تونس المثقلة بالديون تتفاوض على قرض تمويلي من النقد الدولي

رئيس الحكومة التونسية يتحدث عن الأزمتين المالية والصحية مرجحا اتخاذ إجراءات جذرية عند الضرورة في أول إشارة لإغلاق عام محتمل مع بلوغ الوضع الوبائي مستوى مقلقا للغاية.
المشيشي يتحدث عن برنامج إصلاحات سيعرض على صندوق النقد
تونس تواجه أسوأ أزمة مالية زادها الوضع الوبائي تعقيدا
مراجعة منظومة الدعم ضمن برنامج إصلاحي حكومي
الجمود السياسي يرخي بظلاله على أي إصلاحات اقتصادية

تونس - أعلن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي اليوم الجمعة أن بلاده تسعى إلى برنامج قرض بحوالي 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي على ثلاث سنوات مقابل حزمة إصلاحات اقترحتها الحكومة بهدف إنعاش اقتصادها المتعثر

ويأتي إعلان المشيشي بينما تواجه تونس أسوأ أزمة مالية مع تعطل الإنتاج في قطاعات حيوية أو تراجعه بسبب احتجاجات ومطالب اجتماعية وبسبب جمود سياسي غير مسبوق في ظل معركة صلاحيات بين الرئيسي التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي المدعوم من حركة النهضة ائتلاف اسلاموي آخر.

كما تواجه تونس أزمة صحية مع وضع وبائي تصفه وزارة الصحة بأنه "خطير للغاية" بعد تسجيل قفزات قياسية في عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا وعجز المستشفيات وأقسام الإنعاش عن استيعاب العدد الهائل من الماصبين.

ويبدأ مسؤولون تونسيون الأسبوع المقبل زيارة إلى واشنطن للنقاش مع الصندوق حول برنامج تمويلي.

والوصول لاتفاق مع صندوق النقد أمر حيوي لتونس التي تعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة مع عجز مالي بلغ 11.5 بالمئة لأول مرة بنهاية 2020 بينما انكمش الاقتصاد بنسبة 8.8 بالمئة بسبب تداعيات أزمة كورونا.

وقال المشيشي "يجب توحيد كل الجهود في تونس لأننا نعتبر أننا وصلنا إلى الفرصة الأخيرة ويجب أن نستغلها لإنقاذ الاقتصاد والبلاد"، مضيفا في مقابلة مع وكالة رويترز في مكتبه بقصر الحكومة بالقصبة "نحن جديون وواثقون من الوصول لاتفاق مع الصندوق لأن هناك وعي بضرورة تنفيذ إصلاحات عاجلة ولأن برنامج الإصلاحات اقترحناه نحن ويحتاجه اقتصادنا للخروج من أزمته في مرحلة أولى".

وتوقع أن تستمر النقاشات شهرين مع صندوق النقد وأن يتم التوصل لاتفاق بين الجانبين في يونيو/حزيران.

وتابع "يتعين على المريض أن يتناول الدواء حتى إن لم يعجبه مدام ذلك ضروريا..هذا ما سنفعله، سنمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية".

وذكر المشيشي أن هناك توافقا حول المحاور الكبري للإصلاحات مع الشركاء الاجتماعيين ومن بينهم الاتحاد العام التونسي للشغل ذو التأثير القوي واتحاد الصناعة والتجارة (اتحاد أرباب العمل) واتحاد الفلاحين، لكنه شدد على أن بعض التفاصيل سيستمر النقاش حولها مع شركاء الحكومة ومن بينها آليات تنفيذ هذه المقترحات.

التونسيون يعانون من ارتفاع مشط في الاسعار وتراجع في المقدرة الشرائية
التونسيون يعانون من ارتفاع مشط في الاسعار وتراجع في المقدرة الشرائية

ورفعت تونس للمرة الثانية في ظرف وجيز أسعار البنزين المدعوم، بينما تشهد البلاد موجة غلاء غير مسبوقة وتراجعا حاد في قدرة المواطن الشرائية، فيما يتردد في الكواليس السياسية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، حديث عن إلغاء الدعم أو مراجعة منظومة الدعم.

وفي المقابل فإن هذا الأمر ينذر بموجة احتجاجات اجتماعية مع تضرر المقدرة الشرائية للتونسيين وعجز الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير/كانون الأول 2011 (تسع حكومات) عن حل معضلات التنمية والعدالة الاجتماعية والتشغيل وهي المطالب التي كانت وقودا للثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق الراحل زين العابدين بن علي.   

وقال المشيشي في المقابلة مع رويترز "هناك أيضا اتفاق على أن التأخير في الإصلاحات سيضر الاقتصاد أكثر"، مشيرا إلى أن الإصلاحات ستركز على ترشيد الدعم (مراجعة منظومة الدعم) وإصلاح الشركات العامة ومزيد من العدالة في الضرائب.

وبخصوص مخصصات الأجور قال المشيشي إنها "عالية جدا" في تونس، لكن الرواتب لا تزال دون المستوى قائلا إن هناك الكثير الذي يتعين القيام به في مجال رفع الناتج المحلي الإجمالي مما سيمًكن من خفض حجم الأجور قياسا إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وأضاف أن زيادة النمو سيكون عبر إصلاحات في شركات عامة تقوم بدور هام مثل شركة الخطوط التونسية وغيرها من الشركات العامة وفي قطاعات حيوية.

وتعاني شركة الخطوط التونسية (تونسار) من أزمة مالية غير مسبوقة ومن تقادم الأسطول وتردي الخدمات، بينما يشير خبراء اقتصاد إلى أنها تشغل نحو 8 آلاف وهو حجم أكبر بكثير من قدرات الشركة ولا يتماشى مع إيراداتها الضعيفة.

