توقعات باستثناء مبيعات النفط من الآلية الأوروبية مع إيران

ألمانيا وفرنسا تتجهان لتولي المسؤولية المشتركة بشأن الآلية التجارية مع إيران وسط شكوك في إمكانية شموليتها لمبيعات النفط في ظل تهديد واشنطن للبنوك والشركات الأوروبية التي قد تشارك في الآلية.

باريس/بروكسل/فيينا - تتجه فرنسا وألمانيا لتولي المسؤولية المشتركة لآلية تجارية بين الاتحاد الأوروبي وإيران لتقليص مخاطر العقوبات الأميركية إلى أقل مستوى ممكن، لكن لا يعتقد الكثيرون الآن أنها ستشمل مبيعات النفط، مما يسلط الضوء على المخاوف المتعلقة بمصير الاتفاق النووي العالمي التاريخي مع إيران.

ويقول دبلوماسيون إن المناورة الفرنسية الألمانية هي أسلوب من أساليب إستراتيجية "الأمان في الكثرة العددية" - التي ترى أمانا أكبر في تولي أكثر من دولة لإدارة الآلية منه في تولي دولة واحدة لها - وذلك بهدف التغلب على رفض دول الاتحاد الأوروبي فرادى لاستضافة الآلية تجنبا لاستهدافها بالعقوبات الأميركية التي أعيد فرضها على إيران.

لكن في ظل التهديدات الأميركية بمعاقبة منتهكي العقوبات دون هوادة، أبلغ الدبلوماسيون رويترز أن أهداف الآلية التجارية الوليدة قد يجري تقليصها لتشمل فقط عناصر أقل حساسية مثل المنتجات المستخدمة لأغراض إنسانية ومنتجات الأغذية.

وقد يكون ذلك أقل مما يأمل به المعتدلون في إيران للتصدي للمتشددين المناوئين للغرب الذين يطالبون طهران بالتخلي عن الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، والذي يعارضوه منذ البداية.

وقال دبلوماسي فرنسي كبير "الآلية المحددة الغرض (للتجارة) مهمة، لكن الأهم للإيرانيين هو النفط وضمان صادراتهم في الأمد الطويل".

وقال "لا شيء من الإجراءات التي نسعى لتطبيقها سيصنع معجزات، لكن ما نحاول القيام به هو (اتخاذ) سلسلة من الإجراءات لإقناع الإيرانيين بالإبقاء على التزاماتهم النووية. ذلك هو هدفنا".

وسارعت فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الدول الأوروبية الموقعة على اتفاق القوى العالمية المبرم في عام 2015 مع إيران والذي كبح برنامج طهران النووي المثير للخلاف، للتوصل إلى إجراءات للحفاظ على المنافع الاقتصادية العائدة على طهران من الاتفاق بعد أن وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه ضعيف وانسحب منه في مايو أيار.

ومكن الاتحاد الأوروبي حتى الآن ذراعه المعنية بالإقراض، بنك الاستثمار الأوروبي، من إضافة إيران إلى قائمة الدول التي يتعامل معها وسن قانونا لحماية الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية.

وجاء هذان الإجراءان في إطار حزمة أوسع نطاقا تهدف لإظهار حسن نية أوروبا لإيران، وستكملهما الآلية المحددة الغرض، وهي عبارة عن دار مقاصة تتجنب التحويلات النقدية بالدولار بين الاتحاد الأوروبي وإيران.

النفط الإيراني
إدراج النفط في الآلية التجارية صعب

وكان الهدف أن تكون الآلية المحددة الغرض سارية من الناحية القانونية بحلول الوقت الذي أعاد فيه ترامب فرض العقوبات النفطية على إيران في الخامس من نوفمبر تشرين الثاني، لكنها لن تدخل حيز التطبيق حتى العام القادم.

لكن بعدما لم تتقدم أي دولة لاستضافة الآلية ورفضتها النمسا ولوكسمبرغ، وهما دولتان صغيرتان لكنهما تتمتعان بنظامين ماليين قويين، خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية، اضطرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا للعودة إلى مراجعة الخطة من جديد.

وقال دبلوماسي بالاتحاد الأوروبي "ما يشاع حاليا هو أن فرنسا أو ألمانيا ستستضيف الآلية المحددة الغرض أو تشرف عليها". وأضاف "الفرنسيون هم الأكثر إلحاحا والألمان أكثر حذرا، لكن في الوقت ذاته لا يرغب الفرنسيون في تحمل أعباء الآخرين".

وذكر دبلوماسيان أنه إذا تولت باريس وبرلين الإدارة المشتركة للآلية، فقد يثني ذلك إدارة ترامب عن مواجهة حليفين رئيسيين للولايات المتحدة بشكل مباشر.

ولا تزال بريطانيا تدرس كيفية مساهمتها، لكن تقيدها عملية الخروج المرتقب من الاتحاد الأوروبي وحقيقة أن الآلية المحددة الغرض ستتعامل باليورو وليس بالجنيه الإسترليني البريطاني.

