جنوح طهران للصدام يلقي بظلال ثقيلة على الشارع الإيراني

الشعور باليأس والإحباط يدب في نفوس الإيرانيين من أزمة الاتفاق النووي، وسط مخاوف من أن يدفع الشعب ثمن سياسة المواجهة التي يؤججها المرشد الأعلى تحت مسميات دينية.
تحدي إيران للتحذيرات الغربية يرتد أزمة داخلية
الشارع الإيراني يخشى من أن تطول أزمة الاتفاق النووي
لا إجماع في إيران على تصعيد التوتر مع واشنطن
الشعب الإيراني سئم من سياسات المواجهة

طهران - تسبب قرار إيران الاستمرار في تحدي الولايات المتحدة برفع نسبة تخصيب اليورانيوم عن الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي المبرم في 2015 في تعميق المخاوف بين الإيرانيين من أن تظل بلادهم في حالة الأزمة في الأمد البعيد.

وسجلت أسعار السلع الأساسية ارتفاعات كبيرة في إيران كما تتزايد أعداد الباحثين عن فرص العمل في صفوف الشبان الإيرانيين. وفي ابريل/نيسان قال صندوق النقد الدولي إنه من المتوقع أن ينكمش اقتصاد طهران للسنة الثانية على التوالي ومن الممكن أن يصل معدل التضخم إلى 40 بالمئة.

وقال غربان علي حسيني المدرس بمدرس ابتدائية في مدينة شيراز "المعيشة غالية جدا. والأسعار ترتفع كل يوم تقريبا. مرتبي يبلغ نحو 200 دولار وعندي طفلان".

وأضاف "أعمل في ثلاث وظائف ومع ذلك أجد صعوبة في توفير احتياجات أسرتي. يجب أن تكف أميركا عن إلحاق الأذى بالناس الإيرانيين أمثالي من خلال فرض عقوبات على بلدنا".

وتقول السلطات الإيرانية إن نسبة العاطلين عن العمل تبلغ 15 بالمئة من مجموع قوة العمل. وتعد المرتبات ضئيلة لكثير من الوظائف الرسمية الأمر الذي يعني أن الرقم الفعلي لمن ليس لهم عمل مناسب أعلى على الأرجح بكثير.

وقال سوروش الذي يلقي اللوم على سياسات المواجهة التي تتبعها القيادات الإيرانية "أريد أن أعيش حياة طبيعية. أنا حاصل على شهادة جامعية لكني عاطل عن العمل ويائس وحزين. والآن مع هذه التوترات أصبحت أقل تفاؤلا وخائفا".

ويقول الحكام من رجال الدين إن العقوبات ستزيد قوة إيران. ويلقى هذا المنطق صدى لدى بعض الإيرانيين الموالين للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.

وقال حسين باقري (27 عاما) عضو ميليشيا الباسيج في مدينة قم المقدسة "نحن جنود الإمام خامنئي وسنلتزم بأوامره"، غير أن كثيرين من الإيرانيين يقولون إنهم سئموا الصراع الذي تسببت فيه القيادة في البلدين.

وقالت نيرة صدقات المدرسة المتقاعدة البالغة من العمر 56 عاما في مدينة بوشهر "أتوسل إليكم أيها القادة السياسيين في أميركا وفي إيران أن تسمحوا لنا بالعيش في سلام".

ويخيم التوتر على الشارع الإيراني في ظل شعور الغالبية بوطأة العقوبات الأميركية وغياب أي مؤشرات على التهدئة في الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمة سيولة وشحا في النقد الأجنبي.

وكانت هذه العوامل مجتمعة سببا في اندلاع انتفاضة انطلقت من بازار طهران بقلب العاصمة الإيرانية وسرعان ما توسعت لمناطق أخرى لكن الأجهزة الأمنية الإيرانية أخمدتها بالقوة.

وبات اليأس والإحباط سيد الموقف في الشارع الإيراني في الوقت الذي يروج فيه خامنئي لاقتصاد المقاومة بينما تتوارى الحكومة خلف دعاية فضفاضة تتحدث عن قدرة طهران على الصمود في وجه الضغوط الغربية.

وحتى الآن فشل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو/ايار من العام الماضي ضمن حملة الضغوط التي يقودها الرئيس دونالد ترامب على إيران، في إرغام حكامها على إعادة التفاوض.

وأكدت إيران اليوم الاثنين أنها رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء أعلى من المسموح به بموجب الاتفاق، في مؤشر على مضيها في تصعيد التوتر وجنوحها للصدام والدخول في مواجهة مع أكثر من جبهة بما فيها مع الشركاء الأوروبيين الموقعين على الاتفاق النووي.

الحكام من رجال الدين يقولون إن العقوبات ستزيد إيران قوة ويلقى هذا المنطق صدى لدى بعض الإيرانيين الموالين للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي

وشدد ترامب الذي أمر الشهر الماضي بتوجيه ضربات جوية لإيران ثم تراجع عنها في اللحظات الأخيرة، على ضرورة أن يتوخى قادة إيران الحذر.

ومنذ مايو/أيار الماضي يمارس الرئيس الأميركي ضغوطا شديدة على طهران من خلال حزمة عقوبات يصفها متابعون لتطور الملف الإيراني بـ"القاسية".

واستهدفت أشدها قطا النفط الذي يعتبر شريانا ماليا حيويا بالنسبة لإيران ومصدر مهما لتمويل نشاطاتها ووكلائها في المنطقة.

وقالت ربة بيت تدعى فيروزة (43 عاما) في مدينة بابلسر "نعم الحياة صعبة بسبب العقوبات. نعم أعتقد أن ثمن هذا البرنامج (النووي) باهظ على الشعب الإيراني"، مضيفة "لكن مهما كان السبب فأنا أعارض تعرض بلادي لهجوم". وطلبت مثل إيرانيين آخرين استخدام اسمها الأول فقط بسبب الحساسيات.

وقد أخذت المواجهة بعدا عسكريا إذ اتهمت واشنطن طهران بمهاجمة ناقلات نفط وأسقطت إيران طائرة أميركية مسيرة الأمر الذي كان الدافع وراء قرار ترامب بتوجيه ضربات انتقائية لأهداف إيرانية قبل أن يتراجع عنه في اللحظات الأخيرة.

وبموجب الاتفاق النووي مع القوى العالمية تم رفع العقوبات التي ظلت سارية سنوات على إيران لتتمكن من إبرام صفقات تجارية عالمية مقابل فرض قيود على البرنامج النووي، لكنها لم تكد تجني أي فوائد حتى قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق.

والهدف من سياسة ترامب التي تقضي بفرض "ضغوط قصوى" على إيران هو دفع حكامها لقبول قيود أشد صرامة على نشاطها النووي والتخلي عن برنامجها الصاروخي وتقليص دعمها لفصائل متشددة في صراعات الشرق الأوسط.

وتقول واشنطن إنها لا ترغب في مواجهة عسكرية مع إيران، لكنها مستعدة وجاهزة للرد على أي هجوم إيراني على القوات والمصالح الأميركية في المنطقة.

ويريد الرئيس الأميركي جرّ الإيرانيين لمفاوضات على اتفاق جديد تحت الضغط وبقيود أوسع وأشد على برنامجيها النووي والصاروخي، لكن طهران ترفض "التفاوض تحت الضغط"، مشككة أصلا في رغبة ترامب في الحوار.