تونسيون يطالبون بسحب الثقة من الغنوشي بعد زيارته لأردوغان

رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي يزور تركيا للاجتماع مع رجب طيب أردوغان للمرة الثانية منذ فوز حزبه في الانتخابات التي فشل في تكوين حكومة يترأسها إلى اليوم.

تونس - دعا سياسيون وأحزاب ونشطاء تونسيون إلى سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي على إثر زيارته لتركيا بعد يوم واحد من إسقاط الحكومة المقترحة في البرلمان والمدعومة من حركة النهضة الإسلامية.

وأثارت زيارة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الذي انتخب رئيسا للبرلمان التونسي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد فوز حزبه بأغلبية محتشمة في الانتخابات التشريعية، إلى تركيا جدلا واسعا في تونس نظرا لتوقيتها الذي جاء بعد يوم واحد من سقوط الحكومة التي اقترحتها النهضة وتزامنا مع تسارع الأحداث في الجارة ليبيا.

والسبت، قالت وكالة الأناضول الرسمية إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استقبل رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في مدينة إسطنبول".
وأضافت أن "الاستقبال جرى في المكتب الرئاسي بقصر دولمه بهتشه؛ حيث عقد الرئيس أردوغان مغلقا مع الغنونشي".

وتفاجأ نشطاء وسياسيون تونسيون بزيارة الغنوشي غير المعلنة خصوصا أن وكالة الأنباء التركية ذكرته بصفته رئيسا للبرلمان وليس رئيسا للنهضة، وطالب تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي نواب البرلمان بمسائلته وسحب الثقة منه، متهمين إياه بالارتهان إلى سياسات خارجية وإقليمية والاستنجاد بتركيا للتخفيف من حدة الهزيمة التي مني بها بعد إسقاط الحكومة التي قدمتها النهضة في البرلمان.

واعتبر محسن مرزوق أمين عام حركة مشروع تونس أن "ذهاب رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى إسطنبول لمقابلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مباشرة بعد سقوط الحكومة في البرلمان كما ذهب في مناسبات مماثلة يؤكد مرة أخرى بما لا مجال للشكّ فيه أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا".

وقال مرزوق في تدوينة على فيسبوك إنه "على أعضاء مجلس نواب الشعب الأحرار أن يسألوا أنفسهم كيف يمكن أن تتحول مؤسسة رئاسة مجلسهم في شخص رئيس المجلس إلى حالة تبعية لدولة أجنبية؟ هذا سبب إضافي لإحداث تغيير في رئاسة المجلس".

وأضاف أن "الغنوشي يمكن أن يذهب للقاء زعيمه التركي متى شاء ولكن بصفته الشخصية أما صفة رئيس البرلمان المؤتمن على سيادة الشعب، فهذا غير مقبول ولا يجب أن يتواصل".

وتلقت حركة النهضة الإسلامية الجمعة "ضربة قاسية" برفض البرلمان بشكل واضح الحكومة التي اقترحتها، لتعود المبادرة إلى رئيس البلاد قيس سعيّد الذي عليه حاليا اختيار شخصية جديدة لتشكيل الحكومة.

وبعد نحو 12 ساعة من النقاشات داخل البرلمان، ترافقت مع مفاوضات اللحظات الأخيرة، رفض البرلمان التشكيلة الحكومية التي قدّمها الحبيب الجملي بتصويت 134 نائبا ضدها من أصل 217.

وكان إسقاط حكومة الحبيب الجملي الذي اقترحته النهضة ضربة قاسية وهزيمة ثقيلة للحركة الإسلامية التي تعودت على الحكم من وراء الستار منذ تصدرها للمشهد السياسي في تونس في 2011، حيث أصبحت تعتبر منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي أكثر أحزاب البلاد نفوذا باعتمادها على نموذج الإسلام السياسي.

لكن سنوات الفشل التي رافقت سياساتها جعل أغلب التونسيين يرفضون توليها إدارة البلاد التي تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية.

واتهم سياسيون ونشطاء تونسيون الغنوشي بعدم التمييز والفصل بين مهامه كرئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان وكان ذلك واضحا خلال جلسة منح الثقة التي لم تحصل عليها حكومة الجملي حيث شن هجوما لاذعا على الأحزاب في حين أن مهمته كانت رئاسة البرلمان الذي يعكس أصوات جميع التونسيين.

وقال محسن مرزوق إن "الغنوشي نسي وضعه كرئيس برلمان ولعب دوره كاملًا كرئيس للنهضة مجتهدا ومناورا لمحاولة تمرير حكومة الحبيب الجملي".

وتواجه حركة النهضة التي لم يمنحها فوزها في الانتخابات التشريعية الأخيرة أغلبية مطلقة، رفضا شعبيا لسياساتها وتموقعها إقليميا مع أطراف خارجية لمد مشروعها الإديولوجي.

وزيارة الغنوشي إلى تركيا للقاء أردوغان هي الثانية منذ الانتخابات التشريعية التي فازت على إثرها النهضة بـ 52 مقعدا فقط من إجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها 217، وهي تأتي في ظرف حساس في المنطقة نظرا لتزامنها مع والتطورات الأخيرة في ليبيا.

وأواخر نوفمبر الماضي أي قبل أيام من اختيار النهضة للحبيب الجملي لتشكيل الحكومة، زار الغنوشي تركيا والتقى بأردوغان وأثارت زيارته آنذاك أيضا مخاوفا من تعمّق النفوذ التركي في تونس وبحث النهضة عن دعم سياسي وربما مالي أيضا لمواجهة الضغوط الداخلية المتصاعدة.

