جدل بين الأنا والآخر يطل من معرض فتحي الميساوي
الفن فكرة القلب حيث الجهات سفر وفي دروب العناصر أخذا بناصية الحلم بالجديد والمبتكر خروجا وعمقا ونظرا وفق ما به تقول الذات شواسعها بكثير من حرقة البحث والتنقيب... التنقيب في أعماق الكينونة.. في أرض الجسد وهو الناهض بكل أمنيات الكائن والقائل بأثقاله الباعثة على الجمال...
هكذا هي الذات تجاه عالم الفن ومنه التشكيل وما يتصل بالبصري في لعبة باذخة متنوعة الضروب التي منها محاورة الجسد للأخذ بعوالمه إلى مناطق تكمن فيها سرديات التلوين محاكاة واستنطاقا.. من هنا نمضي مع عوالم الفنان التشكيلي الدكتور في جماليات الفنون وممارساتها فتحي الميساوي الذي سافر مع الفنون في تعدد تلويناتها حبا وهياما وبحثا (الرّسم الزيتي، الخزف، النحت، الحفر، الموسيقى، الرّقص، فن الفيديو، الشعر، المطالعة، التصوير الرقمي...)..
تعددت أنشطته العلمية والفنية من معارض وندوات وفعاليات منها معرضه الحالي بعنوان "خيوط الذاكرة" بفضاءات دار الثقافة علي الدوعاجي بسوسة والذي يقول عنه "تبدأ مقاربتي التّشكيليّة بأحمر يسكن شرايين الجسد، كما يسكن الإحراق جوهر النار، وكل الألم يتدفّق كالحمم من فوهة البركان. ألم وآهات تراقص جسدي مطلق الذراعين في الفضاء، كما يطلق الغراب جناحيه نحو قلعة منسيّة. ليمرّ الزّمان وتختلف الأمكنة، ليبقى هذا الجسد المُغترب موطنا لكلّ شيء. شجرة تتجلّى فيها وعبرها الحواس، لتتشكّل رُؤى فنّية منسوجة بخيوط من الذّاكرة، لأسطورة أراكني Arachné، العنكبوت الناسجة وصراعها مع الآلهة أثينا. هذه العوالم الحسيّة الكامنة، الناسجة لأثر جسدي، أتتبّع خُطواته المُتعثّرة في ثنايا النّسيان، خُطوات فريدة، مُختلفة ومشوّهة، لما يعانيه جسدي من اختلاف شكّلي، لأجعل من مفهوم التّشوّه فيهِ سِمة تشكيليّة، أنسج بها تجربتي الفنّية، تجربة حسيّة تعكس خفايا، أسرار وأحداث أحيكها بطرقٌ مُشفّرة، أخفي بين ألياف الصّوف فيها حكايات آبَى الحديث عنها. كلّ عمل يحمل أمنية لم ولن تتحقّق أبدًا، حسرة التّمنّي، جعلتني أنسج ما لم يتحقّق في الواقع، لأحقّقه في خضم إنشائيّة فنّية، عبر فرشاة الرّسم وخيوط النّسيج. فاخترت عنوان خُيوط الذّاكرة".
ويضيف "لتتالى النقاط بعد التّذكّر وتكون النقطة بداية لعقدة، أسعى من خلالها لطرح إشكال بقي عالقًا ومعقودًا في قصور ذاكرتي، ألم الاختلاف وتمنّي التّشابه جعلني أربط وأعقد خيوطًا أشبّهها بالغرز الجراحيّة، علّي أسترجع حنين مؤلم لذكريات طفولتي التي قضيتها في مستشفى "سهلول"، تلك العمليّة الجراحيّة في عمر الخمس سنوات، والتي لم يتحقّق نجاحها بسبب رقّة الأوعية والشرايين الدمويّة، خوف تمزّق العروق عند الالتواء، لأترجم العروق وشرايين الدّم في شكل خيوط وكريات حمراء وبيضاء، مقاربة للكريات الدموية، هذا الأحمر الدّال على الدماء والأبيض الرامز لعظام الجسد. ثنائيّة وجدال لوني فرض وجوده على كافة أعمالي التشكيلية، كشلال خارق من الدماء ونزيفًا حادًّا للذّاكرة، ترجمة تشكيلية لذاكرتي المُلطخة بالدّماء وطفولتي البريئة ناصعة البياض... لألفّ الخيوط، لأخفي، وأحمي وأربط ذكريات لا أريد نسيانها رغم ألمها".
ويتابع "في تجربتي كبّة الخيوط هي بذرة لذاكرة منسوجة في أرض قاحلة، شائكة، لطالما ألمت خطواتي بنظرة الآخر الجارحة. خُيوط الذّاكرة... هو جدال بين الأنا والآخر، بين الذّاكرة والنّسيان...".
من أنشطته العلمية ومساهماته نذكر مداخلة علميّة ضمن الندوة العلميّة: أيّ محسوس في الفنون، ومداخلة علميّة ضمن اليوم الدراسي: رهانات المعنى في التجارب الفنيّة المُعاصرة، ومداخلة علميّة تحت عنوان: الممارسة الرقميّة الافتراضيّة وإنشائيّة العمل الفنّي زمن الذكاء الاصطناعي ضمن الندوة العلميّة "الفن والذكاء الاصطناعي".
وله عدة مقالات منها مقال علمي منشور في المجلة الدوليّة المحكمة "أطلنتس" تحت عنوان: صورة الجسد المشوه: ألم الاختلاف ولذّة الإبداع/ تجربة جوديث سكوت. العدد الثامن عشر، ومقال علمي منشور تحت عنوان: صورة العنف في العرض الأدائي وانفعالات الجسد الناسج/ تجربة لوراتو شادي. ضمن كتاب جماعي "دفاتر السيرداف"/ تجليات الفنون، منشورات المركز الدّولي للبحث والتوثيق في الفنون الحيّة، ومقال علمي منشور ضمن كتاب جماعي تحت عنوان: الممارسة الرقميّة الافتراضيّة وإنشائيّة العمل الفنّي زمن الذكاء الاصطناعي ضمن الندوة العلميّة "الفن والذكاء الاصطناعي، ومقال علمي منشور بكتاب تداخل الفنون بدعم من المندوبية الجهوية للثقافة بسوسة، جمعية ابن رشد للفكر والإبداع- الدورة 07.
وفي العرض لأعماله الفنية مشاركات متعددة منها المعرض الشخصي الحالي تحت عنوان "خيوط الذّاكرة..." بدار الثقافة علي الدوعاجي بحمام سوسة.
تجربة ومعارض وبحث في المجالات التشكيلية ومشاركات مميزة، فضلا عن الحضور الأكاديمي في الندوات العلمية الواقعية والافتراضية والنشر في مجالات الفنون ومواضيعها المتنوعة.