وملف 'تونسار' أو 'الغزالة' (شعار الشركة) من الملفات المثيرة للجدل ومن أعقد الملفات حاليا وسط تقارير وأنباء عن استشراء الفساد وتأثيرات سلبية على مستوى الخدمات إضافة إلى تأثر القطاع بتداعيات جائحة كورونا محليا وعالميا.

وإلى جانب ملف 'تونسار'، يقف ملف شركة فوسفات قفصة شاهدا آخر على عجز الحكومة في معالجة الأزمة، حيث أن هذا القطاع الحيوي المرتبط أيضا بملف 'المجمع الكيميائي التونسي' وملف الشحن والنقل البري والحديدي وهي ملفات تحوم حولها أيضا شبهات فساد كبير وتدخلات سياسية متشعبة وتضارب مصالح.

وعبًر رئيس الحكومة التونسية عن ثقته في قدرة بلاده على الوفاء بالتزاماتها وتسديد ديونها الخارجية رغم الصعوبات، مضيفا أن بلاده لديها نقاشات مع بلدان من بينها قطر لإبرام اتفاقيات مالية من شأنها تخفيف الأزمة الاقتصادية.

وتبدو تصريحات المشيشي مغرقة في التفاؤل في ظل التعقيدات سالفة الذكر واستشراء الفساد والجمود السياسي الذي يرخي بدوره على المفاوضات التي تعتزم تونس إجراءها مع صندوق النقد الدولي من اجل قرض تمويلي بنحو 4 مليارات دولار.

وتتوقع ميزانية تونس للعام 2021 اقتراض 7.2 مليار دولار، تشمل قروضا أجنبية بحوالي خمسة مليارات دولار. وتُقدر مدفوعات الديون المستحقة هذا العام بنحو 16 مليار دينار (5.75 مليار دولار)، ارتفاعا من 11 مليار دينار في 2020.

وبالنسبة للوضع الوبائي، قال رئيس الحكومة التونسية، إن حكومته إن تأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي الصعب للبلاد في قراراتها لإبطاء انتشار فيروس كوورنا، لكنها لن تتردد في اتخاذ قرارات جذرية إذا أصبح ذلك ضروريا.

وليس مفهوما ما الذي يقصده المشيشي بهذه الإشارة وما إذا كان يعتقد ان الوضع الوبائي لا يستحق حاليا إجراءات أكثر صرامة لكبح انتشار الفيروس، بينما يقف القطاع الصحي على حافة الانهيار والعجز عن مواكبة سرعة تفشي الوباء.

تونس تئن تحت وطأة ازمة صحية غير مسبوقة بسبب موجة وبائية ناجمة عن تفشي فيروس كورونا
تونس تئن تحت وطأة ازمة صحية غير مسبوقة بسبب موجة وبائية ناجمة عن تفشي فيروس كورونا

ولكن تبقى تلك أول إشارة من المشيشي إلى أنه قد يفرض عزلا عاما إذا استمر الوضع الوبائي الحرج في البلاد بعد أن كان يرفض الخوض في هذا الاحتمال لتأثيره الشديد على الاقتصاد المنهار.

وفي خضم هذا السيناريو (الغلق العام)، تطرح تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على توفير مساعدات للعائلات محدودة الدخل وللقطاعات التي ستتضرر من الغلق العام.

وكانت الحكومة السابقة برئاسة الياس الفخفاخ قد تعهدت خلال الموجة الوبائية الأولى (في مارس/اذار 2020) بتوزيع منح على المتضررين من العمال والأسر الضعيفة بنحو 200 دينار، ما يقل قليلا عن 73 دولار وهو مبلغ زهيد جدا مقارنة مع ارتفاع مشط في الأسعار ورغم ذلك لم تصل تلك المنح لمعظم مستحقيها.   

ونظمت كذالك 'تيلطون' جمعت خلاله مبالغ ضخمة لدعم القطاع الصحي، بينما لايزال مصير تلك الأموال ووجهتها محل تساؤلات واسعة من قبل الأوساط الشعبية والسياسية المعارضة.

وارتفع إجمالي الوفيات في تونس إلى أكثر من عشرة آلاف شخص وسط تحذير مسؤولين من انهيار المنظومة الصحية في البلاد مع بلوغ أقسام الإنعاش طاقاتها القصوى في أغلب المستشفيات ونقص في الأكسجين في بعضها ومعاناة الطواقم الطبية من الإنهاك.

وقال المشيشي ردا على سؤال حول رفض حكومته فرض إغلاق عام للسيطرة على الجائحة رغم الانتقادات "نحن نحاول متابعة الوضع الوبائي ونأخذ أيضا الجانب الاقتصادي وإذا استوجب الأمر اتخاذ إجراء راديكالي سنفعل".

وأغلقت الحكومة المدارس هذا الشهر وحظرت حركة السيارات من السابعة مساء فيما أبقت على الحظر العام من العاشرة مساء.

ويوم الأربعاء قالت الحكومة إنها ستفرض حجرا صحيا إجباريا لمدة أسبوع على كل الوافدين اعتبارا من الثالث من مايو/أيار وستمدد تعليق الدراسة حتى 16 مايو/أيار.

وخلال تفشي الجائحة عالميا في العام الماضي فرضت الحكومة إغلاقا عاما لمدة شهرين مما أبطأ بلوغ كوفيد-19 الذروة إلى الخريف، لكن ذلك كلف الفقراء والاقتصاد المثقل بالديون ثمنا باهظا.