "عملنا على تقويض المساحة التي تسيطر عليها هذه العناصر المسلحة". وأضاف أن "العراق لديه حدود مع تركيا بطول 362 كيلومتراً، 300 كيلومتر منها برية، ضمن محافظتي أربيل ودهوك، و62 كيلومتراً هي نهر الديسل ضمن محافظة دهوك، أحد روافد نهر دجلة، والحدود العراقية التركية هي منطقة وعرة جداً، خصوصاً عندما نتجه في الشمال الشرقي بالمثلث العراقي التركي الإيراني فإن تضاريسها وعرة جداً ومغطاة بالثلوج خلال نصف العام سنوياً".

وبيّن أن "العراق لم يملك طيلة تاريخه مخافر على الشريط الحدودي العراقي التركي لضبطها، ما ولّد نشاطاً لمسلحين خارجين عن القانون"، لافتاً إلى أن "عملنا في الفترة الأخيرة أصبح باتجاهين، الأول هو التنسيق مع الجانب التركي لإنشاء مركز تنسيق مشتركة لكيلا يصبح تقاطع بين قطعاتنا والقطعات التركية، ونتمكن من بناء مخافر على الشريط العراقي التركي، حيث وصلنا إلى نتائج إيجابية مبدئياً بموضوع التنسيق، لكن كشيء على الأرض لم يتحقق إلى الآن لكن هناك جدية".

 وأضاف السعيدي "عملنا في الاتجاه الثاني تضمن مسك ما يمكن مسكه في مناطق الحدود الفارغة، حيث شرعنا ببناء أكثر من 27 مخفراً حدودياً على الشريط الحدود العراقي التركي، بعضها في شمال زاخو بمحافظة دهوك، والبعض الآخر ضمن محافظة أربيل، ووصلنا إلى نتائج جيدة"، معرباً عن أمله في أن "يحدث تفاهم كبير بين الدولتين، لأن هذا الموضوع مهم وكبير".

وأشار إلى أن "هناك توغلاً تركياً في الأراضي العراقية بأعماق مختلفة مع نقاط للجيش التركي، كما يوجد هناك تماس لنقاط الحدود والجيش التركي"، مؤكداً أن "قيادة قوات الحدود هي السلطة الاتحادية الوحيدة الموجودة على الحدود العراقية ضمن محافظات الإقليم، وهي المعنية بالحدود العراقية مع تركيا، وحالياً لدينا تماس مع قطعات الجانب التركي".
وتابع "نحن نسعى لبناء تحصيناتنا على الصفر العراقي، وضبط الحدود لمنع أي تهديد باتجاه تركيا، لكن هذا الموضوع يحتاج إلى جهد وتخصيصات مالية"، لافتاً إلى أن "هذه المنطقة الحدودية تعزز لأول مرة بالكاميرات الحرارية".

وبيّن أن "هناك لواءين من قيادة المنطقة الأولى، ماسكة للحدود العراقية التركية، وجرى تعزيزهما بفوجي مشاة وبموارد بشرية ومعدات هندسية لفتح الطرق والعمل مستمر على ذلك". ومنذ منتصف عام 2021، تستهدف العمليات العسكرية التركية البرية والجوية مقرات ومسلحي حزب العمال الكردستاني في الشمال العراقي، وتحديداً مناطق ضمن إقليم كردستان، وتقع أغلبها بمحاذاة الحدود مع تركيا، حيث يتخذ الحزب منها منطلقاً لشن اعتداءات مسلحة في الداخل التركي.