جماعات الإسلام السياسي.. اختلاف التوجهات

 الاختلافات بخصوص مصادر التشريع في الإسلام السياسي أودت إلى ظهور جماعات وأحزاب إسلامية سياسية ذات توجهات متباينة.

بقلم: كمال ازنيدر

إن السامع عن الإسلام السياسي لأول مرة، قد يقوده جهله لكل شيء عن هذا التيار إلى الاعتقاد بأنه توجه سياسي واحد، لا اختلاف فيه بين جماعة إسلامية وأخرى أو حزب إسلامي وآخر إلا في بعض الجزئيات أو الحيثيات - خصوصا أن هناك جهات إعلامية وسياسية تروج لمغالطات مفادها أن الجماعات والأحزاب الإسلامية كلها متشابهة وكلها رجعية وإرهابية، لكنه وبمجرد أن يبدأ البحث والتنقيب في حقيقة هذا التيار السياسي فسيكتشف أن اعتقاده الأولي كان مخطئا للغاية وأن ما تروجه هذه الجهات الإعلامية والسياسية هو في واقع الأمر أكذوبة. فالإسلام السياسي ليس بتيار متجانس إنما هو مزيج لحركات فكرية سياسية مختلفة بل متناقضة، قد يستغرب العقل انتماؤها لدين نفسه التيار السياسي نفسه.

توجهات ومكونات

  • "السلفية العلمية" القائمة على إعادة بناء التعاليم الأخلاقية التي كانت سائدة في العصر الأول للإسلام بشكل سلمي ومن دون اللجوء إلى أعمال العنف أو العمليات الحربية.
  • "السلفية الجهادية" القائمة على الجهاد المسلح لإقبار الأنظمة العربية الطاغية ومهاجمة الأهداف الغربية دفاعا عن المسلمين من العدوان الغربي.
  • "الناشطون السياسيون الإسلاميون" الذين اختاروا العمل السياسي السلمي مستخدمين أفكار وتقنيات حديثة ومنظمات سياسية معترف بها لتحقيق هدفهم المتمثل في إقامة الدولة الإسلامية.
  • "الفدائيون" الذين يؤمنون بأن الطريق الأوحد لإقامة المجتمع الإسلامي الذي يرغبون فيه هو الكفاح المسلح فحسب.
  • "مسلمو الشتات" أو "المسلمون في الغربة" الذين يحاولون الإبقاء على هويتهم الإسلامية في بلدان المهجر.
  • "جناح النخبة الحاكمة" المتكون من الإسلاميين الذين يتم الإشراف عليهم من قبل النخبة الحاكمة التي تساعدهم من خلال الدعم المادي واللوجستيكي والإعلامي عبر وسائل الإعلام الرسمية.
  • "المتعاطفون" الذين لا ينتمون عمليا لهذه التنظيمات والذين يرون النشطاء والفدائيين كأبطال وعظماء وشهداء يضحون بحياتهم من أجل القيم النبيلة.

بينما ذهب آخرون إلى تصنيف الحركات الإسلامية وفقا لتصنيف مكون من أربعة أصناف رئيسية، وهي كالتالي:

  • "الحركات الإسلامية السياسية" السلمية وذات الخلفية الإخوانية والتي تميل إلى العمل من داخل النظام السياسي والاجتماعي السائد، وتسعى إلى دفعه إلى التغيير بروح إصلاحية سلمية لا ثورية انقلابية معتمدة في ذلك منهج التدرج والنضال المدني بالتعاون مع القوى القومية والوطنية المعارضة.
  • "الحركات الإسلامية السلفية" التقليدية وذات المنحنى التعميمي والإرشادي، والتي لم تكن تهتم بالسياسة كثيرا، لكن التطورات الاجتماعية والسياسية التي عرفها العالم العربي خلال العقد الأخير دفعتها إلى تغيير منحى سيرها وجعلتها أكثر تسيسا وأعمق وعيا بالشأن المحلي.
  • "الحركات الجهادية الثورية" السلفية الفكر في الغالب الأعم والمختلفة عن السلفيين التقليديين في موقفها من الحكام والأنظمة الحاكمة وميلها إلى الانقلاب عن السلطة واستعمال العنف والعمل المسلح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الدولة الإسلامية.
  • "حركات الإسلام الليبرالي" التي يدعمها الغرب لمواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة والداعية إلى الحلول الليبرالية المعتدلة لمشاكل الدين والمجتمع، والمهتمة بقضايا مختلفة مثل الديمقراطية وفصل الدين عن السياسة وحقوق المرأة وحرية الفكر.

