تيك توك تبيض صفحتها مع المراهقين بميزة لتحسين النوم

الميزة تمثل خطوة جديدة في سياق التطور المستمر للمنصات الاجتماعية نحو نموذج أكثر مسؤولية تجاه مستخدميها، ورغم أنها قد تكون مدفوعة جزئياً بالضغوط الخارجية إلا أنها تمثل اعترافا متزايدا بتأثير هذه المنصات على الصحة.

واشنطن - أطلقت منصة تيك توك الخميس ميزة جديدة تمثل تطوراً نوعياً في تعامل المنصات الاجتماعية مع قضايا الصحة النفسية لمستخدميها، وتحديداً المراهقين منهم.

وتتمثل هذه الميزة في تمارين تأمل موجهة داخل التطبيق تهدف بشكل أساسي إلى تحسين جودة النوم وتشجيع المستخدمين على الحد من استخدام التطبيق خلال ساعات الليل المتأخرة.

وقد جاءت هذه الخطوة بعد اختبار تجريبي أجرته الشركة مع عدد محدود من المراهقين في وقت سابق من هذا العام، لتقرر الآن إتاحة الميزة لجميع مستخدمي المنصة حول العالم، وسط تزايد الضغوط التشريعية والمخاوف المجتمعية من تأثير استخدام التطبيقات الاجتماعية على الصحة النفسية للشباب.

وتعتمد ميزة التأمل الجديدة على مقاطعة تجربة التصفح المعتادة خلال ساعات الليل المتأخرة، وتقديم بديل يساعد على الاسترخاء والتهيئة للنوم. وقد أوضحت شركة تيك توك في بيانها أن هذه الميزة ستعمل بآليتين مختلفتين تبعاً لسن المستخدم.

وبالنسبة للمستخدمين دون سن 18 عاماً، ستكون ميزة التأمل مفعّلة تلقائياً دون الحاجة لأي إجراءات من جانبهم. وإذا استمر المراهق في استخدام التطبيق بعد الساعة العاشرة مساءً، سيتم قطع بث الفيديوهات المعتادة في صفحة "لك" (For You) وعرض تمرين تأمل موجه يشجعه على الاسترخاء استعداداً للنوم.

تتضمن تجربة التأمل ثلاثة عناصر رئيسية: شاشة مهدئة للأعصاب بتصميم مريح بصرياً، موسيقى هادئة تساعد على الاسترخاء، تمارين تنفس موجهة تساعد على تهدئة الجسم والعقل.

وفي حالة تجاهل المراهق للرسالة الأولى واستمراره في استخدام التطبيق، تظهر له نافذة تذكير ثانية بملء الشاشة، تحثه بشكل أكثر إلحاحاً على التوقف عن استخدام التطبيق والاستعداد للنوم.

أما المستخدمون البالغون، فيمكنهم الاستفادة من هذه الميزة بشكل اختياري من خلال تفعيلها يدوياً. ويتم ذلك باتباع الخطوات التالية:

الانتقال إلى صفحة "إعدادات وقت الشاشة" (Screen Time settings) في التطبيق، ثم تفعيل خيار "ساعات النوم" (Sleep hours)، فتحديد التوقيت المناسب لظهور تمرين التأمل كل ليلة

بهذه الطريقة، يمكن للمستخدمين البالغين الاستفادة من ميزة التأمل وفقاً لاحتياجاتهم وجدولهم الزمني، مع الحفاظ على حريتهم في الاختيار.

تأتي هذه الميزة الجديدة ضمن سياق أوسع من المبادرات التي تطلقها شركة تيك توك استجابة للضغوط التشريعية والانتقادات المتزايدة بشأن تأثير التطبيق على الصحة النفسية للمستخدمين، خاصة فئة المراهقين والشباب.

التصفح اللانهائي

تسعى الميزة الجديدة إلى معالجة مشكلة "التصفح اللانهائي" التي أصبحت ظاهرة شائعة بين مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، حيث يمضي الكثيرون ساعات طويلة في تمرير الشاشة دون توقف، خاصة خلال ساعات الليل. وقد أشارت دراسات عديدة إلى الآثار السلبية لهذا السلوك على جودة النوم والصحة النفسية بشكل عام.

