حتى التنازل لن يسعف النهضة من مأزق حكم تونس

في حال فشل النهضة في تشكيل حكومة يصادق عليها البرلمان بـ109 أصوات خلال 60 يوما، سيكلف رئيس البلاد قيس سعيّد شخصية مستقلة من خارج الأحزاب لتولي ذلك.
قواعد داخل النهضة ترفض الدخول في التحالفات
موافقة "ائتلاف الكرامة" التحالف مع النهضة لا تكفي
ألغب الاحزاب ترفض رئيس حكومة من النهضة
فوز النهضة لم يمكنها من الحصول على غالبية مقاعد البرلمان

تونس - يجد حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية في تونس والفائز الأول في الانتخابات التشريعية التي جرت في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، نفسه أمام مهمة صعبة تقضي بترؤس الحكومة أو تكليف شخصية مستقلة من خارج الحزب بذلك، وهما خياران أحلاهما مرّ.

وتبدو مهمة الحزب الذي يمثل جزءا مهما من المشهد السياسي منذ 2011، معقدة، وسيواجه مخاضا صعبا لمحاولة إقناع برلمان بألوان أطياف سياسية مختلفة، ومؤلف من 217 مقعدا لم يحصد منها سوى أقل من الربع.

وانطلقت مشاورات النهضة غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية منتصف تشرين الأول/أكتوبر الفائت من دون أن تخرج كلها إلى العلن. لكن الحركة وجدت نفسها في مأزق أمام رفض العديد من الأحزاب مشاركتها الحكم.

وتمسك مجلس الشورى، السلطة العليا داخل الحزب، نهاية الأسبوع الماضي بأن يكون مرشح الحزب لرئاسة الحكومة من صفوفه لكن من دون أن يقدم أي اسم، بينما قدّم رئيسه راشد الغنوشي كمرشح لرئاسة البرلمان الجديد.

وقال رئيس مجلس الشورى في الحركة عبدالكريم الهاروني إن "الحركة متمسكة بحقها في ترؤس الحكومة"، منتقدا موقف بعض الأحزاب التي "تريد حرمان الحزب المنتصر" من حقه الذي يضمنه الدستور.

لكن ترؤس البرلمان والحكومة معا لن يكون ممكنا للحزب الإسلامي الذي تعود منذ 2011 على المشاركة في الحكم انطلاقا من الكواليس، وذلك في ظل إصرار الأحزاب التي فازت بعدد مهم من المقاعد في البرلمان على اختيار الاصطفاف في المعارضة بدل قبول شروط النهضة وسيطرتها كليا على الحكومة.

ولن تستطيع النهضة التي طالما كان حلم زعيمها الإمساك بالسلطتين التنفيذية والتشريعية لغايات قضائية، التفرد فعليا بتشكيل الحكومة حيث لا يؤهلها عدد نوابها في البرلمان الجديد لنيل المقاعد المطلوبة وهي 109 أصوات.

وأفضت الانتخابات التشريعية إلى ما وصفه مراقبون بـ"الزلزال الانتخابي"، إذ تشتت أصوات الناخبين بين العائلات السياسية التي تقدمت للانتخابات.

ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي "هناك أحزاب تعتقد أن حركة النهضة مرفوضة بشكل واسع من السياسيين ومن جزء كبير من الرأي العام. هي تخشى أن يجر التحالف مع النهضة تراجعا في شعبيتها وقيمتها السياسية".

وتستند هذه الخشية من خلال تجارب الحزب الفائتة في الحكم خصوصا خلال 2013 والأزمة السياسية التي اندلعت في البلاد إثر اغتيالات سياسية انتهت بتخلي النهضة عن الحكم ظاهريا لكنها بقيت تحكم في الظل.

وتضاف إلى ذلك حصيلة التحالف مع حزب "نداء تونس" في الحكم التي لم تكن مرضية لعموم التونسيين بسبب عدم ظهور بوادر الانفراج الاقتصادي الذي يريده التونسيون، بالإضافة إلى فشل الحزب الإسلامي في تقديم أي من الإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها ناخبيه في السابق.

