ثورة الأنثى في "الكوتشينة"

قصة "بنت الكوتشينة" لعطيات أبوالعينين جاءت إرهاصة قوية التنبيه للذهن تقول للقارئ أنا باكورة ثورة الأنثى لتحفز كل كيانه لتلقي ما يليها من قصص.
"بنت الكوتشينة" ككل البنات مظلومة مقهورة تعسة في اللعب، في الحب، في الحياة بأسرها
الكاتبة المصرية تنتصر للمرأة من صورة الغلاف والعنوان حتى القصة الثلاثين

جاءت قصص "بنت الكوتشينة" حبات عقد تعلم الكاتبة جوهرها وثمنها وقيمتها ورموزها؛ تفك شفرتها بمهارة اللعيب المحترف لفنون الحياة؛ تلضم حبة بحبة بحرفية تشد القارئ؛ فلا يترك القراءة حتى يحسم اللعبة.
من بنت الكوتشينة إلى المجنونة إلى الشايب إلى الآس والتريبل والسنيورة إلى بلاك جاك وكن كان والهيلاهوب .. إلخ.
بدأت الكاتبة ببنت الكوتشينة التي جاءت إرهاصة قوية التنبيه للذهن تقول للقارئ أنا باكورة ثورة الأنثى لتحفز كل كيانه لتلقي ما يليها من قصص.
فى "بنت الكوتشينة" نجد الكاتبة تنتصر للمرأة من صورة الغلاف والعنوان حتى القصة الثلاثين، حيث جعلت لقصة "بنت الكوتشينة" الصدارة وصورتها على  الغلاف؛ لتعلن عن رغبتها فى جعل المرأة في المقدمة لشعورها بأنها ظلمت.
جاءت بعض العناوين باللغة العربية الفصحى وبعضها باللهجة العامية، والبعض الآخر باللغات الأعجمية غير المعربة كما تقاربت بعض العناوين مثل (البرواز المذهب / الضفيرة الذهبية / السوار الذهبي) مما يدل على حرص الكاتبة على وضع الأنثى في أطر ثمينة خلال المتون والعناوين.
بدت قصة "بنت الكوتشينة" - القصة الأولى للمجموعة - لوعي القارئ وثقافته وعاداته وتقاليده ضربا من الجنون من حيث ثورتها على الأوضاع السائدة للمرأة وتحسرها الممزوج بقرار الثورة الفعلية على وضع الأنثى في مجتمعنا:

القليل جدا من القصص يحتاج لبعض التكثيف مثل المجنونة، التريبل، السوار الذهبي، الذي هو أهم خصائص فن القصة القصيرة

