تَخلَص لبنان من الوصاية السورية فوقع فريسة لإيران

محللون وسياسيون يعتقدون أن لبنان لم يكن يوما سيد قراره وأن اللبنانيين يشكون من أن وصاية السوري حلت محلها وصاية إيرانية عبر حزب الله، محملين الأخير المسؤولية عن دوامة الأزمات التي يعيشها اليوم.  
حزب الله واصل بعد انسحاب الجيش السوري ما كان يقوم به الأخير
لا سيادة للبنان في ظل هيمنة حزب الله والحاضنة الإيرانية
محلل مقرب من حزب الله يرى في عودة الوصاية السورية حلا لأزمات لبنان

بيروت - تمر غدا الاثنين الذكرى 16 على تخلص لبنان من هيمنة الجيش السوري التي استمرت لعقد ونصف العقد وانتهت تحت ضغط "انتفاضة الاستقلال" التي انطلقت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، لكن لبنان وقع في المقابل في اسر حزب الله الداعم للنظام السوري والموالي لإيران ما أدخل البلاد في دوامة أزمات لا مؤشرات على نهايتها.

في 5 مارس/آذار 2005، ألقى بشار الأسد خطابا أمام مجلس الشعب (البرلمان) أعلن فيه قرار سحب قواته من لبنان وهو ما اكتمل في 26 أبريل/نيسان من العام نفسه.

وأتى قرار الانسحاب في ظل احتجاجات شعبية في لبنان، أعقبت اغتيال الحريري في تفجير بالعاصمة بيروت، مع اتهامات لنظام الأسد بأنه وراء اغتياله بالإضافة إلى اغتيالات متتالية استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية وقتها.

إلا أن انتهاء الوصاية السورية لم تحوّل لبنان إلى "وطن سيّد حرّ ومستقل"، فقطاع واسع من الشعب اللبناني يشكو من أن وصاية النظام السوري حلت محلها وصاية حليفته إيران، الداعمة لجماعة حزب الله اللبنانية.

وقال شارل جبور رئيس جهاز الإعلام في حزب القوات اللبنانية (فصيل مسيحي)، إن "لبنان دفع ثمنا كبيرا وهو الانقلاب على اتفاق الطائف (لعام 1989 وأنهى حربا أهلية) عن طريق الاحتلال السوري للبنان الذي دام 15 عاما بين 1990 و2005".

وحمّل جبور مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الراهنة في لبنان إلى النظام السوري، قائلا إن هذا "النظام كرّس ممارسة سياسية معينة أوصلت الدولة اللبنانية إلى الفشل من خلال الانقلاب على الدستور والإدارة السياسية".

ووسط استقطاب حاد بين فريقين لبنانيين أحدهما يضم حزب الله، تمر البلاد بأزمة سياسية واقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 ويعجز عن تشكيل حكومة جديدة منذ استقالة حكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب في 10 أغسطس/آب الماضي.

وتابع المسؤول في حزب القوات اللبنانية "بعد انسحاب الجيش السوري، واصل حزب الله ما كان يقوم به هذا الجيش، أي لبنان كان قراره في دمشق ولم يكن قراره أبدا لبنانيا سياديا داخل المؤسسات والدستور واليوم انتقل القرار السياسي إلى معقل حزب الله".

ورأى أن "لبنان لا يمكن أن يخرج من النفق المظلم إلا من خلال أمرين أساسيين: إعلان حياد لبنان وأن يكون هناك قرار للدولة سيادي ويُسلّم السلاح غير الشرعي إلى الدولة".

ويثير سلاح حزب الله مخاوف وانقسامات حادة في لبنان بينما تتمسك الجماعة الشيعية الموالية لإيران بسلاحها بوصفه بأنه ضروري لمواجهة إسرائيل التي لاتزال تحتل أرضا لبنانية، فيما يطالب منتقدو حزب الله بحصر السلاح بيد الدولة وأن لا يستخدم لتحقيق مكاسب للطائفة الشيعية وحلفائها.

وفي 17 أغسطس/آب الماضي، أطلق البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي، وثيقة بعنوان "لبنان الحياد الناشط"، تدعو إلى "تعزيز مفهوم الدولة اللبنانية من خلال جيش قوي وقضاء مستقل ومؤسسات قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والدفاع عن الأرض ضد أي اعتداء سواء من إسرائيل أو غيرها".

الجنرال قاسم سليماني كان المشرف على النفوذ الإيراني في لبنان والعراق واليمن
الجنرال قاسم سليماني كان المشرف على النفوذ الإيراني في لبنان والعراق واليمن

وفي 27 فبراير/شباط الماضي، دعا الراعي إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، لـ"إنقاذ لبنان" واعتماد مبدأ "الحياد"، لكن دعوته قوبلت بانتقادات من أطراف سياسية على رأسهم حزب الله.

