حادث مروحية رئيسي يُذكي نظرية المؤامرة

حادث الرئيس الإيراني يأتي في خضم نقاش محتدم حول خلافة خامنئي ووسط توترات مع إسرائيل.

طهران - يأتي حادث تحطم المروحية التي كانت تقل الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير حسين عبداللهيان، وسط توترات شديدة مع إسرائيل تفاقمت على اثر هجوم إيراني بمئات المسيرات والصورايخ على الدولة العبرية ردا على هجوم استهدف مبنى للقنصلية الايرانية في دمشق وقتل فيه عدد من كبار قادة الحرس الثوري.

وأطلق حادث تحطم المروحية التي لا يزال يكتنفه الغموض شأنه شأن مصير رئيسي ومن معه، العنان للفرضيات والاحتمالات بينما قفزت نظرية الاغتيال إلى الصدارة في ظل التوترات القائمة مع اسرائيل، لكن كثيرا من المحللين يستبعدون هذا الاحتمال، فتل أبيب العالقة في حرب غزة وأزمة سياسية داخلية لا يمكن أن تجازف بمثل هذا العمل وهي في غنى عن اي تصعيد خطير من هذا النوع الذي يمكن أن يشعل حربا مدمرة في الشرق الأوسط.

واستند البعض من الرأي المؤيد لنظرية الاغتيال إلى المنطقة التي سقطت فيها المروحية القادمة من أذربيجان التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل والتي تتهمها طهران بالتحول الى مركز لأجهزة الموساد الإسرائيلي وتهديد أمنها القومي، لكن حتى هذا الاستناد لا يبدو قويا بالنظر لخطورة التوترات في المنطقة والتي لا تحتمل أي مجازفة من هذا النوع وأن أقصى ما يمكن أن يقدم عليه الموساد عمليات اغتيال متفرقة وخارج الأراضي اايرانية أو استهدافات محدودة على غرار الهجوم الاسرائيلي على مواقع في ايران في الفترة الأخيرة كرد على الهجوم الايراني بالصواريخ والمسيرات أو هجمات على مواقع للحرس الثوري الايراني في سوريا.

واشاع الوضع الداخلي أيضا احتمالات ربطت بين الحادث والنقاش المحتدم حول خلافة المرشد الأعلى، حيث ينقسم النظام السياسي في إيران بين المؤسسة الدينية والحكومة، ويكون للزعيم الأعلى وليس الرئيس القول الفصل في جميع السياسات الرئيسية.

لكن كثيرين يرون أن رئيسي منافس قوي لخلافة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي (85 عاما) الذي يؤيد بقوة سياساته الرئيسية.

ويأتي احتدام الصراع على منصب المرشد في وقت يحظى مجتبى نجل المرشد الحالي، بتأييد الأجهزة الأمنية و«الحرس الثوري» لخلافة والده، وأدى دعم هذه الأجهزة لمجتبى إلى بروز خلافات بين أنصاره وأتباع رئيسي من عناصر التيار الأصولي.

وتجلّت الخلافات داخل أروقة الحكومة بين الفريق الاقتصادي الموالي لرئيسي والفريق الاقتصادي الموالي لـ"الحرس الثوري". كما برز صراع آخر بين أنصار الحكومة وأنصار مجتبى في البرلمان، إذ يدعم رئيس المجلس محمد قاليباف الأخير. وبينما تدعم أغلب مكونات التيار الإصلاحي ترشح حسن الخميني حفيد المرشد مؤسس الجمهورية الإسلامية لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة ضد رئيسي، أكد أحد أعضاء "خبراء القيادة" الحاليين أن معظم أعضاء المجلس يدعمون مقترح تشكيل لجنة قيادة مكونة من 5 أعضاء يختارون المرشد من بينهم بدلاً من أن يتم تنصيب شخص واحد خلفاً للمرشد، نظراً لغياب مرشح يمكنه سد الفراغ وجمع كل الأطياف السياسية والأمنية والعسكرية.

وارتبط اسم إبراهيم رئيسي بأكثر من حدث لافت وهو جعل الأضواء تسلط عليه. ربما الأكثر إثارة للجدل التسجيل الصوتي لنائب الخميني حسين علي منتظري حول إعدامات 1988 وكان رئيسي أحد "الفرسان الأربعة" في "فرقة الموت" الذين نفذوا أوامر الخميني في أكبر موجة إعدامات استهدفت نحو 3800 سجين سياسي أغلبهم دون سن 25 سنة.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان الأحد إن الوزارة تتابع عن كثب التقارير المتعلقة بتحطم طائرة هليكوبتر كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.