وأشار دبلوماسيان آخران إلى أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أبلغ وزراء التكتل في اجتماع مغلق في بروكسل يوم 19 نوفمبر تشرين الثاني أن باريس وبرلين تعملان معا على نحو وثيق لإنجاز شيء بحلول نهاية العام.

ومن المقرر أن يناقش وزراء مالية فرنسا وألمانيا وبريطانيا الآلية التجارية المحددة الغرض على هامش قمة مجموعة العشرين التي تعقد في مطلع الأسبوع، وفقا لمصدر بوزارة المالية الفرنسية.

لا معجزات

بموجب اتفاق 2015، كبحت إيران برنامجها النووي الذي تقول إنه مخصص للأغراض السلمية، والذي يُعتبر على نطاق واسع في الغرب بمثابة منصة لتطوير وسائل لتصنيع قنابل نووية، في مقابل إنهاء عقوبات دولية مفروضة عليها.

وللالتفاف على العقوبات الأميركية المعاد فرضها، ابتكرت الآلية ذات الغرض الخاص باعتبارها سبيلا قد يساعد على مقايضة صادرات النفط والغاز الإيرانية مقابل مشتريات السلع الأوروبية.

لكن يبدو أن تلك الطموحات قد انحسرت، إذ قال أربعة دبلوماسيين إن استخدام الآلية قد يقتصر في الواقع على تجارة أصغر حجما ربما تتسامح معها إدارة ترامب، كالمنتجات المستخدمة لأغراض إنسانية والمنتجات الزراعية على سبيل المثال.

علي أكبر صالحي
صالحي يجدد التذكير أن النفط الاهم بالنسبة لإيران

وردا على سؤال بشأن ما إذا كان بمقدور الآلية التعامل مع مبيعات النفط في نهاية المطاف، اكتفى مفوض الاتحاد الأوروبي المعني بشؤون الطاقة والمناخ ميجيل أرياس كانيتي بالقول إن العمل مستمر.

وقال في مقابلة مع رويترز الثلاثاء "نطور آلية محددة الغرض شديدة التعقيد. الأمر ليس سهلا".

ويقول دبلوماسيون إن العمل لا يزال جاريا لاستكمال النواحي القانونية والفنية للآلية، مثل هيكل الملكية والدولة التي تستضيفها والبنية التحتية المصرفية التي تستخدمها إن وجدت.

كما قال مصدر مطلع على المباحثات إن المفوضية الأوروبية تستطلع رأي واشنطن بشأن الآلية المحددة الغرض.

وحذر مسؤولون أميركيون مرارا من أن البنوك والشركات الأوروبية التي تشارك في الآلية ستتعرض للخطر.

أولويات النفط الإيراني

قال الدبلوماسي الفرنسي إن استمرار مبيعات النفط للهند والصين، المستهلكين الكبيرين للطاقة، قد يكون كافيا في الوقت الحالي لإرضاء إيران مما يقلل من الحاجة لأن تشمل الآلية المحددة الغرض تجارة النفط على الفور.

لكن دبلوماسيا آخر بالاتحاد الأوروبي كان أكثر صراحة، حيث قال إن المساعي الأوروبية رمزية وإن أي قرار لإيران بالبقاء في الاتفاق النووي سيكون في النهاية قرارا سياسيا ولا يستند إلى الإجراءات الأوروبية.

وفي تسليط للضوء على مدى حساسية المسألة في طهران والاختلاف المحتمل بين ما يمكن الاتحاد الأوروبي فعله وما تطمح إليه إيران، أكد المسؤولون الإيرانيون لنظرائهم الأوربيين في اجتماعات عُقدت في الآونة الأخيرة أنهم يتعرضون لضغوط من رجال دين والجهات الأمنية المتشددة وأشاروا إلى احتمال خروج إيران من الاتفاق في الأسابيع المقبلة وما يترتب على ذلك من تداعيات.

وقال على أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لرويترز "أولوياتنا هي أن نكون قادرين على استخدام نظام مصرفي من نوع ما للتعاملات المالية وأن نستطيع بيع نفطنا".

وأضاف "إذا لبت الآلية المحددة الغرض الأولويتين اللتين ذكرتهما للتو... فحينها قد تكون مقترحا عمليا بالطبع، ويمكن أن تكون مفيدة في إبقاء الاتفاق قائما".

لكن مسؤولا إيرانيا كبيرا مقربا من المتشددين ذوي النفوذ في القيادة الإيرانية قال إن طهران تهدر وقتها "بالرهان على الحصان الخاسر".

وأضاف "الاتحاد الأوروبي سيفكر في مصالحه. حجم التجارة مع إيران يمثل قطرة بالمقارنة مع محيط التجارة (للاتحاد الأوروبي) مع أمريكا. سيتخلون عنا في نهاية المطاف. علاوة على ذلك، ما الذي كسبناه حتى الآن؟ مجرد كلام".