جواهر أثرية وتاريخية في مالي فريسة للإهمال والنسيان

وجود تمبكتو حاضرة الثقافة الإسلامية في الغرب الإفريقي والجامع الكبير في جينيه ومدفن اسكيا في مناطق تشهد نزاعات، والثقافة ليست في قلب الأولويات في بلد شكّل مهد العديد من الاتنيات والإمبراطوريات.
مالي من أفقر الدول في العالم تخصص ميزانية ضعيفة للثقافة
فشل فعاليات 'اليوم الوطني للتراث' في سيغو
اليونكسو اعادت ترميم تمبكتو بعد وقوعها تحت سطوة الجهاديين

سيغو (مالي) – في مالي تتصدر المشاكل الأمنية سلم الأوليات، ما ينعكس إهمالا للثقافة في هذا البلد الغني بالتراث والذي يشكّل مهد الكثير من الاتنيات والإمبراطوريات، ويعرّض تاليا الكثير من الآثار القيّمة للخطر.
فمدينة تمبكتو، حاضرة الثقافة الإسلامية في الغرب الإفريقي وملتقى القوافل التجارية في الصحراء، وقعت تحت سطوة الجهاديين الذين دمّروا جزءا كبيرا من أضرحتها الشهيرة المخصصة لـ333 من الأولياء المسلمين وأعادت اليونكسو ترميمها في هذا الموقع المدرج في قائمة التراث العالمي للبشرية.
وتشتهر مالي أيضا بالجامع الكبير في جينيه الذي يعدّ من أبرز معالم الهندسة المعمارية التقليدية في بلاد السودان والساحل.
وتضاف إلى هاتين الجوهرتين، منحدرات باندياغارا الصخرية (الوسط) في بلاد دوجون ومدفن اسكيا في الشمال، وهي كلّها واقعة في مناطق تشهد نزاعات ويتعذّر الوصول إليها اليوم.
يرقد جثمان بيتون ماماري كوليبالي الذي حكم مملكة بامبارا في سيغو، منذ القرن الثامن عشر في قبر على ضفاف نهر النيجر وهو قد يصبح ماضيا منسيا بسبب إهمال المواقع التراثية في البلد، على ما يحذّر أحد أحفاد الملك.
ويقول كوكيه كوليبالي زعيم بلدة سيغو-كورو التي كانت سابقا عاصمة مملكة بامبارا الإحيائية التي كانت تمتدّ على جزء كبير من مالي في حقبة ازدهارها "لا بدّ من الحفاظ على هذا الضريح، فهو جزء من ثقافتنا الجماعية".
وقد شُيّد هذا الضريح إلى جانب جامع أمغر محاط بجدار انهار جزء منه.
ويقول الرجل العجوز الذي يرتدي رداء أبيض تقليديا ويعتمر قبّعة داكنة اللون "لا بدّ من أن نهتمّ به جميعنا كي يثير تراثنا اهتمام العالم. فمن دون أعمال صيانة، سيصبح الضريح ماضيا منسيا".
بالكاد يزور هذا الضريح المشيّد في موقع وادع خمسون شخصا يوميا. ومن بين زوار أحد ايام الأحد، أربعة رجال في عقدهم الثالث من باماكو انتهزوا زيارة عائلة إلى سيغو لرؤية قبر الماك.
ويقول أحدهم واسمه آداما "هناك لافتة تعريفية، لكن لا بدّ من بذل مزيد من الجهود لإبراز تاريخ المملكة وتوضيح الأمور فعلا للزوار".
في بلد يشهد منذ العام 2012 حركات تمرد من انفصاليين وأخرى من متشددين، فضلا عن أعمال عنف دامية بين اتنيات متناحرة، ليست الشؤون الثقافية في قلب الأولويات وليس الترويج للتراث لسكان البلد البالغ عددهم 18 مليون نسمة بالمسألة السهلة.
في وسط البلد الذي يرزح بدوره منذ العام 2015 تحت وطأة أعمال عنف كانت بداية محصورة في الشمال، من الصعب الوصول إلى البلدات بسبب الاضطرابات السائدة.
ويقول بوكونتا سيسوكو المسؤول عن البعثة الثقافية في سيغو الذي كان يقوم بجولات بالدراجة النارية أو شاحنة البيك آب لملاقاة السكان "يتعذّر الوصول إلى ما يقرب من نصف الدوائر" الإدارية.

ويردف "ينبغي تخصيص موارد تقنية ومالية للخبراء في الشؤون الثقافية كي يتسنى لهم الوصول إلى القيمين على التراث الذين قد يكونون من الزعماء القبليين ليتمكن هؤلاء من رفع الوعي في أوساط مجتمعاتهم".
وحظرت الدولة، لأسباب أمنية استخدام الدراجات النارية وشاحنات البيك آب الصغيرة التي عهد الجهاديون على استخدامها. وبالرغم من رفع هذا الحظر في آب/أغسطس في سيغو، لم يتسن لسيسوكو بعد استئناف جولاته.
وبات الأخير يفضّل استخدام الأثير. وهو يقول "يستمع الناس إلى الراديو وهي وسيلة جدية"، مطالبا بزيادة الموارد المالية المخصصة لهذا الغرض.
وفي ظلّ النزاعات المحتدمة وما خلفته من ضحايا بوتيرة شبه يومية، لم تخصص مالي التي تعدّ من أفقر الدول في العالم، هذه السنة سوى 8,7 مليارات فرنك إفريقي (حوالى 13,3 مليون يورو) لميزانية الثقافة، في مقابل 278 مليارا (أكثر من 423 مليون يورو) للدفاع.
ويقول دولاي كوناتيه أستاذ التاريخ في جامعة باماكو إن "مشقات الحياة اليومية لا تسهل الأمور، فجل ما يهمّ الناس هو تأمين سبل الصمود".
وهو يلفت إلى أن "المسألة تكمن في التمسك بالتراث، وهي مطروحة منذ ما قبل اندلاع الازمة. ولا بدّ من أن يجد الجيل الشاب مكانا له في الخطاب الوطني. والأمر يزداد صعوبة عندما يبدو التاريخ بعيدا جدا في الزمن".
وفي سيغو، باء "اليوم الوطني للتراث" بالفشل في أواخر أيلول/سبتمبر، ولم تستقطب فعالياته سوى بعضة أشخاص.
ويقول كوناتيه "لدينا تراث مشترك يجمعنا على اختلاف مشاربنا".