"جنة في صدري" .. طرافة الفكرة وجدتها

تهاني آل دويهم تطرق بابا إبداعيا جديدا، قلما يطرقه غيرها، ألا وهو الجمع  بين عدة فنون في كتاب واحد: "القصة والترجمة والرسم".
"القصة القصيرة جدا" فن يعد من أحدث الفنون السردية في الأدب العربي المعاصر
لا نختلف على مضمون العمل

بقلم: حسن حجازي

صدر حديثاً  كتاب "جنة في صدري" للكاتبة السعودية تهاني آل دويهم، وهو عبارة عن مجموعة من النصوص (القصصية القصيرة جدا) كما صنفها الناشر، قمتُ بترجمتها من اللغة الأصل (العربية) إلى اللغة الإنجليزية، والنصوص مدعمة بلوحات تشكيلية للفنانة سارة آل دويهم (شقيقة الكاتبة)، ومرافقة لكل نص منها على حدة، مع ترجمة للإنجليزية مصاحبة لكل نص من النصوص ولوحة تستوحي مادتها الفنية من الفضاء اللغوي لهذه النصوص المتعددة الأفكار والإتجاهات والرؤى.
ولعل أهم ما يمتاز به هذا العمل هو طرافة الفكرة وجدتها، فهو خطوة جديدة، وتجربة فريدة من نوعها للكاتبة، لطرق باب إبداعي جديد، قلما يطرقه غيرها، ألا وهو الجمع  بين عدة فنون في كتاب واحد: "القصة والترجمة والرسم".
وهذا أمر - بحد ذاته - يحسب للمؤلفة، لجرأتها في اقتحام مجال التجريب، وفي خوض غمار تجارب إبداعية جديدة، لم يألفها القارئ العربي، أو لربما احتاج  لوقت يطول أو يقصر لفهمها، خصوصاً حين يتعلق الأمر بما يعرف بـ "القصة القصيرة جدا" وهو فن يعد من أحدث  الفنون السردية في الأدب العربي المعاصر، كما يقول حمد حميد الرشيدي. ويكمل ويسأل عن: "ما الآلية التي قامت الكاتبة بموجبها بتصنيف عملها هذا على أنه (قصص قصيرة جداً) كما هو موجود على الغلاف الخارجي؟"  فهو يقول: "أنا كقارئ - لا أجد - حقيقة – مبررًا  واضحاً لتصنيف هذا العمل على هذا النحو، وإنما أرى أن حصره في إطار فن القصة يحتاج إلى إعادة نظر، لعدم توفر الشروط المعروفة لهذا الفن في هذا العمل!".
فهو يقرر: "ونحن - بالتالي - وإن اختلفنا على الشكل، أو التصنيف وإشكالية المصطلح، فإننا لا نختلف على مضمون العمل، وأنه جهد أدبي جيد، ومحاولة لاكتشاف آفاق تعبيرية جديدة، ولغته جميلة وشفافة ومعبرة، وهذا ما يهمنا كقراء، نبحث عن الإبداع في كافة أشكاله وصوره، ومهما كان جنسه أو تصنيفه. أما التصنيف فهو مسألة أخرى قد لا تعني إلا المختصين  بها دون عامة القراء".
ونجده يقرر مقترحا: "فإني أرى أن أقرب التصنيفات له هو ما يعرف بفن "الابيجرام EPIGRAM " وهو - في الأصل - مصطلح يوناني قديم يعني بمفهومه الواسع (النقش) أو الكتابة بالحفر على القبور في الحضارة اليونانية القديمة، لكن أدباء العصر الحديث ونقاده - من العرب وغيرهم - توسعوا في استخدام هذا المصطلح حتى صارت له أسماء عدة ومدلولات كثيرة، وإن ظل المعنى الإجمالي لها واحداً في نهاية المطاف، مثل: التوقيعة، الشذرة، الومضة، اللقطة، الفلاش، الأنقوشة، اللافتة ...إلخ".
ويختتم الباحث إطلالته محددا: "لكن أعتقد أن أنسب الأسماء لهذا العمل النثري الموجود بين أيدينا الآن هو الابيجرام القصصي".
لكن من خلال ترجمتي ورؤيتي الإنطباعية في المقام الأول لهذا العمل المتميز أن تلك النصوص تقترب حقيقة بقربها من ناحية التصنيف لما يُعرَف "بالابيجرام القصصي". وقد ذكرت ذلك في مقدمتي لتلك المجموعة، لكنني أضفت أن تلك المجموعة تأخذنا في اتجاه ربما يكون جديدا علينا في تجربته وليس في مضمونه بما يعرف "بتكامل الفنون"؛ حيث نجد أن اللوحة المصاحبة تتكامل مع الكلمة بل وتضيف أبعادا أخرى إليها مما نجد إضافة وبعدا دراميا، أو قصيدة متدفقة أو قصة قصة جدا تفيض بالإيحاء والمدلول، مفعما بالحزن أو الفرح، كل هذا لا يشكل عائقا  أو اختلافا طالما نحن بصدد عمل متميز يتسم بالكثير من سمات النصوص القصيرة جدا التي تمزج بين الكلمة واللوحة المتناغمة معها والمكملة لها في تكامل وتناغم بين الريشة والقلم، ريشة الرسام وقلم المبدع، حقيقة في هذا العمل لدينا مجموعة متميزة من النصوص المحتلفة المنسوجة بعناية ووعي ومهارة.
وهنا أعرض بعض تلك النماذج هنا:
تركت ُفراغا شاسعا في صدري وضممته.
***
ولأنّه الشروق .. كن لأجلي.
***
في جوفي.. أشعر بأنك تعيش في صدري.
تدرك شوقي.. فأنت جزئي، جميعك (نصفي)!
اُنظر لعيني.. إليك خذني وحتى (ظلّي) لا تتركه خلفي.
***
كعادتها الفجرية توقظ العصافير في أوراقها الصغيرة .. وتنتظر! 
***
له كتبتُ رسائل حب صغيرة تُـخبر عن أشياء كثيرة!
قبّلتُ الرسالة الأولى ولآخر أحرفها ابتسمتُ.
***
ولأني لا أرى مِن الرجال إلاّك .. شد على يدي!
***
صباح المحبّة التي لا أراها في عينيك!
***
وختاما أود الإشارة لصعوبة تصنيف هذا الشكل الإبداعي وعمدت هنا لعرض تلك النصوص أعلاه كنماذج من هذا العمل الذي وضعتُ له عنوانا داخليا مصنفاً إياه:
 "لوحات شعرية" داعيا للأحبة الإتفاق أو الإختلاف في تحديد وتصنيف هذا العمل، فأيا كان المسمى والتصنيف فنحن بصدد عمل يتسم بالطرافة والجدية والتجديد ويُيحسَب للمؤلفة تهاني آل دويهم هذا الجهد المبذول نحو إبداع جديد وأعمال أخرى مميزة .