وكتب ناشط على فيسبوك "الغنوشي مشا قابل أردوغان اليوم؟ صحيح الخبر ؟! وإذا كان صحيحاً، أليس محمولاً على رئيس الجمهورية أن يضع له حد (بطريقة ما) ! ألا يعتبر فعل موازي للديبلوماسية التي هي من مشمولات رئيس الجمهورية ؟".

وأضاف ناشط آخر "الغنوشي يطبخ في طبخة كبيرة للشعب التونسي".

ويطالب التونسيون رئيس حركة النهضة بالفصل بين علاقة حزبه الإسلامي بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وبين الدولة التونسية التي يترأس برلمانها، داعيين نواب البرلمان الذين انتخبوهم إلى مسائلته وسحب الثقة منه.

ولم تتوقف تركيا برئاسة أردوغان منذ العام 2011، عن توظيف دعمها لجماعات الإسلام السياسي لتوسيع مجال نفوذها في منطقة شمال أفريقيا، من ذلك تونس وبشكل أكبر ليبيا التي استعان أردوغان مؤخرا بحكومة الوفاق التي يسيطر عليها الإخوان ويقتصر نفوذها على العاصمة طرابلس، للتدخل فيها عسكريا.

وأثارت زيارة غير معلنة قام بها أردوغان لتونس في ديسمبر الماضي جدلا ورفضا شعبيا باعتبارها محاولة "لاستمالة تونس" نحو تأييد التدخل العسكري التركي في ليبيا وهو ما رفضته الأحزاب والرأي العام التونسي ما دعا الرئاسة التونسية إلى توضيح وتأكيد موقفها الرافض للتدخل الأجنبي في الجارة الشرقية.

وكانت أغلب الأسماء التي اختارتها النهضة في حكومة الجملي التي تزعم أنها كانت "مستقلة"، رفضت بشكل قاطع من قبل التونسيين لافتقادها "للكفاءة والاستقلالية اللازمة" لإدارة البلاد في فترة تعد حساسة للغاية نظرا للصعوبات الاقتصادية التي تعيشها تونس.

وقال الحزب الدستوري الحر المعارض إن إسقاط الحكومة المقترحة من الحبيب الجملي في التصويت لنيل الثقة يوم الجمعة في البرلمان يجب أن يضاف إليه "تصحيح للمسارات الخاطئة والقطع مع الإسلام السياسي".

وقال كريم كريفة النائب في البرلمان عن الحزب الذي يقدم نفسه كمعارضة راديكالية ضد الإسلام السياسي وحركة النهضة الإسلامية، "لدينا قناعة منذ ظهور نتائج الانتخابات بأن من حكموا طيلة تسع سنوات لن ينجحوا بنفس البرامج والأفكار. قدموا رئيس حكومة على أنه مستقل وهو ليس كذلك".

وأضاف كريفة "نحن نعتبر أنفسنا معارضة لنظام الحكم القائم. هذا النظام أصبح يرتهن الإرادة السياسية في 109 أصوات داخل البرلمان وهو أمر خطر".

وطالب الحزب الدستوري الحر النواب الذين لم يصوتوا للحكومة الجمعة إلى التوقيع على عريضة لسحب الثقة من الغنوشي، وأعلن أن نوابه الـ17 في البرلمان سيكونون بداية للشروع في جمع 73 صوتا المطلوبة لتمرير هذه العريضة.

ويحتاج سحب الثقة من رئيس البرلمان للأغلبية المطلقة أي بواقع 109 أصوات من بين 217.

وأوضح الحزب الدستوري الحر في بيان له أنه "يعتبر التصويت بأغلبية مريحة على إسقاط حكومة الإخوان هو بداية إيجابية للشروع في عملية إصلاح شامل للمنظومة السياسية مما سينعكس حتما على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".

وحسب الدستور التونسي يتعين على رئيس البلاد قيس سعيّد الآن اختيار الشخصية الأقدر للبدء بمشاورات جديدة مع الأحزاب من أجل تكوين حكومة وعرضها مجددا على البرلمان لنيل الثقة في مدة شهر تمدد مرة واحدة.

ورأى المحلل السياسي سليم خراط من منظمة "بوصلة" غير الحكومية أنّ النهضة "لم تستخلص رسالة الناخبين". واعتبر أنّه كانت للنهضة استراتيجية "هيمنة".

وشاركت النهضة بشكل مباشر أو غير مباشر في السلطة في السنوات التسع الأخيرة، في أعقاب سقوط بن علي. وحلّت ثانية في انتخابات 2014 التشريعية، وعقدت تحالفا مع الحزب الفائز، لكن مراقبون لا يتوقعون قبول الأحزاب الحالية التحالف معها خصوصا تلك الليبرالية التي تعي جيدا كيف استطاع الحزب الإسلامي تحميل مسؤوليات فشله لكل الأحزاب التي تحالفت معه في السابق.

وفعلا بعد سقوط الحبيب الجملي دعت النهضة إلى "حكومة وحدة وطنية توافقية على أرضية اجتماعية".

ويرى خراط أنّ "النهضة ستسعى للحفاظ على (موقع) في الحكومة المقبلة، ولكن سيكون من الصعب عليها التأثير في المفاوضات خصوصا في حال تجمّعت كتل صغيرة" لمواجهتها.