[هى ككل البنات مظلومة مقهورة تعسة في اللعب، في الحب، في الحياة بأسرها؛ مرت بعينيها على ورقاتها الأربع التي سحبتها من على الأرض؛ ولدهشتها وجدتها كلها بنات، أربع بنات ليس فيهن ولد واحد يقش، يبصر، يلملم الورقات الأخرى؛ لكي تربح ولو ورقة واحدة.
جعلت الكاتبة المرأة في محور اهتمام غير عادي بقولها:
-    لا يمكن أن يستمر هذا الوضع.
نظر إليها وتساءل في دهشة:
-  أي وضع تتحدثين عنه؟!
قالت له:
- أن يربح الولد ولا تربح البنت.
تأخذنا الكاتبة هنا إلى جدل ساخن ومدهش لتلك الفكرة المجنونة تشبه إلى حد كبير من يطالب "بأن تشرق الشمس من المغرب". ها هي الكاتبة الدكتورة عطيات أبوالعينين التي تتفوق على نفسها في كل مرة تكتب لنا، فهي لايشبهها أحد دائما تتفرد في فكرة العمل ودهشة العرض له بقولها:
أشهرت سيفها في وجهه صائحة:
- لماذا لا تربح البنت وتقش مثلها مثل الولد؟! 
جرب أن تقش بالبنت وتجد أنها "العدالة" أن لا يأخذ أحدهما فرصة الآخر ومن المدهش أنها فعلا قشت بالبنت فهي هنا وضعت حجر الأساس لتغيير قوانين اللعبة؛ وانتصرت للمرأة  بجملة واحدة في قولها:
نظرت إليه بتحد: قشت كل الأوراق بالبنت.
نجد الكاتبة تصبغ معظم قصص المجموعة بصبغة من حياتها فهي عالية الثقافة نقية الشعور وكلما انتقلت من قصة لضمتها بسابقتها لتجعلنا أكثر انبهارا وافتتانا بالطريقة الفنية التي أحدستها في سرد قصصها من الآس إلى التريبل إلى السنيورة إلى "بلاك جاك" إلى "كن كان" ..الخ بقولها:
(من اليوم أصبحنا ثلاثة تريبل؛ 
 فلنطرد لعنة الآس).
ترفض الكاتبة في قصص "بنت الكوتشينة" أن تكون المرأة "علفا لأسماك الشهوة"  كما قال موسى صبرى في روايته "فساد الأمكنة"؛ فهي تركز على الفرد وخصائصه المنفردة كما طرحت قضية البنات في القصة الثانية للمجموعة "المجنونة" بقولها كان يطلقون عليها "مجنونة" ومن منهن ليست مجنونة؟!
تحمل كتابات عطيات أبوالعينين نمطا متفردا من التفكير القيمى الكثير من السلوك البشري الثورة / النبل / الإيمان بما قسمه الله لنا مثلما سردت قصتها الثالثة الشايب أو الشائب كتبتها باللهجة العامية لتكون قريبة الوقع على النفس البشرية رغم أن القصة كتبت باللغة العربية الفصحى سردا وحوارا، وقد برعت الكاتبة فى توصيف النفس البشرية فى مرحلة المشيب، وكيف جعلت تغيير لون الشعر وتغطية الشيب عبئا على الشايب فما هي إلا أيام ويفتضح الأمر بزوال الصبغة.
نجد الكاتبة ماهرة في الإمساك بخيوط النفس البشرية؛ خبيرة بمسالكها ودروبها؛ تمزجها بالأحلام تارة وباليأس تارات، وهي تهتم بالتفاصيل في إيجاز يتواءم مع حرفية القص. "

