ثورة الياسمين في لحظة يأس

يردد التونسيون "إذا الشعب يوما أراد الحياة". لكن القدر كما يبدو كان عنيدا فلم يستجب.

بعد ثمان سنوات على ثورتها التي أشعلت نار ما يُسمى بـ"الربيع العربي" تبدو تونس كما لو أنها في حاجة إلى ثورة جديدة، يحقق من خلالها الشعب ما كان يصبو إليه من آمال حين قام بثورته الأولى.

لقد تدهورت الحالة المعيشية بطريقة لم يتوقعها أحد.

ما من شيء يوحي بأن هناك أملا في الخروج من أزمات، يغلب عليها الافتعال لما له علاقة بدوافعها الحزبية، البعيدة كل البعد عن أي مشروع وطني جامع، يمكن من خلاله انقاذ البلاد من أزماتها.

ولكن أين هم الثوار الذين قادوا الحراك الشعبي الذي أدى كما يُقال إلى سقوط نظام بن علي؟

سؤال يتعثر مثل كرة بين قدمي السبسي والغنوشي وتغطيه سحب دخان معارك بين نداء تونس وحركة النهضة، كما لو أنهما الطرفان المعنيان بتأجيل الإجابة عليه بعد أن صار أشبه باللغز المنسي بالنسبة للشعب التونسي.

لقد انتهت الثورة بفعل المسار "الديمقراطي" إلى أن تكون غنيمة للمنتصرين في الانتخابات. ما من شيء من أدبياتها يرد في خطابات المختلفين على صيغة الحكم، سلبا وايجابا. وكما يبدو فإن هناك استسلاما جماعيا لحقيقة أن الثورة انتهت منذ أن بدأ عصر المحاصصة بين المنتصرين الوهميين الذين لم يكن لهم دور في الثورة. 

كل أسباب الثورة لا تزال قائمة.

الفقر والعزل والتغييب وسوء الخدمات والفساد والمحسوبية وهدر المال العام وازدراء الخبرات والتعامل بفوقية مع الشعب والصفقات المريبة وسواها من مفردات التاريخ الرث الذي سعى التونسيون إلى الانتصار عليه من خلال شعارهم "إذا الشعب يوما أراد الحياة".

ولكن القدر كما يبدو كان عنيدا فلم يستجب.

الشعب التونسي اليوم مغمور بتعاسته وهو يفكر بثورة لم ينتج عنها إلا نظام سياسي مفكك، ممزق، بكفين تضرب أحدهما الأخرى لتصنعا ايقاعا لرقصة الطائر الذي يرقص مذبوحا. 

اللعبة التي ينشغل في تدوير أدواتها السياسيون المكرسون حزبيا لا تمت بصلة إلى اللعبة التي كان الشعب يود أن يحضرها. الشعب في حقيقة موقعه من لعبة السياسيين هو ضيف غير مرغوب به. إنه كمَن يتفرج عنوة على حدث لا صلة له. حدث لا يعنيه.

هل ثار التونسيون من أجل أن يكونوا ضحايا لمكر سياسي فريد من نوعه على مستوى عالمي؟ المطلوب منهم أن يندموا. ولكن لا شيء في نظام بن علي يمكن النظر إليه بأسف. ثم أن الحنين إلى ماض من ذلك النوع لا يعبر إلا عن فشل لا يليق بشعب له خصاله الحميدة.

أعتقد أن الامر بدأ مع خيانة الثورة.

كان الاستسلام لما سمي بالخيار الديمقراطي أولى الخيانات. لو كانت هناك ثورة حقيقية لما حدث ذلك الاستسلام المذل.

لو كانت هناك ثورة لما التفت أحد إلى الديمقراطية ولما كانت هناك حاجة إلى اختراع "نداء تونس".

هذا يعني أن حركة النهضة التي لم تكن واقعيا جزءا من الحراك السياسي الفعلي الذي يقف وراء اسقاط نظام بن علي قد نجحت في أن تقطف الثمار قبل أن تنضج. وهو ما دفع بها إلى القبول بنداء تونس شريكا لأنه يسد الطريق أمام الثوار الحقيقيين الذين اغتيلوا أو تم تغييتهم وراء جدار الخوف.

سألني صديقي التونسي رضا العموري ذات مرة "هل تتوقع أن تعود حركة النهضة إلى الحكم؟" فأجبته من غير أن أفكر "نعم". بعدها ندمت على ذلك الجواب الذي أذهل صاحبي والذي نظر إلي باستغراب. ولكن أكثر ما أخشاه أن يكون جوابي نبوءة لما سيحدث في تونس.

فاللعبة الديمقراطية التي استسلم لها التونسيون قد تؤدي بهم إلى هاوية من ذلك النوع. ما من شيء أسوأ من خيار تفرضه لحظة يأس. وكما أعتقد فإن التونسيين وصلوا إلى تلك اللحظة.