الأحزاب في تونس أصبحت تخشى التحالف مع النهضة حتى لا تتراجع شعبيتها وقيمتها السياسية بسبب فشل الحزب الإسلامي في الحكم

وتحرص النهضة على عدم خذلان قواعدها الانتخابية التي أقدمت على تأييدها على أساس خطاب انتخابي يقوم على القطع مع الماضي.

ويعد الحزب الإسلامي لمؤتمره العام الذي سيعقد في 2020 وسط انشقاقات وخلافات داخلية حادة ربما تعصف بالحركة ككل خصوصا إنها ستكون نهاية ترؤس الغنوشي لها وهي خطوة ستشكل نقطة تحول في تاريخها الذي يبقى رهينة نتائج فترة 5 سنوات قادمة من الحكم.

في المقابل، لا يزال حزب "قلب تونس" الذي حل ثانيا في الانتخابات (38 مقعدا) يشترط شخصية مستقلة بخلفية اقتصادية لقيادة الحكومة بعد أن رفض قطعا في البداية الدخول في تحالف مع "النهضة".

وكان اتهم النهضة بالوقوف وراء سجن رئيسه نبيل القروي بتهم تتعلق بغسل أموال وتهرب ضريبي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية.

ويرى الجورشي أن النهضة يمكن أن تتوصل "إلى حل بإشراك كل الأحزاب بأوسع قدر، ولكنها ستكون خائفة"، مشيرا إلى "تواجد تيار كامل داخل النهضة يرفض الدخول في هذه التحالفات".

وشملت المشاورات التي أجراها الغنوشي أحزابا احتلت مراكز لا بأس بها في البرلمان بما فيها "التيار الديمقراطي" (22 مقعدا) وحركة "الشعب" (15 مقعدا)، لكنه لم يتمكن من خطب ودهما ليدخلا في الحكومة.

ويواصل الحزب "الدستوري الحر" (17 مقعدا) رفضه التحالف مع النهضة، مستندا إلى سياسة عدم مشاركة الحكم مع الإسلاميين لأنهم سبب الأزمات المتواصلة في البلاد، وفقا لما تقول رئيسته المحامية عبير الموسي التي ترفع لواء تأييد نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وأبدى حزب "ائتلاف الكرامة" (21 مقعدا) المقرب من النهضة موافقة للمشاركة في الحكومة، لكن هذا لا يكفي، إذ لا بد من اتفاق مع أربعة أو خمسة أحزاب أخرى للحصول على غالبية في البرلمان.

وفي حال فشل حزب الغنوشي في الخروج بتشكيلة حكومية يصادق عليها البرلمان بـ109 أصوات في مهلة زمنية تمتد على ستين يوما، سيتولى رئيس البلاد قيس سعيّد تكليف شخصية مستقلة من خارج الأحزاب تشكيل الحكومة.

ويخلص الجورشي إلى "وجوب أن يكون رئيس الحكومة شخصية بعيدة عن الأحزاب وفي الوقت نفسه مطمئن للأحزاب، وهذه معادلة صعبة".

وسيكون أمام من سيتولون السلطة التنفيذية صعوبات جمة أولها الملفات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فيما سيحاسب التونسيون النهضة التي وجدت نفسها أمام فوز بأغلبية في انتخابات مصيرية أجربرتها على الخروج من مشروعها العقائدي لتنفيذ اصلاحات ومشاريع اقتصادية أثبتت سنوات حكمها أنها تفتقد إليها.

وغدا الأربعاء، سيعقد البرلمان الجديد أولى جلساته التي من المتوقع أن يترأسها الغنوشي باعتباره أكبر النواب سنا (78 عاما).

ومن أهم وأول الملفات التي ستكون أمام المجلس النيابي الجديد ملف المصادقة على ميزانية 2020، حيث ينص الدستور التونسي على ضرورة مصادقة المجلس على ميزانية الدولة التي تمر بظروف اقتصادية ومالية صعبة قبل 10 ديسمبر/كانون الأول المقبل.