'حاجة... أخرى' تحصد ثلاث جوائز في أيام المسرح العربي

المسرحية التونسية تنافست على جوائز دورة حسان بلكيرد مع مسرحيات من الجزائر وسلطنة عمان وفلسطين والعراق.
تقاسم جوائز هذه التظاهرة عدد من الفرق المشاركة بالنظر إلى التقارب في مستوى العروض

سطيف (الجزائر) - تحصلت المسرحية التونسية "حاجة... أخرى" للمخرج محمد كواص على ثلاث جوائز في اختتام النسخة الثانية من أيام المسرح العربي التي انتظمت بمدينة سطيف الجزائرية من 14 إلى 18 فبراير/شباط الجاري.

وحصدت "حاجة... أخرى" جوائز أفضل إخراج وأفضل سينوغرافيا وكذلك أفضل ممثل التي فاز بها يحيى الفايدي مناصفة مع الممثل العراقي جاسم محمد عن دوره في مسرحية "عزرائيل".

وشاركت وزارة الشؤون الثقافية بتونس متابعيها على صفحتها بفيسبوك صور الجوائز، مهنئة كامل فريق العمل من مخرج وممثلين وتقنيين، مجدّدة حرصها على دعم المبدع التونسي في مختلف تجاربه الفنية والإبداعية ليكون نقطة مضيئة في سماء المحافل الدولية.

وكتب يحيى الفايدي الحاصل على جائزة أفضل ممثل عن دوره بالمسرحيةفي تدوينة على صفحته بفيسبوك "حاجة أخرى.. مرة أخرى... تتويجات خارج تونس هذه المرة".

وكانت مسرحية "حاجة… أخرى" فازت بجائزة العمل المتكامل في اختتام الدورة التأسيسية من المهرجان الوطني للمسرح التونسي التي انتظمت من 7 إلى 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهي مسرحية عن نص وإخراج لمحمد كواص وأداء يحيى الفايدي وأصالة كواص.

وتدور أحداث العرض خلال ساعة حول "مان" و"كان" شخصيّتان تُنْسَيانِ خارج المحلّ "البوتيك" مِنْ قِبَلِ صاحب المحلّ. يَتَتَبَّعانِهِ في ليلته قبل السّفر. رحلةٌ يكتشف الجمهور معها المدينةَ ليلًا في فضاءاتٍ مختلفةٍ. وباختلافِ الفضاءِ تختلف معهم رؤية المتفرج للمدينةِ، للمواطنِ، ولوضع البلادِ وتناقضاتِها… لتنتهي الرحلة بعودتِهِما إلى المحلِّ دون التفكيرِ في الخروجِ مجدّدًا.

والطريف في هذا العمل أن الشخصيّتيْن في المسرحية هما تمثالان لعرض الملابس على واجهة محلّ، شخصيتان جامدتان يطغى عليهما السكون والعدم، لكن المخرج محمد كواص بعث في شخصيتيْ عمله روحا جديدة لتحيى، فبدأت أجسادهما تنبض حركة متخذة منحًى تصاعديّا فتبدآن في تعلّم اللغة وهي إحدى الخصائص المميّزة للإنسان وبها تتحقق إنسانيته، وبهذا المشهد استهلّت المسرحية لتبدأ معها المسيرة الإنسانية في الحياة.

والعمل المسرحي "حاجة… أخرى" هو فعلا "حاجة أخرى"، بالمصطلح التونسي، فهذه المسرحية تُميّزها كتابة ركحية جديدة متمرّدة على المألوف، ويمكن اعتبارها تجربة تبحث عن كتابات ركحية جديدة غير مستهلكة من حيث الاختيار الجمالي سواء في اللعب الدرامي للممثليْن يحيى الفايدي وأصالة كواص أو من حيث بساطة الديكور المتمثل في إطارات من الخشب طوّعها المخرج في الانتقال السلس من مكان إلى آخر وهي أماكن عديدة منها واجهة المحل والمصعد الكهربائي والمستشفى والمطار وغيرها، ثم ليخطّ المخرج من خلالها حكاية ذات أبعاد عميقة في المحتوى رغم بساطتها في الشكل ويثير عديد القضايا المركزية ذات الصلة بالمجتمع التونسي وحتى العربي.

وتميّز أسلوب العمل المسرحي، بالحضور اللافت للممثليْن على خشبة المسرح والسيطرة التامة عليه من خلال تركيز الوعي الجسدي والنفسي على المسرحية والمشاهدين.

وقد كان للانضباط اللافت في حركة الممثليْن وأدائهما خلال العرض المسرحي كله بعد جمالي في الاستحواذ على تركيز المشاهد الذي ظل مشدودا لروح الثنائي يحيى الفايدي وأصالة كواص على خشبة المسرح وأدائهما الركحي المتفرّد حركةً وقولاً.

وارتكزت المسرحية على جملة من المتناقضات أهمها علاقة الرجل بالمرأة وكذلك من حيث "عروسة البازار" والإنسان، فهذا التمثال المخصص لعرض الأزياء على واجهات محلات بيع الملابس، وهو يتتبع صاحب المحل ويروي ما يجري في المدينة، يبدو أكثر حكمة ووعيا وعقلانية من الإنسان رغم أن الإنسان هو الكائن العاقل. وهنا ينبّه المخرج من اختلال التوازن في سلوك المجتمع نتيجة انقلاب القيم وانهيار الأخلاق و"الدوس" على القوانين المنظمة للحياة للعلاقات الاجتماعية.

