تونس تنفتح على انسحابات محتملة من سباق الرئاسة

الانتخابات الرئاسية لن تشكل فحسب نهج تونس المثقلة بالديون في التعامل مع العلاقات الدولية وقضية الإنفاق العام العويصة وإنما ستختبر أيضا النموذج السياسي التوافقي الذي تطبقه والطريقة التي تمارس بها الديمقراطية.

مشروع تونس يناقش انسحاب مرشحه الرئاسي لفائدة الزبيدي
كثير من التونسيين يشعرون بالإحباط إزاء السياسة
التصويت العقابي وارد في ظل مشهد سياسي متشنج
متابعة عربية لحظوظ مرشح إسلاميي تونس للرئاسة

تونس - ينفتح المشهد الانتخابي في تونس قبل يومين من الاقتراع للانتخابات الرئاسية، على المزيد من الغموض مع بروز بوادر انسحاب مرشحين للرئاسة لحساب آخرين.

وبدأ حزب مشروع تونس اليوم الجمعة نقاشات حول قرار انسحاب مرشحه محسن مرزوق، لفائدة المرشح المستقل عبدالكريم الزبيدي وزير الدفاع المستقيل.

ونقلت وكالة الأناضول التركية للأنباء عن حسونة الناصفي الأمين العام لحركة 'مشروع تونس' (ليبرالي له 15 مقعدا في البرلمان من أصل 217)، إن "المكتب السياسي للحزب مجتمع حاليا بالعاصمة تونس لاتخاذ القرار" بهذا الشأن.

واكتفى الناصفي بالإشارة إلى أن "القرار بانسحاب محسن مرزوق من عدمه سيصدر في وقت لاحق الجمعة".

وقدم وزير الدفاع المستقيل عبدالكريم الزبيدي ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة الأحد، مستقلا، إلا أنه يحظى بدعم حزب نداء تونس (ليبرالي 26 مقعدا في البرلمان) وحزب "آفاق تونس" (ليبرالي). ويتنافس الأحد 26 مرشحا بالدور الأول للاقتراع، للفوز بأعلى منصب بالبلاد.

وتُعد انتخابات الرئاسة التي تشهدها تونس يوم الأحد أكثر انتخابات لا يمكن التنبؤ بنتيجتها على مدى تجربتها القصيرة مع الديمقراطية، فهي منافسة يغيب عنها مرشح أوفر حظا بفارق كبير عن غيره في وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية.

فالانتخابات لن تشكل فحسب نهج تونس المثقلة بالديون في التعامل مع العلاقات الدولية وقضية الإنفاق العام العويصة، وإنما ستختبر أيضا النموذج السياسي التوافقي الذي تطبقه والطريقة التي تمارس بها الديمقراطية.

وفي حين أن أطرافا خارجية، خاصة في الدول العربية، تتابع فرص حزب حركة النهضة الإسلامي المعتدل فإن أنظار الكثير من التونسيين تتجه إلى ترشح قطب من أقطاب الإعلام تم سجنه الشهر الماضي للاشتباه في تهربه من الضرائب وركزت حملته على الفقراء.

لكن بعد ارتفاع معدل البطالة على مدى سنوات وزيادة التضخم وتقليص الإنفاق على الخدمات العامة والدعم، يشعر كثير من التونسيين بالإحباط إزاء السياسة وهو ما يزيد الغموض المحيط بالنتيجة ونسبة الإقبال.

وقالت هدى بن عايد التي كانت تقف على إحدى محطات الترام في تونس العاصمة "الأمور ليست واضحة. ما زلت لا أرى المرشح المؤهل الجدير بإدارة تونس".

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تتمخض انتخابات الأحد عن فائز بأغلبية مطلقة، حيث سيخوض المرشحان الحاصلان على أكبر نسبة من الأصوات جولة إعادة إذا لم يحقق أحد أغلبية صريحة، فإنها ستؤثر على الانتخابات البرلمانية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول.

وكانت شرارة الثورة التونسية قد اندلعت بعد أن أشعل بائع خضر ضاقت به سبل العيش النار في نفسه، مما أجبر الرئيس زين العابدين بن علي على مغادرة البلاد ليقيم في السعودية وسرعان ما امتدت هذه الشرارة إلى أجزاء مختلفة من العالم العربي.

وبعد مرور ثماني سنوات تظهر انتخابات تونس المفتوحة التي تنطوي على منافسة شديدة كيف سلكت تونس الطريق إلى الديمقراطية بسلاسة أكبر من مصر أو ليبيا أو سوريا أو اليمن التي حاول أبناؤها السير على خطاها في الإطاحة بحاكم مستبد.

وتابع الناخبون على نطاق واسع المناظرات التلفزيونية بين أغلبية المرشحين للرئاسة وعددهم 24 رجلا وامرأتان، على أمل تضييق نطاق اختياراتهم، وهو ما يختلف كل الاختلاف عن الانتخابات التي كانت تنتهي بفوز بن علي الذي يرقد حاليا بمستشفى في السعودية بنسبة 99 بالمئة بلا منازع.

