تونس تعدل بوصلة الدبلوماسية على إيقاع المتغيرات الجيوسياسية

تونس ركزت مؤخرا على تطوير خدماتها القنصلية رقميًا وزيادة تمثيلها الدبلوماسي خاصة في إفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا.

تونس - عدلت تونس سياستها الخارجية على إيقاع المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية بعد سنوات من نشاط دبلوماسي اعتبر أقل مما يفترض أن يكون على الصعيدين السياسي والاقتصادي ونقص في بعثات التمثيليات الدبلوماسية والحضور الخارجي.

وأعلن وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي عن برنامج جديد لتنشيط الدبلوماسية وتكثيف الحضور والانتشار القنصلي في افريقيا وأوروبا واسيا، وجدد تأكيده على أهمية قرار تونس القاضي بوضع برنامج الدبلوماسية التونسية خلال سنة 2025 تحت شعار "تعزيز العمل متعدّد الأطراف وتوطيد التعاون في إطار منظومة الأمم المتّحدة"، فيما تسعى تونس إلى تنشيط تحركاتها الدبلوماسية، في ظل المستجدات العالمية المتسارعة إقليميا ودوليا، والتحديات التي تواجه شمال أفريقيا وعلى رأسها الأمن ومحاربة الإرهاب مع الحفاظ على الروابط التقليدية.

وشهد النشاط الدبلوماسي لتونس في السنوات الأخيرة نقلة نوعية، حيث تحرّكت في الفترة الأخيرة بفاعلية أكبر فرضتها التطوّرات الداخلية والخارجية، ما يعكس تخلّصا واضحا من الاصطفاف في سياسة المحاور الإقليمية والدولية والوقوف وراء أجنداتها. 
ووجه النفطي خلال مداخلاته ضمن فعاليات "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" المنعقد من 11 الى 13 أبريل/نيسان الجاري بتركيا، جملة من الرسائل وفقا لتوجهات تونس وسياستها الخارجية، من ذلك التأكيد على تمسك بلاده الراسخ بمبادئ العمل متعدّد الأطراف تحت مظلّة الأمم المتّحدة، وانخراطها الفاعل في المسارات التحضيرية لقمّة المستقبل، التي ستساهم مخرجاتها في إضفاء مزيد من النجاعة على أداء ودور المؤسّسات الأممية والتأسيس لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.

كما استعرض تطورات الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، الذي يشهد تفاقم الأزمات والصراعات والنزاعات، وما أسفرت عنه من انعكاسات ألقت بتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة والعالم بأسره، حسب ما جاء في بيان نشرته وزارة الخارجية الجمعة.
ودفعت التغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، تونس الى أن تكون في الواجهة لتعبر عن موقف البلاد بدلا من أن تقف موقفا هامشيا، فيما يشدد مراقبون على أهمية التحركات الدبلوماسية التونسية التي من شأنها أن تُخرج البلاد من عزلة فرضتها على نفسها خلال السنوات الماضية والتي اتسمت بغيابها عن محيطيها العربي والأفريقي تحت وطأة التجاذبات السياسية في البلاد، لا سيما في ظل وجود التزامات لتونس في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وجدد وزير الخارجية التونسي الدعوة الى المجموعة الدولية لتحمل مسؤولياتها في الاضطلاع بدورها الطبيعي لحلَ مشاكل المنطقة وأزماتها وفي مقدمتها "وقف حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنها اسرائيل ضد المدنيين العزّل في غزة"، مشددا على أنّ "انفراج الأوضاع وتحقيق الاستقرار الدائم وتعزيز السلم والأمن الدوليين، لا يمكن أن يتحقّق ما لم يتمّ التوصّل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية ويضع حدّا للسياسات والمخطّطات العدوانية والتوسّعية والتهويد والتهجير". 
ولفت إلى أن تغييب قضايا المنطقة وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية عن سلّم أولويات الأطراف المؤثّرة إقليميا ودوليا، وعدم وجود التزام دولي جماعي للإسهام في تسوية مختلف القضايا المطروحة، بما في ذلك اليمن والسودان، سيزيد في تعقيد الأوضاع ومفاقمة ما تواجهه بلدان المنطقة وشعوبها من تحدّيات ومخاطر كبرى، مؤكدا الحرص على مساعدة الأشقاء في ليبيا على التوصل الى حل ليبي-ليبي يقوم على الحوار والتوافق الوطني، بما يحفظ وحدة ليبيا واستقرارها تحت راية وبمساعدة منظمة الأمم المتحدة.

كما أبرز التحديات العديدة التي تواجهها منطقة شمال إفريقيا والمرتبطة بالتطوّرات في منطقة الشرق الأوسط، وتواصل حالة عدم الاستقرار في منطقة جنوب الصحراء وتداعياتها الخطيرة، خاصة مع تفاقم موجات الهجرة غير النظامية واستفحال أنشطة التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظّمة وشبكات الاتجار بالبشر والتهريب وتجارة المخدّرات والأسلحة. 

وفي إطار سعيها لتحسين مكانتها الدولية، ركزت تونس في الفترة الأخيرة على تطوير خدماتها القنصلية رقميًا وزيادة تمثيلها الدبلوماسي خاصة في إفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا، فيما ترى أوساط سياسية أنه فضلا عن تعزيز التمثيل الدبلوماسي في الدول الأفريقية الغنية بالموارد على غرار النفط مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا مع استغلال فرص الاستثمار الموجودة هناك، يجب أيضا تمتين العلاقات والروابط الدبلوماسية مع الشركاء التقليديين على غرار دول الاتحاد الأوروبي.