حامد شهاب يكشف أسرار صراع السياسة والثقافة

السياسي قد يرى أنه بحاجة ماسة إلى المثقفين والعمل على الاقتراب منهم خدمة لأغراضه.
المؤلف حرص من خلال هذا الكتاب أن يعرض وجهات نظر كتاب ومثقفين وصحفيين بارعين وعلى مستوى من الحرفية والمكانة
ضرورة أن يبقي المثقف على مسافة مع السياسي، إن أراد أن يكون له مكانة وتحترم كلمته.

بغداد ـ بقيت العلاقة بين المثقف والسياسي على مدى سنوات طوال، تعاني من حالات ارتباك وتشكك واضطراب وربما تناحر بين دور كل منهما في الحياة، ولم يتوقف هذا الصراع على مر الدهور، وان مر بحالات توافق ارتضى بها بعض الكتاب والنخب المثقفة والمشاهير من العلماء أن يكونوا على مقربة من السلطان، والاستفادة من موقع الشهرة لأغراض تأكيد الذات أو إشباع احتياجاتهم إلى المال، الذي ليس بمقدور إلا أصحاب الوجاهة أن يغدقوه على من يجدون فيه أنه يقدم لهم الخدمة الأفضل، ويقدمهم للآخرين، كشخصيات رفيعة، من خلال (تجميل) شكل العلاقة بين السلطان وكبار رجالات السلطة والمجتمع ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهم.
لكن حالات الاصطراع والتناحر والتضاد والاضطراب بين عموم المثقفين الكبار ورجالات السلطة والسياسة، كما يوضحها كتاب "صراع السياسة والثقافة.. تحليل معمق لأوجه الإصطراع والتناحر  والإضطراب بين السياسي والمثقف" للكاتب حامد شهاب والصادر عن دار (NOOR PUBLISHIKG) بألمانيا بقيت هي السائدة في أغلب الاحيان، لأن السياسي يرى أنه بحاجة ماسة إلى المثقفين والعمل على الاقتراب منهم خدمة لأغراضه، في حين يشعر كثير من المثقفين والكتاب المرموقين ومن لهم الكلمة العليا أنه لا بد وأن تبقى هناك مسافة بينهم وبين السياسي حتى وان عملوا ضمن أروقته، بل ان البعض فضل عدم الاقتراب من السياسيين خوفا على سمعتهم من أن تتلوث، ولكي يبقى وزنهم محترما بين أوساط الجمهور، لأن بعض هؤلاء المشاهير من الكتاب والمثقفين لا يريدون أن يكونوا تابعين لأحد يقودهم كيفما يشاء، وبعضهم له منازل كبيرة، وهو يشعر أن اقترابه من السياسي ربما يسبب له المتاعب ودوخة الرأس والصداع، إذ يجدون أن الاقتراب من السياسيين، ربما يسقطهم أمام الشارع.

من فضَّل التوافق وربما الاندماج مع السياسيين ورجالات السلطة العليا ورغب بإستغلال جهده وإبداعه لخدمة أغراض هؤلاء، وأصبح بوقا للسلطة فهذا هو خياره الذي ارتضاه لنفسه، وهو من يتحمل تبعات هذا الاقتراب اذا ما اضطربت العلاقة بينه وبين السياسي في قادم الأيام

ولهذا يحاول البعض منهم قدر الإمكان أن يترك مسافة بينه وبين السياسي لكي لا يتهم أنه قد انقاد وراء محاولات هذا الحاكم أو هذا السياسي، لاستغلال جهده العلمي والثقافي لإغراض خدمة الآخر الطامع بالاستحواذ على مقدرات الآخرين والعمل على تجيير إبداعهم لصالحه، بما يخدم توجهاته السياسية المصلحية في أن يكون له مكانا أكبر بين الجمهور.
وقد حرص المؤلف من خلال هذا الكتاب أن يعرض وجهات نظر كتاب ومثقفين وصحفيين بارعين وعلى مستوى من الحرفية والمكانة، تحدثوا عن طبيعة العلاقة بين السياسي والمثقف وكيف تعاني تلك العلاقة من حالات اختلال وعدم توازن وربما ارتباكا، عبر مقالات كتبوها، وكانت لهم إسهامة موفقة في شرح وتوضيح أبعاد تلك العلاقة، وبخاصة الكاتب والروائي والصحفي المحترف أمجد توفيق الذي يكاد يكون الأكثر من بين الكتاب في كشف خفايا تلك العلاقة، وأوضح كيفية اختلالها واضطرابها وعدم توافقها، وشرح الأسباب والدوافع، بمؤشرات عملية وواقعية، وفي صراحة الرجل ودقة تشخيصه ما يثلج صدر كل طامع إلى معرفة المزيد من أسرار تلك العلاقة، وكيف كانت وتكون، وماهية الأسباب التي تؤدي إلى تدهور تلك العلاقة في أغلب الاحيان، ونالت طروحاته القسط الاكبر من الاهتمام في تلك الدراسة.
كما عرض المؤلف وجهات نظر كتاب آخرين تناولوا هذا الموضوع كل من وجهة نظره، تعميما للفائدة، وحرصت على تقديم آرائهم وملاحظاتهم وعرض وجهات نظرهم، وهم كل من دهام الحسن، وبسام الهلسة، وجاسم الصغير، ومصطفى الغرافي من المغرب، وعلي حسين عبيد من العراق، وسيجد القارئ في وجهات نظر هؤلاء الكتاب الأفذاذ ما يقدم خدمة جليلة، للإلمام بهذا الموضوع الحيوي، والذي يشكل محور اهتمام الكثيرين، بما يوضح ويكشف تعقيدات تلك العلاقة وكيف تكون ملامحها، وضرورة أن يبقي المثقف على مسافة مع السياسي، إن أراد أن يكون له مكانة وتحترم كلمته. 
أما من فضَّل التوافق وربما الاندماج مع السياسيين ورجالات السلطة العليا ورغب بإستغلال جهده وإبداعه لخدمة أغراض هؤلاء، وأصبح بوقا للسلطة فهذا هو خياره الذي ارتضاه لنفسه، وهو من يتحمل تبعات هذا الاقتراب اذا ما اضطربت العلاقة بينه وبين السياسي في قادم الأيام.