وتشمل قائمة المرشحين بعضا من أكبر الأسماء في تونس ومنهم رئيس الوزراء المتخلي مؤقتا عن منصبه مفوضا أحد وزراءه للقيام بمهامه بالنيابة ورؤساء حكومات سابقون وأول مرشح للرئاسة على الإطلاق من أقوى حزب في البلاد بالإضافة إلى قطب الإعلام المحتجز نبيل القروي.

ويمثل المرشحون مجموعة مختلفة من الأفكار التي لا يمكن تصورها في معظم الانتخابات بالدول العربية، فتضع العلمانيين الليبراليين في مواجهة الإسلاميين المعتدلين ومؤيدي التجارة الحرة في مواجهة المؤمنين بسياسات الحماية الاقتصادية وأنصار ثورة 2011 ضد أنصار النظام القديم.

وتوفي الرئيس الباجي قائد السبسي في يوليو/تموز عن 92 عاما ولم يرشح الرئيس المؤقت محمد الناصر نفسه.

ومنذ قيام الثورة قادت معظم الانتخابات إلى اتفاقات لاقتسام السلطة بين الأحزاب المتنافسة، فقد سعى الساسة إلى تجنب الاستقطاب الخطير بين الإسلاميين والليبراليين أو إلى تشكيل جبهة موحدة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية.

وليس واضحا ما إذا كان النموذج التوافقي سيستمر. وربما تدفع انتخابات الأحد الأحزاب إلى تبني مواقف أكثر تشددا بشأن اقتسام السلطة مع خصوم يختلفون معهم فكريا في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول.

وعلى الرغم من أن الرئيس هو الشخصية الأهم على الساحة السياسية فإنه لا يتمتع بسيطرة مباشرة سوى على السياسات الخارجية والدفاعية بينما يشرف رئيس الوزراء الذي يختاره البرلمان على معظم الحقائب الوزارية.

ورفض عدة مرشحين هذا النموذج ودعوا إلى إجراء تغييرات على الدستور لمنح الرئيس المزيد من الصلاحيات. وهذا واحد من الجوانب التي سيتأثر فيها المشهد السياسي في تونس بانتخابات الأحد.

الزبيدي يحظى بدعم حزب نداء تونس وافاق تونس وقد ينضم اليهما مشروع تونس بانسحاب مرشحه محسن مرزوق
الزبيدي يحظى بدعم حزب نداء تونس وافاق تونس وقد ينضم اليهما مشروع تونس بانسحاب مرشحه محسن مرزوق

وتمثل قضية القروي عاملا آخر. يقول خصومه إنه استخدم مؤسسته الخيرية والقناة التلفزيونية التي يملكها بشكل غير قانوني، وإنه إذا فاز فسيمثل هذا ضربة لمبادئ الديمقراطية.

وينفي القروي ارتكاب أي مخالفات ويشكو من أن احتجازه حرمه من الحق في المنافسة في الانتخابات على قدم المساواة مع خصومه. ورفضت محكمة اليوم الجمعة إطلاق سراحه مؤقتا، بينما ينتظر حكما نهائيا في القضية.

ويقول أنصار القروي إن القبض عليه قبيل بدء الحملة الانتخابية في قضية احتيال ضريبي بدأت قبل سنوات دليل على سلوك غير ديمقراطي من جانب السلطات، التي يرون أنها تحاول إسكاته.

ويمثل الاستمرارية بوضوح في الانتخابات رئيس الوزراء يوسف الشاهد الذي نفذت حكومته إصلاحات اقتصادية منذ عام 2016 في إطار برنامج قرض من صندوق النقد الدولي.

وبغض النظر عن مصيره في انتخابات الأحد، تسلط تلك الإصلاحات الضوء على الصعوبات التي يواجهها الرئيس والحكومة القادمان، حيث سيجدان نفسيهما محاصرين بين المطالب الشعبية بزيادة الإنفاق وإصرار المقرضين الدوليين على خفضه.

ولن يؤدي الأداء القوي لحزب حركة النهضة بالضرورة إلى تغيير كبير في السياسة. ولعبت الحركة، التي كانت محظورة كحزب إسلامي في عهد بن علي، دورا كبيرا في معظم الحكومات منذ الثورة.

وبرغم أنها أظهرت صورة أكثر اعتدالا في السنوات الأخيرة، حيث صورت نفسها على أنها حركة ديمقراطية مسلمة، فإن القلق لا يزال يساور كثيرا من الليبراليين التونسيين من أنها تضمر جدول أعمال إسلاميا محافظا بدرجة أكبر.

وينصب تركيز آلتها الحزبية الواسعة- وهي الأكبر في البلاد- على الانتخابات البرلمانية أكثر منها على السباق الرئاسي، الذي تدخله لأول مرة بالمرشح عبدالفتاح مورو نائب زعيم الحركة.

غير أن زعيم الحزب راشد الغنوشي دعا المرشحين المحافظين الآخرين إلى الانسحاب، فيما قد تكون علامة على قلق الحزب من شدة المنافسة.