وفق علي الأمين وهو محلل سياسي معارض لحزب الله، فإن ذكرى الانسحاب السوري هي "مناسبة تعكس إصرار الشعب اللبناني على سيادته بدولة ذات سيادة واستقلال، علما أنّ الوجود السوري لم يعد له من مبرّر بعد الانتخابات النيابية الأولى عام 1992، بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990".

وتابع "بعد الوصاية السورية، بدأت السيطرة الإيرانية الواضحة وهذه السيطرة تدفع البلاد إلى مزيد من الانهيار"، مضيفا أن "الهيمنة والسيطرة الإيرانية على لبنان لا تفتح بابا لإمكانية قيام دولة حقيقية".

وقال "لبنان يدفع أثمانا كثيرة نتيجة السيطرة الإيرانيّة ونتيجة السياسات التي عبّر عنها حزب الله من خلال تدخلاته في دول الإقليم على مستوى المنطقة. من المؤكّد أن تورط الحزب في هذه الصراعات الخارجية أدى إلى كوارث لا يستطيع تحمّلها البلد وهذا يعيدنا إلى التحدي الأول، أي ذكرى الانسحاب السوري لذا هذا التحدي يطرح نفسه اليوم، فلبنان لا يستطيع أن يقوم في ظل هذه السيطرة الإيرانية".

وتحت غطاء الجامعة العربية، دخل الجيش السوري إلى لبنان في ديسمبر/كانون الأول 1976، بينما كانت نار الحرب الأهلية مستعرة منذ عام، والهدف السوري المعلن وقتها هو وضع حد للحرب وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبلها.

وصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي برقم 1559، طالب بخروج الجيش السوري من لبنان وبالفعل اكتمل الانسحاب في 26 أبريل/نيسان 2005.

لكن طوني بولس وهو كاتب ومحلل سياسي، رأى أن "هذا الانسحاب لم يتم كما يجب أن يكون، بحيث نشأ احتلال من نوع آخر وهو هيمنة حزب الله تدريجيا لصالح النفوذ الإيراني وبالتالي استبدل الاحتلال السوري باحتلال حزب الله ذات الهوية الإيرانية".

وأردف بولس أن "لبنان لم يستقل طوال هذه المدة والشعب اللبناني وقع بعد خروج النظام السوري فريسة النظام الإيراني ولبنان يدفع أثمان هذا الأمر"، مضيفا "لبنان لن يستطيع أن يستقلّ إلا إذا سلك نهج الحياد وخرج عن المحاور الإقليمية التي هي دائما في صراع مستمر".

وتتهم دول خليجية في مقدمتها السعودية، إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة وبالتدخل في الشؤون الداخليّة لدول عربيّة، بينها لبنان واليمن وسوريا والعراق وهو ما تنفيه طهران وتقول إنها تلتزم بعلاقات حسن الجوار.

وبشأن إن كان لبنان واقع بالفعل تحت سيطرة إيران عبر حزب الله، قال قاسم قصير وهو كاتب ومحلل سياسي مقرّب من حزب الله "لا أوافق، صحيح أنّ إيران تلعب دورا في لبنان كما هي بقيّة الدول، سواء العربيّة والأجنبيّة والدور الإيراني ممكن أن يكون أقوى من غيره بسبب حزب الله".‎

وأضاف "اليوم هناك تدخلات خارجية عدّة، فلبنان محاصر من السعودية والولايات المتحدة، لذا لا أعتبر أننا تحت سيطرة إيرانية أبدا".‎

وذهب إلى أن "المسؤولين اللبنانيين قد يطلبون مساعدة من سوريا مجددا لحلّ الأزمات التي تحلّ على البلاد".

وحول استطاعة نظام الأسد أن يساعد لبنان وسط الحروب والأزمات التي تلاحق هذا النظام، ردّ قصير "يستطيع. الحلّ أن الزعماء في لبنان قد يتجهون مجددا وبدعم دولي وخاصة روسي، إلى طلب تدخل سوري في لبنان وليس من الضروري أن يكون عسكريا مباشر لمعالجة أزمات لبنان ولاسيّما هناك تخوف من حصول اضطرابات أمنيّة في المرحلة المقبلة بسبب الأزمات المالية والاقتصادية".

واعتبر قصير أن "الحل الوحيد هو عودة الجيش السوري إلى لبنان"، مشدّدا على أنه "ليس نوع من الاحتلال، وإنما مساعدة".