short story

[نظر في المرٱة فوجد هالة من الشيب؛ فضحت كان كان يخفيه لا عن أعين الناس؛ بل عن نفسه، لم يصدق هل شاب في أيام قلائل إلى هذه الدرجة، أم أنه أدرك شيبه فقط عندما ظهرت هي في حياته؟! فكان الحل في صبغة الشعر. لكن الكاتبة تباغتنا بلفظة فنية في كلمة واحدة توقف جريان نهر الأمل في نفس الشايب ألا وهى لفظة (عمو).
جعلت القارئ يدرك توهم الشايب بأن جارته التى يعشقها تبادله نفس الشعور واقتناعه بالأمر الواقع لخصته فى عبارة واحدة عندما دعته ليشهد على عقد قرانها  ( مبروك ابنتى ) 
طرحت الكاتبة قضايا مجتمعية غاية في الخطورة الشراية والصفعة والقوقعة والعوض البراوية. ضرتي مرارة المشمش. لنتوقف عند القصة القاسية على المشاعر النفسية للمرأة أن لا يكون الرجل رجلا له القوامة فتلك القصة (النص بـ النص) وتعمدت فصل الكلمتين بين القوسين رغم تطابقهما لفظا ومعنى، هكذا أرادت أن تقول لنا الكاتبة. (النص بالنص) تلك القصة التي لم تخل من صعق عنصر المفاجأة للقارئ فهي تناولت العنوان باللهجة العامية لإثارة ذهن القارئ وحيرة توقعاته من سيقتسم مع من ؟! وماذا سيقتسم؟!
ليجد أنه أمام انشطار لروح المرأة أمام قسوة مشاعر الرجل الذي لا يمثل كل الرجال؛  انتهت القصة بنفس العبارات التي ابتدأتها بها بقولها: [نصف ونصف؛ نصفان اقتربا من بعضهما البعض تلامسا؛ اتحدا معا التحما ليكونا واحدا صحيحا].
بدا الزوج ماديا بشكل صارخ ولم تقل بخيلا أو أنه سيتقاسم مع زوجته راتبها في الغربة مقابل مرافقته لها لكنها جعلته مشغولا كعادتها مشغولا بـ (ٱلته الحاسبة) يعمل حسابا لكل شيء؛ ثم تخاتلنا الكاتبة لتضعنا أمام زوج يصرف ببذخ على ليلة لسهرة مفاجئة تتحول خلالها الزوجة لفراشة تطير فرحا وسرعان ما تصدمنا بمباغتته لها بـ (فاتورة الحساب) خاتلت الكاتبة عقولنا ومشاعرنا لتلقى الحدث؛ هو حدث في ظاهره النبل وفي باطنة الخسة. 
وصفت عطيات أبوالعينين المرأة في بعض  قصصها بصيغ المبالغة بكل صورها سواء خلال العناوين مثل الشراية والبرواية أو أثناء السرد، فهي مست طبائع بعض النساء كما جعلت الرجل في بعض القصص القليلة عنصرا ثانويا وأصبغت عليه بعضا من العيوب ونواحي القصور في دوره كرجل كما في قصة (السنيورة) بعرض الصراعات بين الرجال حول الفوز بالمناصب أو بقلوب الجميلات، فلا تخلو النفس البشرية من الخيانات رغم أنها انتصرت في هذه المجموعة لبنت الكوتشينة (المرأة)
وظفت الكاتبة اللغة بشكل قوى لما تمتلكه من ثروة  لغوية هائلة أجادت توظيفيها، فاللغة عند الكاتبة قوية رصينة بليغة كاشفة للقضايا المطروحة كما تجيد الكاتبة توظيف اللغة تجيد توصيف الإحساس كما هو الحال في قصة "الآس" بقولها:
[ذقت وبال الوحدة؛ قاسيت مرارتها كم تمنيت أن يمن الله على بطفل يملأ عليّ ذلك الفراغ القاسى؛ دايما أحسبنى ورقة "آس" يابسة جافة أو نغمة شاردة مبتورة وقعت من عازف؛ فعزفت عن السعادة وعشت متألمة حزينة].
نجدها هنا قد وظفت الجذر (ع ز ف) بمعانيهه المختلفة فاستخدمته في توصيف حال المرأة التي يتأخر إنجابها وما تلاقيه من معايرة والإحساس بالعجز عن الحمل فاستخدمت أصول الكلمة في معنى العزف "أحسني ورقة آس جافة أو نغمة شاردة مبتورة وقعت من عازف؛ فعزفت عن السعادة". "العزوف" فهي توظف اللغة بشكل يخدم الحدث ثم تفاجئنا بحملها وتصعقنا فكرة أن تأتي الرياح بما لايشتهى الربان فيأتي الحمل ليولد مسخا.
وكأن الكاتبة في قصة "الآس" تربى ضمائرنا وتهذب وجداناتنا لنرضى بما قسمه الله لنا، وكأنها تقول لنا في هذه القصة الرضا بالمقسوم عبادة وعلينا ألا نتمرد على جمر المقدور. 
قصص "بنت الكوتشينة" كما كتبت سالفا أنها سردت بأنامل جواهرجي فن القص رغم أن القليل جدا من القصص يحتاج لبعض التكثيف مثل المجنونة، التريبل، السوار الذهبي، الذي هو أهم خصائص فن القصة القصيرة، ولكن الكاتبة برعت وتفوقت على نفسها في هذا العمل الذي يضيف الكثير لفن القص في مصر والوطن العربي.