تواصلت عصر الأحد في شمال غرب إيران عمليات البحث عن مروحية كانت تقلّ الرئيس إبراهيم رئيسي حين تعرّضت إلى “حادث”، وفق ما أفاد مسؤولون ووسائل إعلام رسمية. وقال التلفزيون الرسمي إنّ “حادثاً وقع للمروحية التي تقلّ الرئيس” في منطقة جلفا في مقاطعة أذربيجان الشرقية (غرب).

وصرّح وزير الداخلية أحمد وحيدي للتلفزيون الرسمي أنّ المروحية “نفّذت هبوطاً صعباً بسبب سوء الأحوال الجوية”، موضحاً أنّه “من الصعب إجراء اتصال” مع الطائرة.

وأكد الوزير أنّ عمليات البحث بدأت للعثور على المروحية في ظلّ “ظروف جوية غير مواتية” بما في ذلك ضباب كثيف. وتابع وحيدي “قد يستغرق الوصول إلى منطقة المروحية بعض الوقت”، ويقع الموقع في غابة ديزمار قرب مدينة فرزغان.

كثيرين يرون أن رئيسي منافس قوي لخلافة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي (85 عاما) الذي يؤيد بقوة سياساته الرئيسية.

وأفاد مسؤول تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إن حياة رئيسي وأمير عبداللهيان “في خطر بعد سقوط الطائرة الهليكوبتر”. وأضاف “ما زال يحدونا الأمل لكن المعلومات الواردة من موقع التحطم مقلقة للغاية”.

وأوقف التلفزيون الحكومي جميع البرامج المعتادة من أجل عرض الصلوات التي تقام من أجل سلامة رئيسي في أنحاء البلاد، بما في ذلك مسجد في مدينة مشهد (شمال شرق). وظهرت في زاوية من الشاشة تغطية حية لفرق الإنقاذ وهي تبحث في المنطقة الجبلية سيرا على الأقدام وسط ضباب كثيف.

ولم يؤكّد الوزير ما إذا كان الرئيس إبراهيم رئيسي على متن المروحية التي كانت ضمن موكب من ثلاث مروحيات تقلّه برفقة مسؤولين آخرين.

لكنّ وكالة تسنيم أوردت أنّ المروحيتين الأخريين “وصلتا إلى وجهتهما بسلام”.

وأوردت صحيفة شرق الإصلاحية أنّ “المروحية التي كانت تقلّ الرئيس تحطمت” بينما هبطت المروحيتان الأخريان بسلام.

وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) أنّ رئيسي وكذلك وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان هما من بين ركاب المروحية. وأضافت أنّه “تمّ إرسال أكثر من 20 فريق إنقاذ مجهزة بكامل المعدات، بما في ذلك طائرات مسيّرة وكلاب إنقاذ”.

وزار الرئيس الإيراني الأحد محافظة أذربيجان الشرقية حيث قام خصوصاً بتدشين سدّ برفقة نظيره الأذربيجاني إلهام علييف على الحدود بين البلدين.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك، أعرب مرة أخرى عن دعمه للفلسطينيين في الحرب في قطاع غزة بين حماس وإسرائيل. وقال رئيسي “نؤمن بأنّ فلسطين هي القضية الأولى للعالم الإسلامي، ونحن على قناعة بأن شعبي إيران وأذربيجان يدعمان دائماً شعب فلسطين وغزة ويكرهان النظام الصهيوني”.

ويتولّى إبراهيم رئيسي (63 عاماً) رئاسة إيران منذ ثلاثة أعوام. ويُعدّ من المحافظين المتشدّدين، وتم انتخابه في 18 حزيران/يونيو 2021 في الجولة الأولى من اقتراع شهد مستوى امتناع عن التصويت قياسياً وغياب منافسين أقوياء. وخلف الرئيس المعتدل حسن روحاني الذي كان قد هزمه في الانتخابات الرئاسية عام 2017.

وأمر منذ توليه منصبه بتشديد قوانين الأخلاق، كما أشرف على حملة قمع دموية على الاحتجاجات المناهضة للحكومة ومارس ضغوطا قوية في المحادثات النووية مع القوى العالمية.

وتعزّز موقف إبراهيم رئيسي في الانتخابات التشريعية التي أجريت في آذار/مارس، وهي أول انتخابات وطنية منذ الحركة الاحتجاجية التي هزت إيران نهاية عام 2022 بعد وفاة الشابة مهسا أميني إثر توقيفها بتهمة عدم الامتثال لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

وأشاد الرئيس الإيراني حينها بـ”الفشل التاريخي الجديد الذي لحق بأعداء إيران بعد أعمال الشغب” في عام 2022.

ويؤيّد المسؤول الدبلوماسي بشدة الفصائل الموالية لإيران في الشرق الأوسط، وكان مقربا من الجنرال النافذ قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري والذي قُتل في العاصمة العراقية عام 2020 بضربة أميركية.