جوزيف عون يتعهد بمكافحة الفساد خلال جولات ميدانية
بيروت - يواصل الرئيس اللبناني جوزيف عون جهوده لإعادة الاعتبار لدور مؤسسات الدولة عبر حملة ميدانية نشطة لمكافحة الفساد، الذي يعتبره أحد الأسباب الرئيسية وراء الانهيار الشامل الذي يعاني منه البلد منذ سنوات وذلك في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية والمالية التي أثقلت كاهل اللبنانيين،
فقد قام الرئيس عون، خلال الأيام الأخيرة، بجولات مفاجئة على عدد من المؤسسات العامة، كان آخرها زيارة لمقر المديرية العامة لأمن الدولة، حيث التقى المدير العام اللواء إدغار لاوندوس وكبار الضباط، مؤكدًا أن "مهمتكم الأساسية مكافحة الفساد لأنه في أساس الأزمة الاقتصادية وعذابات اللبنانيين". وأضاف بحزم "لا تهاون بعد اليوم مع الفاسدين والمرتكبين، ولا حماية لأحد. ارفضوا أي ضغط يمكن أن تتعرضوا له".
وتأتي هذه الحملة، التي تبدو بمثابة تحرك غير مسبوق في العمل المؤسساتي اللبناني في وقت يرزح فيه لبنان تحت أزمة مالية غير مسبوقة، طالت قطاعات أساسية كالمصارف، والطاقة، والتعليم، والرعاية الصحية. ويرى مراقبون أن تحركات الرئيس عون تمثل محاولة حثيثة لإعادة ثقة المواطن بالدولة، بعد أن اهتزت لعقود بفعل تغلغل الفساد وسوء الإدارة والولاءات الطائفية والسياسية.
وكان عون قد زار في وقت سابق مرفأ بيروت ومصلحة تسجيل السيارات والآليات في إطار متابعته الميدانية للمؤسسات التي لطالما عرفت بكونها بؤرًا للفساد الإداري والمالي. وقال من المرفأ "يجب انتظام الرقابة الجمركية على البضائع واستيفاء الرسوم بعدالة، ولن نتساهل مع المخالفين" مضيفا في خطاب للمواطنين مباشرة "أنا هنا لأني أعرف مشاكلكم... من يغطّي الفساد هو شريك فيه".
ومع أن هذه الجهود تأتي في سياق إصلاحي مطلوب، فإنها تصطدم بإرث ثقيل من الفساد السياسي، تراكم خلال سنوات من هيمنة حزب الله والثنائي الشيعي على مفاصل القرار في البلاد. وقد وفّرت هذه الهيمنة غطاءً سياسيًا واسعًا لمسؤولين متورطين في ملفات فساد كبرى، أبرزهم رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان السابق، الذي يواجه تحقيقات داخلية ودولية تتعلق بتبييض الأموال، الإثراء غير المشروع، واختلاس المال العام.
أنا هنا لأني أعرف مشاكلكم... من يغطّي الفساد هو شريك فيه
وطوال فترة الأزمة، ظل سلامة محاطًا بحصانة سياسية حالت دون مساءلته الفعلية، وسط اتهامات مباشرة للثنائي الشيعي، المتمثل في حزب الله وحركة أمل، بممارسة ضغوط على مؤسسات الدولة والقضاء لحمايته. ويُنظر إلى هذا النمط من التواطؤ بين السياسة والمصالح المالية كأحد أسباب فشل لبنان في تنفيذ إصلاحات جدية تشترطها الجهات المانحة الدولية.
ورغم أن جوزيف عون يواجه تحديات كبيرة في معركته ضد الفساد، من بينها البنية العميقة للمحاصصة الطائفية والتحالفات السياسية التي تقف عائقًا أمام المحاسبة، إلا أن تحركاته الميدانية ووضوح خطابه يمثلان بداية مسار مختلف.
ويرى مراقبون أن نجاح هذه الحملة مرهون بدعم شعبي حقيقي، واستقلالية القضاء، وتوفير غطاء سياسي فعلي يسمح بالمحاسبة الشاملة دون تمييز أو استثناء. كما أن مواجهة ملفات الفساد الكبرى لا يمكن أن تكتمل دون كسر الحواجز التي صنعتها قوى الأمر الواقع، وعلى رأسها حزب الله، والتي لطالما حالت دون كشف الحقائق أو معاقبة المسؤولين.
في بلد أنهكته الأزمات، قد لا تكفي الجولات التفقدية وحدها لتغيير الواقع، لكن الرسالة التي يبثّها جوزيف عون مفادها أن مرحلة الإفلات من العقاب يجب أن تنتهي، وأن الدولة لا تزال قادرة على استعادة دورها، ولو تدريجيًا.