وخلص تقرير للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات إلى تقسيم الجماعات والأحزاب الإسلامية إلى ثلاثة تيارات رئيسية، وهي:

  • "تيار التوجه الإسلامي السياسي" المشتمل على حركات تعطي الأولوية للعمل السياسي على الخطاب الديني وتسعى للسلطة بواسطة وسائل سياسية وليس بالعنف، متخذة شكل أحزاب سياسية كما هو الحال بالنسبة لحزب الحرية والعدالة بمصر وحزب العدالة والتنمية بالمغرب، إلى آخره.
  • "تيار النشاط التبشيري" المتجدد والأصولي في آن واحد المتجنب لممارسة النشاط السياسي بشكل مباشر، والذي لا يسعى للسلطة ولا يخلق مؤسسات حزبية، بل يركز فقط على النشاط التبشيري كالدعوة لتثبيت أو إحياء الإيمان والحفاظ على تماسك الأمة بالتمسك بالنظام الأخلاقي الذي يدعو إليه الإسلام (الحركة السلفية وجماعة التبليغ كخير مثال).
  • "تيار الجهاديين" الملتزم بالعنف لتوسيع رقعة دار الإسلام أو الدفاع عسكريا عن الأمة والرد على هجمات الأعداء الكفار والمنقسم إلى تيارين رئيسيين: السلفية الجهادية المنظمة إلى صفوف الجهاد المسلح بعد انفصالها عن الحركة السلفية واقتناعها بعدم جدوى سلميتها والقطبيون الذين انشقوا عن جماعة الإخوان المسلمين متأثرين بالفكر المتطرف للسيد قطب وتكفيره للمجتمعات والحكومات العربية ودعوته إلى نسفها (جماعة الجهاد الإسلامي المصرية، القاعدة...). في حين اعتمد بعض آخر تقسيما بسيطا يقسم الإسلاميين إلى قسمين:
  • "المحافظون"، الوهابيون على سبيل المثال، الذين يعتبرون أن الشريعة الإسلامية نظام شامل.
  • "التطويريون"، الذين يعتبرون الشريعة الإسلامية نظاما كونيا للقيم يجب تفسيره وأقلمته.

 اختلفت التوجهات الإسلامية السياسية بشأن مصادر التشريع في الإسلام السياسي وانقسمت إلى ثلاثة مذاهب:

  • المذهب الأول يرى أن هذه المصادر هي مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية؛
  • المذهب الثاني يرى أن هذه المصادر هي القرآن، ثم السنة "وفق شروط معينة"، ثم التشريع الصادر من أولي الأمر في إطار الشريعة الإسلامية، دون غيرها من المصادر.
  • المذهب الثالث يقول إن هذه المصادر هي مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية ويضاف إليها المصادر المأخوذ بها في القانون الوضعي شريطة ألا تتنافى مع الشريعة الإسلامية.

هذا فيما يخص التشريع المتعلق بأنظمة الحكم الإسلامية، أو بشكل آخر مصادر الدستور في الإسلام وكذا القانون الجنائي وغيره من القوانين المؤطرة للحياة العمومية بداخل المجتمع، أما فيما يخص التنظيمات الداخلية لجماعات وأحزاب الإسلام السياسي فكل تنظيم حر في تسيير أموره واختيار آساليب وكيفيات تنفيذ برامجه ومخططاته السياسية شريطة احترام بعض الضوابط الشرعية التي لابد من مراعاتها في اعتماد الكيفيات أو التنظيمات، وهي:

  • أن تكون محققة للمقصود الذي من أجله وضعت.
  • ألا تخالف قاعدة من القواعد الشرعية أو مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية ؛
  • أن لا تخالف دليلا من أدلة الشرع التفصيلية.
  • أن لا تترتب عنها مفسدة تسيء للمصلحة المراد تحقيقها.

هذه الاختلافات بخصوص مصادر التشريع في الإسلام السياسي أودت إلى ظهور جماعات وأحزاب إسلامية سياسية ذات توجهات متباينة ومتباعدة بشكل كبير جدا. مبادئ وأفكار هذه التكتلات ليست فقط مختلفة بل متناقضة إلى حد يستعصي معه التصديق أو التسليم بأنها جميعها تنبع من نفس الدين وتنتمي إلى التيار السياسي نفسه.

فكما هناك إسلام سياسي يأمر بقتل المرتد، هناك إسلام سياسي آخر ينهى عن هذا القتل ويعتبره كبيرة من الكبائر. وكما هناك إسلام سياسي يرى في المرأة مخلوقا ناقص عقل لا يصلح إلا للاهتمام بالأشغال المنزلية وتربية الأولاد، هناك توجه إسلامي سياسي مغاير يعتبر المرأة إنسانا كاملا، عليه أن يدرس ويعمل مثله مثل الرجل.

الهوامش

1. عبير شوقي ذكي جرجس، العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا، المكتب العربي للمعارف - القاهرة (2015)

2. نهى عبدالله السدمي، الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وجنوب شرق أسيا، مكتبة مدبولي - القاهرة (2014)

3. المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات - الشرق الأوسط، محاولة لفهم التوجه الإسلامي، التقرير رقم 37 حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، القاهرة (مارس 2005)

4. توفيق بن عبد العزيز السديري، الإسلام والدستور، وكالة المطبوعات والبحث العلمي وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - الرياض (2004)

5. محمد شاكر الشريف، تحطيم الصنم العلماني : جولة جديدة في معركة النظام السياسي الإسلامي، دار البيارق - بيروت (2000)

6. Wendy Kristianasen, "Coran, politique et société", Le Monde diplomatique (Décembre 1996, Page 27),  En ligne : https://www.monde-diplomatique.fr/1996/12/KRISTIANASEN/5939

7. Kamal Znidar, "Islamisme, terrorisme et autoritarisme... Des liens réels ou fictifs", Editions Edilivre - Paris (2017)

كاتب مغربي