وتهدف تمارين التأمل إلى قطع هذه الحلقة المفرغة من التصفح، وتوفير فرصة للمستخدم للتوقف والانتباه إلى حاجته للراحة والنوم، من خلال توجيهه نحو ممارسات الاسترخاء والتنفس العميق.

تواجه تيك توك في الفترة الأخيرة تدقيقاً متزايداً من الجهات التنظيمية والتشريعية في العديد من البلدان، بشأن تأثير التطبيق على الصحة النفسية للمراهقين وسلامتهم عبر الإنترنت. وتأتي ميزة التأمل كإحدى المبادرات التي تحاول من خلالها الشركة طمأنة المشرعين والرأي العام بأنها تتخذ خطوات فعلية لتحسين تجربة المستخدمين، خاصة القاصرين منهم.

لا تقتصر جهود تيك توك في مجال الصحة النفسية على ميزة التأمل فقط، بل تشمل مجموعة من المبادرات الأخرى التي أطلقتها الشركة في الآونة الأخيرة.

وفي سياق متصل، أعلنت تيك توك بالتزامن مع إطلاق ميزة التأمل عن تبرعها بمبلغ 2.3 مليون دولار من رصيد الإعلانات لصالح 31 منظمة تعمل في مجال الصحة النفسية، موزعة على 19 دولة، وذلك ضمن "صندوق التوعية بالصحة النفسية" الذي أطلقته المنصة. وتهدف هذه المبادرة إلى دعم الجهود العالمية المبذولة في مجال الصحة النفسية وزيادة الوعي بأهميتها.

ويوفر تطبيق تيك توك للمستخدمين إمكانية دعم القضايا التي تهمهم من خلال خاصية جمع التبرعات للمنظمات غير الربحية. ويمكن للمستخدمين إضافة ملصقات للتبرع في فيديوهاتهم أو إضافة روابط للتبرع في صفحات ملفاتهم الشخصية، مما يتيح للمشاهدين التبرع مباشرة للمنظمات المعتمدة عبر التطبيق.

وسبق لتطبيق تيك توك أن أطلق مبادرات مشابهة في أوقات الأزمات، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19، حيث تبرعت الشركة بمبلغ 250 مليون دولار لدعم العاملين في مجال الرعاية الصحية والمدرسين وغيرهم من المهنيين المتضررين من الجائحة.

وحظيت ميزة التأمل الجديدة باهتمام واسع من مستخدمي التطبيق والمهتمين بقضايا الصحة النفسية، حيث بدأ العديد من المبدعين على المنصة بتقديم محتوى يشرح فوائد التأمل وتقنياته المختلفة. وقد وصل أحد مقاطع التأمل على المنصة إلى أكثر من 2000 إعجاب، مما يشير إلى الاهتمام المتزايد بهذا النوع من المحتوى.

ويرى بعض المتابعين أن هذه الخطوة، رغم كونها استجابة للضغوط التشريعية، تمثل تطوراً إيجابياً في تعامل منصات التواصل الاجتماعي مع قضايا الإدمان الرقمي والصحة النفسية، وقد تمهد الطريق لمبادرات مشابهة من قبل منصات أخرى.

ورغم الإشادة بالميزة الجديدة، يظل هناك تساؤل حول مدى فعاليتها في تغيير سلوكيات الاستخدام على المدى الطويل، خاصة في ظل التصميم الإدماني للعديد من تطبيقات التواصل الاجتماعي.

ومن المتوقع أن تستمر الضغوط التنظيمية والتشريعية على تيك توك وغيرها من المنصات لاتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية المستخدمين، خاصة المراهقين، من الآثار السلبية للاستخدام المفرط للتطبيقات الاجتماعية.

وتبقى القضية الأكبر هي إيجاد توازن بين جاذبية هذه المنصات وإدمانيتها من جهة، ومسؤوليتها الاجتماعية تجاه صحة مستخدميها النفسية من جهة أخرى، وهو تحدٍ سيستمر في تشكيل مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات القادمة.