جماعات الإسلام السياسي.. بعد كورونا

جماعات الإسلام السياسي تجد في الأزمات الفرص المواتية لتشكيل أفكارها في سعيها لإسقاط أنظمة الحكم المدنية وإقامة نظامها الديني تحت عنوان مستدام.

بقلم: هاني سالم مسهور

منذ ظهور كورونا، انشغل الإعلام العربي بالبحث عن إجابة حول المستقبل السياسي للعالم ما بعد هذا الوباء. خُصصت مئات البرامج والفقرات والمقالات في استقراء ما سيكون عليه حال الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والروسي ما بعد انتهاء مرحلة كورونا، وعلى الرغم من أهمية ما يطرح، غير أنه يحمل تناسياً لخطر لطالما كان مهدداً للمنطقة العربية، عبر أفكار جماعات الإسلام السياسي التي تسببت في تردي الحالة السياسية والاقتصادية لعدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في السياق التاريخي، فإن جماعات الإسلام السياسي ارتبطت بالهزات العالمية، فبعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ظهر تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر، وانتشر في القرن العشرين عبر العديد من البلدان العربية، كذلك ما حدث من دفعة لهذه الجماعة بعد الحرب العالمية الثانية، يضاف إلى ذلك ارتباط نشاط هذه الجماعات بمختلف الاهتزازات العالمية. وحتى تلك الأحداث التي شكلت وجه العالم العربي.

بعد نكسة 1967 وجد تنظيم «الإخوان» اهتزازاً في الكيانات العربية، تسلل منه عبر أفراده في مصر وسوريا والعراق واليمن وعدد من البلدان الخليجية، هذه الجماعات الدينية تجد فرصتها المواتية في الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فيكفي هنا الإشارة إلى أن هذه الجماعات تحالفت في ما بينها بعد الحرب العالمية الثانية، ونجحت في تغيير النظام السياسي في إيران، وأسقطت الحكم الليبرالي، وزرعت نظام حكم ديني في الشرق الأوسط.

مختلف الاهتزازات حول العالم تجد من خلاله جماعات الإسلام السياسي الفرص المواتية لتشكيل أفكارها، وحتى صناعة عضلاتها في سعيها لإسقاط أنظمة الحكم المدنية وإقامة نظامها الديني تحت عنوان مستدام، منذ نشأة هذه التيارات الفكرية في مطالع القرن العشرين، وهو استعادة دولة الخلافة الإسلامية، حتى مع التوظيف التركي في العقود الأخيرة لهذه الرغبات المجنونة، تظل النزعة مرتبطة بعقائد تكرست عبر ما يقارب قرن من الزمن، كانت فيه نزوات الجماعات الإسلاموية جامحة.

صحيح أن هناك صراعاً عالمياً يرتكز على الاقتصاد بين الشرق والغرب، وأن الصين والولايات المتحدة ستشكلان قطبي العالم ما بعد جائحة كورونا، ولكن علينا تذكر أن هذا الصراع لم يكن طارئاً؛ فالولايات المتحدة لا ترى في الصين سوى أنها امتداد للشيوعية، وحتى هذا التجاذب بين بكين وواشنطن ليس بطارئ، بل هو امتداد لخلافات اقتصادية وصلت لمرحلة الحرب التجارية بين الصينيين والأميركيين في السنوات الخمس الأخيرة، نتج عنها اتفاق هش تحطم مع ظهور وباء كورونا.

الأهم هو النظر إلى جماعات الإسلام السياسي، التي لم تجد لها مدخلاً للعب دور التأثير في تداعيات وباء كورونا، لسبب مباشر وهو أن مختلف الأنظمة العربية تعاملت مع الوباء عبر الشفافية وبمختلف القطاعات الحكومية، مما أغلق على أفراد هذه الجماعات التسلل في الفراغات للتأثير على المتلقي والمواطن العربي الذي وجد في هذه الأزمة أن الأنظمة السياسية تؤدي ما عليها، بما تمتلك من إمكانيات متاحة.

لا يستدعي ذلك الاسترخاء في مواجهة خطر هذه الجماعات، التي يبدو أنها ستجد فراغات تسمح لها باستعادة خطاب الكراهية والتوظيف السياسي، مع استمرار تشكل العالم سياسياً بعد كورونا، الفراغات تبدو جاهزة فيما ستذهب إليه مصائر عدد من الدول العربية كاليمن وسوريا والعراق ولبنان، فهذه دول بات عليها من المستحيل تصحيح مسارها الوطني بعد كل هذا التفكك وغياب الأفق السياسي، الذي يمكن أن يحصنها من أن تتحول إلى أوطان فاشلة قابلة لصراعات مستدامة، بوجود قوى إقليمية (تركيا وإيران) ستعرف كيف تستفيد من التشظي الواقع على هذه البلدان، التي لا يبدو في المنظور القريب والمتوسط قدرتها على تشكيل بناء وطني يحميها من أن تكون لقمة سائغة لجماعات الإسلام السياسي المتربصة.

نُشر في الاتحاد الإماراتية