ووفق وكالة تونس أفريقيا للأنباء، فإن المخرج محمد كواص أثار جملة من القضايا منها ما هو متصل بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي القائم على غرار الصحة والتعليم والتشغيل والاستغلال الاقتصادي والفوارق الطبقية والاجتماعية، إلى جانب قضايا إنسانية كونية تتعلق بالعدالة والحريات والاضطهاد واستعباد الإنسان للإنسان مما أفقده آدميته.

وتنافست مسرحية "حاجة... أخرى" على جوائز الدورة الثانية من أيام المسرح العربي والتي تحمل اسم حسان بلكيرد الذي كان أول من أسس فرقة مسرحية في سطيف خلال فترة الاستعمار الفرنسي، مع المسرحيتين الجزائريتين "اللعبة" و"حلاق إشبيليا" و"الغريب النقيب" من سلطنة عمان، و"بأم عيني" من فلسطين، و"عزرائيل" من العراق.

وقبل الإعلان عن الجوائز كشفت لجنة التحكيم أنه بالنظر إلى التقارب في مستوى العروض، فإنها قررت تعويض الجائزة الكبرى أحسن عرض مسرحي متكامل "حسان بلخيرد" بجوائز أخرى أكثر إنصافا.

وتكونت لجنة تحكيم المسابقة من رئيس اللجنة المؤلف المسرحي الجزائري أحمد رزاق، والأعضاء المخرج المسرحي عامر حامد من العراق والمخرج المسرحي حافظ خليفة من تونس والكاتبة المسرحية صفاء البيلي من مصر والممثلة المسرحية سميرة صحراوي من الجزائر.

وتقاسم جوائز هذه التظاهرة عدد من الفرق المشاركة بالنظر إلى التقارب في مستوى العروض، فقد عادت جائزتا أحسن تأليف وأحسن أداء نسائي إلى بلاد الرافدين العراق ممثلة على التوالي في الكاتب غازي مثال عن نص مسرحية "عزرائيل" وبشرى إسماعيل عن دورها في ذات المسرحية.

أما جائزة أحسن أداء رجالي، فقد توج بها مناصفة الثنائي يحيى الفايدي من تونس وباسم محمد من العراق، وكذلك الأمر فيما يخص جائزة أحسن أداء رجالي واعد التي عادت مناصفة إلى الفنانين نزار سحنون عن دوره في مسرحية "حلاق إشبيليا" من الجزائر وزياد الخضرمي من سلطنة عمان عن دوره في مسرحية "الغريب والنقيب"، فيما ظفرت الجزائرية هاجر قرنيط بجائزة أحسن أداء نسائي عن دورها في مسرحية "حلاق إشبيليا".

وأوصت لجنة التحكيم بضرورة التركيز على طرق جلب الجمهور أكثر، والعمل على الدعاية أكثر للمهرجان، وفتح باب الترشح للمشاركة في الدورة القادمة لتكون أكثر تنوعا وزيادة المشاركات العربية.

واستمتع عشاق الفن الرابع في اختتام النسخة الثانية لتظاهرة أيام المسرح العربي بعرض مسرحية "عودة الحجاج" (خارج المنافسة) التي توجت بالعديد من الجوائز داخل وخارج الوطن من إخراج المخضرم المسرحي نبيل بن سكة تكريما لما قدمه هذا الفنان للفن المسرحي.

وتم خلال الدورة الثانية عرض العديد من المسرحيات من بينها "صمود حنظلة" (شخصية كاريكاتورية للرسام الفلسطيني ناجي العلي 1936-1987) من إخراج الجزائري جمال لعبيدي، و"الغريب والنقيب" من سلطنة عمان، و"حاجة أخرى" من تونس، ومونولوغ "بأم عيني 1948" من فلسطين، و"حلاق إشبيليا" للمسرح الجهوي لعنابة، و"عزرائيل" من العراق.

وحضرت فلسطين ضيف الشرف، عبر مشاركة الفنان المسرحي غنام غنام بعرض بعنوان "بأمّ عيني 1948"، وهي عمل مسرحي حكائي يتعمق في أبعاد القضية الفلسطينية بأسلوب وأداء مؤثر وصادق لفنان فلسطيني يوثق ويرصد زيارة حقيقية (غير معلنة) للأرض المحتلة منذ 1948 والتي قام بها الفنان غنام غنام عام 2017.

وقال رئيس المجلس الشعبي لبلدية سطيف حمزة بلعياط لوكالة الأنباء الجزائرية "وأج" بأن هذه التظاهرة من شأنها المساهمة في تطوير العمل المسرحي وطنيا وعربيا، وهي فرصة لاستقطاب التضامن مع مختلف القضايا العربية المشتركة.

وأكد رئيس جمعية "فن الإبداع الثقافي" التي نظمت هذه التظاهرة بأن القائمين على هذه النسخة يسعون إلى ترسيمها وجعلها مهرجانا وطنيا ينظم كل سنة.

وكان بلعياط أوضح في حفل الافتتاح أن "سطيف مدينة الشهداء ومنبت المقاومة وقبلة الأحرار من رجال الحركة الوطنية بكل أطيافها ومنهم الشهيد الفذ حسان بلكيرد الذي سميت باسمه هذه التظاهرة الثقافية".

ويشار إلى أنه تخلل حفل الاختتام عرض فيديو لمدة 10 دقائق حول شخصية الشهيد حسان بلخيرد (1905-1957) مؤسس الحركة الكشفية والمسرحية بسطيف، بالإضافة إلى تكريم العديد من الوجوه التي ساهمت في إنجاح هذه التظاهرة الفنية.